تأشيرة سفر.. لن تكتمل التجربة إلا في موناكو

2022-03-03

عاطف محمد عبد المجيد

عشت النصف الأول من حياتي، ولديّ يقين بأن الله لم يقسم لي أن أكون من هؤلاء الذين يسافرون إلى بلاد العالم، رغم أنني صحافي، وبحكم المهنة فقد أسافر في مهمة هنا أو هناك مثل بقية الزملاء. هذا ما يكتبه الكاتب الصحافي علاء عبد الهادي في مفتتحه لكتابه «تأشيرة سفر» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

عبد الهادي الذي يشكر الله أن منّ عليه بنعمة السفر والترحال بعد أن انفكت عقدة النحس التي كان يظن أنها السبب في منعه من السفر، وسد كل الأبواب أمامه، عندما ينظر وراءه يفكر في كيف بدّل الله حالة الضيق، التي انتابته نتيجة لعدم تمكنه من السفر إلى تعدد سفرياته، ويرى أن في السفر سبع فوائد بالفعل ومتعة بلا حدود.

هنا يذكر الكاتب أنه تعرف، من خلال السفر، إلى طبائع شعوب وقبائل لم يكن يحلم بزيارتها، مؤكدا أن القراءة شيء ورؤية العين والمعايشة شيء آخر. وهنا نعرف كذلك أن الكاتب كان قد سافر إلى الشرق، إلى الغرب، إلى الشمال وإلى الجنوب، ولا يدري سر الراحة حينما يتجه غربا، في حين بقي الاتجاه شرقا صعبا عليه. في سفره وترحاله عاش علاء عبد الهادي التنوع في أعظم صوره، شاهد الثلج وقت انعقاده، واستمتع بالمشي أثناء العاصفة، وسافر إلى بلاد تجاوزت حرارتها الخمسين درجة، سافر إلى بلاد منبسطة، وأخرى كلها جبال.

عشق فرنسا

هنا يكتب المؤلف قائلا إنه مع تعدد أسفاره نزل في غرف صغيرة ضيقة يصعب التحرك فيها، ونزل في غرف أخرى كبيرة، وفي أجنحة فندقية، وتولدت لديه عادة الاحتفاظ بمفاتيح الغرف، بعد أن أصبح المفتاح مجرد كارت إلكتروني ممغنط، يفقد قيمته مع القيام بإجراءات مغادرة الفندق. هنا أيضا يخبرنا عبد الهادي أنه اكتشف في أسفاره، أن هناك بلادا تُحب بمجرد النزول من باب الطائرة، ويتم الوقوع في هواها مع الدقائق الأولى، والأمر ليس له علاقة بدرجة التحضر أو التطور التكنولوجي، وهناك بلاد يشعر من يسافر إليها بوجود فجوة بينه وبينها، ولا يشعر بألفة مع شعبها وناسها، كما اكتشف كذلك أنه ككثيرين عشقوا فرنسا، خاصة باريس المدينة التي تحتوي زائريها وتشعرهم بالمتعة، فيما يرى أن أغرب بلد زاره هو اليابان لأن أهله لا يشبهون غيرهم، سوى في أنهم يأكلون ويشربون ويتنفسون.

عبد الهادي الذي يؤكد أن هناك مطارات فيها كل سبل الراحة كمطار دبي، وهناك مطارات أخرى لا فرق بينها وبين محطات الأوتوبيس، وربما أقل منها، يشير إلى أن أسفاره أتاحت له التعرف على طبائع البشر، ولمْس أسباب نهضة الغرب، ذاكرا أنه مع كثرة أسفاره، أصبح يحتفظ بأي تذكار من البلد الذي يزوره. هنا يخبرنا الكاتب أن العالم لم يعد كما كان، فثورة الاتصالات جعلت من العالم قرية صغيرة، كما يقول إنه مع كثرة السفر تولدت لديه عادة تخصه وحده لا يشاركه فيها أحد، ولا يخبر بها أحدا حتى لا يصفه بالجنون، وهي أنه يُحدّث الأماكن ويودع المدن التي يزورها ويُجري حوارات مع الأمكنة ومع الشوارع وأهم المعالم، سائلا نفسه في نهاية كل رحلة: هل يكتب الله لي زيارة هذا المكان مرة أخرى؟

هنا وفي «تأشيرة سفر» الذي جعلنا نسافر إلى مدن عديدة زارها الكاتب وحدثنا عن رحلاته إليها يقول: في المطارات القريبة تبقى الوجوه قريبة، مألوفة، ملامحها شرق أوسطية، وبقدر ما تبتعد بنا الطائرة بقدر ما تتغير ملامح الوجوه ويكون هناك شعور بالوحشة.

زمن الجمال

واصفا كتابه هذا يقول علاء عبد الهادي إن سطوره هذه دعوة للعودة إلى زمن الجمال، ودعوة لعودة مصر التي كانت جميلة، قوية بأهم سلاح وهو قوتها الثقافية الفنية الناعمة. هنا نسافر مع عبد الهادي ونتجول معه في مطارات ومدن وشوارع وبلدان بعضها يشبه بلداننا، وبعضها يختلف عنها، بها ناس تختلف ثقافتهم عن ثقافتنا وعاداتهم وطقوسهم الحياتية، التي قد يصل بعضها إلى حد الغرابة. هنا يؤكد الكاتب أن السفر مع أي فرقة فنون شعبية له متعة خاصة، فهم قد اعتادوا من كثرة الأسفار أن يعدوا العدة لقضاء وقتهم على طريقتهم الخاصة، بينما يقول إن زيارة أمريكا يبقى لها طعم خاص لا يُقارن ولا يُقاوم، تأشيرة أمريكا لها سحر خاص يختلف عن أي تأشيرة أخرى.

المؤلف الذي حلم بزيارة مدينتين هما بكين وبغداد، يقول إن الاتجاه شرقا يحتاج إلى استعدادات نفسية وبدنية كبيرة، فالطيران يكون باتجاه الشمس، والشمس تسبق الجميع أينما ذهبوا، بينما من يسافر باتجاه الغرب يجد الليل أينما ذهب. ومن خلال زيارته للصين، يؤكد الكاتب أن المطعم الصيني يختلف كليّا عن المطعم في مصر والشرق الأوسط، والطعام الذي نراه في المطاعم التي تدعي أنها صينية لا علاقة له بالأكل الصيني. عبد الهادي يقول كذلك إنه إذا أتيحت الفرصة لأي إنسان أن يجوب العالم شرقه وغربه، فسوف تبقى تجربته غير مكتملة حتى يزور إمارة موناكو، التي رغم وجودها في قارة أوروبا إلا أنها تبقى في النهاية استثناء في كل شيء، وهي لا تمنح جنسيتها لأحد إلا بعد أن يقيم فيها لمدة عشر سنوات متصلة، ولا تمنح جنسيتها إلا لخمسة أشخاص في العام.

هنا وفي «تأشيرة سفر» الذي جعلنا نسافر إلى مدن عديدة زارها الكاتب وحدثنا عن رحلاته إليها يقول: في المطارات القريبة تبقى الوجوه قريبة، مألوفة، ملامحها شرق أوسطية، وبقدر ما تبتعد بنا الطائرة بقدر ما تتغير ملامح الوجوه ويكون هناك شعور بالوحشة.

كاتب مصري









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي