كم رشة ملح وكم قطرة عسل

2022-01-20

إكا كيفانِشفيلي

ترجمة: يحيى عاشور

عندما أشتاق أُمّي

الحقيقة أجدى.

عندما أشتاق إلى أُمّي، أفتحُ النافذة وأترك جبيني للريح.

الريح تأتي من حيث لا أدري وتنثر الغبار على وجهي.

بينما أُغمضُ عينيّ وأذهب لأُمّي.

ليس بوسعها أن تراني، لكن كواحد من كلابنا أتبعها، أرافقها إلى العمل.

أشاهدها وهي تقترب من كشك الجرائد ومن البسطات في السوق،

 ومن الجسر ومن المتجر،

أحياناً أشاهدها وهي تقف كتمثال عند باب مديرها،

وأحياناً وهي تتبع طريقاً فوق التلّة يقود إلى حقل ذرة.

أحرسها بعينيّ كي لا تكبر سهواً.

أُمّي لا تعرف ولا يجب أن تعرف

كيف عندما أغلق عينيّ أظهر قربها عند طاولة المطبخ.

بهدوء. عند الزاوية.

أنظر إلى يديها، شَعْرِها الذي لم تصبغه،

وحدَتها.

عندما تخلد أُمّي إلى النوم، أفتح عيني وأستدير إلى الجنب الآخر

هذه الأيام، كثيراً ما أجد نفسي مشتاقةً إليها،

أُمسك بالهاتف وأبحث عن اسمها في جهات الاتصال.

أُمّي، أشتاق إليك. هاكِ الكلمات التي أريدُ قولها، ثم أُنهي المكالمة.

بعد ذلك، أريد أن نبكي معاً،

لأنّني أخيراً قلتها لكِ.

مُخزٍ أن أعترف

لكنّني بدلاً من قول تلك الكلمات، أسألك،

أُمّي، كم ملعقة من السكر تلزم.

كم رشة ملح.

وكم قطرة عسل.

■ ■ ■

أُمّي ستتأخر اليوم

أُمّي ستتأخر اليوم. مجدّداً.

كالعادة سأجلس عند النافذة

أنتظر بقعة صغيرة كذبابة مثلاً لتصير أُمّي.

ما الذي يجعلها تتأخر كل هذا؟ - مربية الروضة ستتذمر كالعادة

وبعد ذلك ستغفو وهي تحيك.

قبل أن تأتي أُمّي سأرسم رقاقات الثلج على زجاج النافذة.

"لا تجعلي الزجاج يتسخ!" - تصرخ المربية في وجهي

وهي تفتح عينها اليمنى فجأة كتنّين.

أتساءل لِمَ قد تعتقد المربيات أنّ رقاقات الثلج قذرة

أو لِمَ عاقبن "ليلا جبريتشيدزه" بالأمس؟

جعلوها تضع رأسها على الطاولة النتنة

بعد أن رفضت أكل حساء النودلز بالخضار

"أُمّي، كنت أرسم تلك الرقائق من أجلك" ، - سأقول لأُمّي حين تأتي، -

"أنا لا أخاف من تلك المربية."

"أمّي، سأحتمل تلك الساعات بدونك، لا تقلقي!"

عندما تأتي أخيراً، ستُبدي أسفها بصوتها المنهك:

"اعذريني، عزيزتي، طالت مدة الاجتماع في عملي"،

ثم ستمسك بيدي وسنمشي على طول الشارع الثلجي.

تطلب مني أن أخبرها عن يومي.

يداها دافئتان، هذا يعني أنّ قصة خُرافية ذات النصف ساعة تنتظرني -

مدّة المَشي في شارع في بلدة صغيرة باتجاه المنزل.

"أُمّي، أتعلمين، أكَلَ المعلِّمون اليوم كعكة عيد ميلاد نيكو كلها.

أعطونا، نحن الأطفال، فقط شرائح رقيقة منها".

نمشي أنا وأُمّي بحذر على الطريق الجليدي -

هذا هو الطريق المعتاد من الروضة إلى البيت.

في البلدات الصغيرة نتحرك ببطء مستعينين بحواف تمنع الانزلاق في الشتاء.

إنه لأمر مدهش أن أمشي ببطء مع أمّي من حينٍ لآخر

أتمنى أن تتأخر مجدداً غداً،

سأروي لها الكثير من الحكايات ...

إذا حصل ذلك، فإن أصواتنا فقط هي التي ستعبر صمم أمسيات الشتاء.

أُحب أن أمشي مع أمّي عندما تكون متعبة.

في بعض الأحيان لا يسعني إلّا أن أنظر إلى الوراء وأرى -

يا خسارة، الثلج يغطي، بسرعة، آثارنا.

■ ■ ■

لا شيء أكثر، سيّدي

سيّدي العزيز،

فُكّ رباط حذائي.

رِجلاي في الحذاء الأبيض أمامك.

منهكتان جداً تظهر عروقهما بنفسجية منتفخة.

سيّدي، اخلع عنّي ملابسي، ماذا تنتظر؟

هناك اثنا عشر زراً، فُكّها.

هذه الملابس الداخلية المرجانية،

هذا القميص المخطَّط الذي يحوط رقبتي بإحكام،

هذه الجوارب البيضاء

هذا الجينز المهترئ

الذي أرتديه لخمس دقائق، من أجلك

يكفي أن ألبسه لخمس دقائق،

لأنزلق بسلاسة إلى عالمك الموازي

كأنني عبرت مرآة وتحوّلت إلى ماء.

سيدي العزيز،

وجهي تحت إمرة لسانك المتصلّب - خلّصني من المكياج الأزرق.

يا للعجب، أتساءل ما الذي سيبقى مكان العيون.

لا تقلق بشأن الغُبار

أثناء التنقل ذهاباً وإياباً بين هذه العوالم،

أحيانًا أكون على طريق ترابي - سأتخلّص منه.

سيدي، في الحقيقة أنا مواكبة سيئة للموضة

لذا جرّدني من ملابسي برقة،

ولا تنزع أيّ زر

لأنّه عندما ترحل،

عليَّ أن أرتدي تلك الملابس مرة أخرى،

أدخل من باب آخر وأقول:

يا له من يوم مرير، لا تسألوني عن أيّ شيء.

بطاقة

Eka Kevanishvili شاعرة جورجية من مواليد العاصمة تبليسي عام 1979. تخرجت من كلية الصحافة عام 2002. صدرت لها عدة مجموعات شعرية: "إشاعة" عام 2006، و"لا تقف هنا" عام 2010، و"أبيع المنزل" التي حصلت على جائزة "سابا" الأدبية لأفضل مجموعة شعرية عام 2014، و"خطة إخلاء" عام 2016، بالإضافة إلى مجموعة قصصية وكتاب يضمّ مجموعة مقالات ولقاءات. تُرجمت قصائدها إلى الإنكليزية والألمانية والإيطالية والسويدية والروسية وعدة لغات أخرى.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي