«انتهاك الأزرق» في التفكير الكتابة ضد الذات

2022-01-18

في تقديمه لكتاب «انتهاك الأزرق» في الكتابة والتفكير ضد الذات (دار الدراويش في بلغاريا 2020) يأتي المترجم المغربي محمد العرابي، على ذكر الناظم الفكري الذي تحكَّم في اختيار النصوص وترجمتها، حيث حصره في فكر الاختلاف المنبوذ في الثقافة الغربية، (فكر الماركيز دو ساد، أنتونان آرتو، جورج باتاي) إذ يعتبره بمثابة فكرٍ يعصف بكل ما استتب إلى حدِّ الآن من أنماط النظر، وخصوصا ذلك الذي يقوم على أساس وضعي، يجعل نقطة ارتكازه الحقيقة العلمية ومنطقها الصارم. فكر هامشي يفتح جرح النرجسية الغربية ومركزيتها، ويعيد مساءلة مسلماتها القائمة على أيديولوجيا الحرية المطلقة التي لم تعد تعترف بالمنع وبالمقدس وبما يسميه باتاي بـ»الإيروسية» التي لا يمكن اختزالها في مظهر الجنسانية وحده، ما يجعل كل حديث عن الانتهاك والخرق تبعا لذلك خاليا من كل معنى. وقد يستغرب البعض من وصف هذا النمط من التفكير بالهامشي، اعتبارا للمساحة الكبيرة التي يعطيها الغرب لحرية التعبير، لكن الوقائع تقول غير ذلك. محاكمة جان جاك بوفير ناشر أعمال الماركيز دو ساد، دالة في هذا السياق. وهي القضية التي استدعيَ فيها جورج باتاي كشاهد، وكانت مرافعته لصالح هذا الكاتب الذي اعتبرت نصوصه ذات خطورة محتملة على المجتمع. وهنا يأتي دور الفلسفة التي تفتح نوعا من هاوية رعب، يتوجب علينا معرفتها، من أجل إنارة الطريق نحو التقدم.

وحسب المترجم فإن المعرفة التي تدفع إلى التقدم وتنير الطريق لا تكون دائما واضحة بما فيه الكفاية من خلال مساءلتها للتجربة الحية المعيشة، للإنسان المعاصر، التي لا تستند إلى تفسير منطقي. وهو ما يجعل هذه المعرفة تقف عند مشارف التجربة واللاوعي، دون أن تتخطاهما أو تجلي كل أسرارهما أو تتمكن من حلِّ التعارض القائم بين الذات والموضوع، في تحدٍّ سافر للتفكير الفلسفي القائم على الفصل بين وجهي «الخندق» ومناوأة الرغبة. وها هنا نصل إلى الأدب مكان الرغبة الذي يرجئ الحضور/ المعنى إلى حين، الحضور أي الرغبة المكبوتة التي هي على الأصح فقدان السيطرة على الرغبات التي لا تواجه أي تأجيل. وعلى هذا الصعيد، نشهد تقاربا بين الفلسفة والأدب، حيث تغدو الفلسفة في الوقت نفسه أدبا – وإذن لا تبقى مجرد فلسفة «خالصة» (عقلية) لكنها تغدو مصابة بالعدوى على الدوام بواسطة الرغبة (اللاعقلية) أيّ بواسطة الشر أو العنف.

على قاعدة التفكير في الأدب الذي يتيح للإنسان أن يحيا، على صعيد الكتابة والوعي، بعضا من الفظاعات التي يكون هذا الإنسان قادرا على ارتكابها، و»تسمح له بأن يعيش تجربة نابعة من كيانه، وإن رفض القبول بها على الصعيد العقلي المحض، باعتبارها تكوِّن حقيقته، كتجربة للمستحيل.. وكتجربة لنزع الملكية على شكل زهد في الذات، على قاعدة هذا التفكير إذن، تم اختيار وترجمة هذه النصوص التي تنطلق من جورج باتاي، الذي اعتبرت كتابته شرطا تاريخيا لوجود أنماط متعددة من التفكير، ظهرت في نماذج نذكر منها حصرا وتمثيلا: ميشال فوكو وموريس بلانشو وجاك لاكان وجاك دريدا وفليب سوليرز… وصولا إلى جان لوك نانسي.

توزع الكتاب على محاور ثلاثة. القسم الأول انصب على بعض أعمال جورج باتاي، وعلى دراسات تناولت كتاباته بالدرس والتحليل: «من الأخلاق إلى فائض الأخلاق» للمفكر والكاتب التونسي فرج الحوار. «الكتابة والشر» للألماني آرثر ر. باولدرل. «تقديم للانتهاك» لميشال فوكو. «إلى جانب نيتشه» لموريس بلانشو. تمهيد لكتاب «الأدب والشر».. «الأسد المخصي».. «ميشليه» وكلها لجورج باتاي. وتمحور القسم الثاني حول ميشال فوكو، حيث ضَمَّ محاضرتين صوتيتين بعنوان: «الجسد الطوباوي» و»أماكن أخرى». و»طوباويات، وأماكن أخرى عند ميشال فوكو» لفليب سابو. وتمحور القسم الأخير حول جان لوك نانسي، وضم دراسات: «جسد» «سُكْر» لجان لوك نانسي، «محاكمات أنطونان آرتو لجان لوك نانسي، وألان جونون.

امتد الكتاب المترجَم على 220 صفحة من القطع المتوسط.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي