التاريخ والهوية في قلب الجدل الانتخابي الفرنسي

أ ف ب-الامة برس
2022-01-08

العلمان الأوروبي والفرنسي في رواق في البانتيون في باريس في صورة التُقطت في 7 كانون الثاني/يناير 2022 (أ ف ب)

باريس: رفرف العلم الأوروبي تحت قوس النصر في باريس احتفالا بتسلّم فرنسا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، لكن لأقلّ من يومين، لأنه أُزيل جرّاء الجدل الذي أطلقه اليمين واليمين المتطرّف المعارضان للرئيس ايمانويل ماكرون، والذي يعكس هيمنة التاريخ والهوية على الحملة الانتخابية.

وانتُقد رفع العلم الأوروبي في هذا المكان على نطاق واسع. بعد اختفائه، قالت الحكومة الفرنسية إنه كان مُقرّر أصلا رفعه ليومين فقط، الأمر الذي تشكك فيه المعارضة.

تحت قوس النصر، توجد رفات "الجندي المجهول"، رمز الجنود الذين قتلوا خلال الحرب العالمية الأولى. وكل مساء، تُضاء شعلة في المكان لتكريم هؤلاء. وقالت رئيسة الجبهة الوطنية مارين لوبن إن رفع العلم الأوروبي هناك "اعتداء على هوية وطننا".

وانتقد المرشّح الآخر من اليمين المتطرّف إريك زمّور رفع علم الاتحاد الأوروبي قبل أقلّ من مئة يوم على الانتخابات الرئاسية.

أمّا جان-لوك ميلانشون، مرشّح اليسار المتطرّف، فندّد بـ"نزوة تواصلية مع رموز الدولة".

ورأت مرشّحة اليمين فاليري بيكريس أن "لإيمانويل ماكرون مشكلة مع تاريخ فرنسا"، مشيرة الى أنها كانت تُفضّل أن ترى العلمين الفرنسي والأوروبي يرفرفان جنبًا إلى جنب، مثلما حصل خلال الرئاسة الفرنسية السابقة للاتحاد الأوروبي في عهد نيكولا ساركوزي.

ويكشف الجدل الحساسيات حول مسائل الهوية الوطنية والتاريخ داخل قسم من الرأي العام قلقٍ بشأن الاندماج في أوروبا والهجرة وإعادة مساءلة التاريخ الفرنسي.

ويؤيّد 66% من الفرنسيين فكرة أن "هؤية فرنسا تختفي"، بحسب استطلاع للرأي أجراه المعهد الفرنسي للرأي العام في مطلع كانون الثاني/يناير، فيما يرى 82% من المستطلعين أن "هناك استغلالا لمسائل مرتبطة بالهوية من جانب بعض الشخصيات السياسية". ويعتبرون أن التهديدات الرئيسية لهويتهم تكمن في "الضعف الاقتصادي" و"تراجع الصناعة" و"البطالة".

- تمجيد "ماضٍ مثالي" -

وتشهد فرنسا منذ أشهر جدلا حول تاريخها وماضيها، تتسبب به أحيانًا تصريحات لإيمانويل ماكرون.

فقد دعا الرئيس الفرنسي في نيسان/أبريل 2021 إلى "تفكيك، بطريقة ما، تاريخنا"، من أجل مواجهة تداعياته الحالية، وأبرزها العنصرية والتمييز، بشكل أفضل. وأثارت أقواله حينها ردودا من اليمين واليمين المتطرّف، وأخذت عليه مارين لوبن أنه "يكرّر أفعال التوبة".

ويرى المحلل السياسي جان غاريغ أن "الاستشهاد بالتاريخ في السياسة الفرنسية امر يحصل باستمرار، منذ قرون. وهو يُغذّي النقاش السياسي باستمرار"، مشيرًا إلى "خصوصية في هذه الفترة السابقة للحملة الانتخابية" تتمثل في شخص إريك زمور الذي وضع "الاستشهاد بالتاريخ في صلب خطابه".

وقال زمور الذي يُقدّم نفسه على أنه آخر مُدافع عن فرنسا مثالية آخذة بالاختفاء، مرارا إن عهد فيشي أنقذ يهودًا، الأمر الذي لا يوافق عليه المؤرّخون.

ويقول غاريغ إن برنامج إريك زمور الانتخابي الذي "يمجّد ماضيًا رفع الى مرتبة المثاليةا" هو برنامج "رجعي" ويُذكّر بخطابات "اليمين المتطرّف من مطلع القرن العشرين".

ويرى المحلل السياسي باسكال بيرينو أن "اليسار يلتزم الصمت" منذ عقود في مواجهة اليمين واليمين المتطرّف اللذيّن يُركّزان النقاش حول الهوية الوطنية.

وتمحورت حملة نيكولا ساركوزي في العام 2007 حول هذا الموضوع. وأنشأ وزارة الهجرة والاندماج والهوية الوطنية ووحدة التضامن التي انتقدها اليسار بشدّة، إلى أن أُلغيت في العام 2010 على أساس مصطلح "الهوية الوطنية".

ويضيف بيرينو "من الصعب جدًا تحديد موقف ماكرون من هذا الموضوع"، متابعًا "في العام 2017، كان معظم المقترعين له من اليسار، أمّا اليوم فهو في خط اليمين بالأحرى. نعلم أنّه تحرّك لكن نجهل نقطة وصوله".

في اليسار، جان-لوك ميلانشون هو الوحيد الذي يشارك في النقاش التاريخي. وقد انتقد "الروح الاستعمارية" للسلطات الفرنسية خلال زيارة له في كانون الأول/ديسمبر إلى جزيرة غوادلوب الفرنسية في منطقة البحر الكاريبي حيث حصلت أعمال عنف ضد القيود الصحية المضادة لتفشي كوفيد-19.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي