من معنّفات إلى ناشطات: عراقيات يكافحن العنف لمساعدة أخريات

أ ف ب - الأمة برس
2022-01-02

 

نساء يتظاهرن في بغداد أمام محكمة في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2021 احتجاجاً على تزويج فتاة قاصر(ا ف ب)

تدخل أزهار مسرعةً إلى مكتبها في إحدى الإدارات العامة في بغداد قبيل انتهاء الدوام. تلملم أغراضها قبل أن تتوجه لبدء إعطاء دورات قانونية لنساء معنفات مستفيدة من تجربتها المريرة في انتشال عائلتها من أيدي رجل "كادت تموت" على يده.

لسنوات، واجهت عائلتها والأعراف الاجتماعية وقانوناً لا يعطي أولوية لقضايا النساء، قبل أن تنجح في أن تحصل على الطلاق من من رجل عنيف تزوجته بضغط عائلي بعدما ترمّلت بسنّ صغيرة.

وتروي أزهار (56 عاماً) التي باتت الآن ناشطة حقوقية منخرطة في منظمة "شبكة النساء العراقيات"، أنها "شعرت أنني ضعيفة أمام القانون، لذلك قررت دراسة" الحقوق.

وتضيف أنها بعدما حصلت على شهادتها الجامعية في القانون، باتت تساعد "نساء أخريات من معرفتي وتجربتي... لكي يعرفن حقوقهن ويتمكنن من الدفاع عن أنفسهن... أي امرأة معنفة أو تحتاج مساعدة قضائية أٌدعمها".

في مجتمع أبوي ومحافظ إلى حد كبير، تقود المنظمات غير الحكومية والناشطات النسويات المعركة للدفاع عن حقوق المرأة في مواجهة العنف، منددة بتقاعس السلطات في مواجهة هذه الحالات وقوانين لا تنصف النساء.

من حقيبة يدها المليئة بالأوراق، تخرج أزهار صوراً توثّق آثار ضربٍ مبرح تعرضت له على يد زوجها. وتقول "اعتقدت أنني كدت أموت".

وتضيف وعلى وجهها الذي لفّته بوشاح قرمزي، علامات تحد، "كان ذلك في العام 2010، حينها قررت أن أكسر الطوق وأقمت دعوى تفريق، لكن القاضي كان يعرف زوجي، وقام بردّ الدعوى".

وتستطرد قائلةً "قدّمت للقاضي ثلاثة تقارير طبية توثق الضرر الجسدي الذي أصابني. جوابه كان: +لن أفرق عائلة على أساس تقارير طبية، وماذا لو ضرب رجل زوجته؟+".

بعد عشر سنوات، حصلت أزهار على الطلاق. خلال تلك الفترة، استأجرت منزلاً خاصاً بها مع أولادها الثمانية، وعملت في ثلاث وظائف لتعيلهم، بينها إعطاء دروس خصوصية وقيادة سيارة أجرة.

-"على حساب الضحية" -

وأحصت وحدة حماية الأسرة في وزارة الداخلية "17 ألف دعوى اعتداء زوج على زوجة خلال العام 2021"، وفق ما يقول مدير العلاقات والإعلام في الوزارة اللواء سعد معن لوكالة فرانس برس. ويتلقى الخطّ الساخن للوحدة نحو مئة اتصال يومياً في بغداد فقط للإبلاغ عن عنف ضد نساء.

وأظهر إحصاء لوزارة التخطيط العراقية ارتفاعاً بنسبة زواج القاصرات خلال عشر سنوات. فقد تزوجت "25,5% من النساء قبل بلوغهن 18 سنة و10,5% قبل بلوغهن 15 سنة"، بينما بلغت النسبتان في عام 2011 على التوالي 21,7% و4,9%".

ويقول مدير وحدة حماية الأسرة في وزارة الداخلية علي محمد إن معظم القضايا تنتهي، حتى بعد تحويها إلى القضاء، بالمصالحة.

لكن الناشطة هناء إدوار ترى أن "المصالحة دائماً ما تكون على حساب الضحية". وترأس هناء إدوار منظمة "الأمل" العراقية التي أحصت أكثر من 1800 حالة عنف أسري ضمن مراكزها الستة في كركوك هذا العام. وللمنظمة مركزان آخران في النجف والبصرة.

وتضيف الناشطة النسوية منذ أكثر من 50 عاماً "نلاحظ أن حساسية القضاء في ما يخص النوع الاجتماعي، في ما يخص المرأة، أضعف بكثير من الذكورية المتلبسة بها عقول القضاة".

وتشاركها الرأي المحامية مروة عليوي، رئيس منظمة "لأجلها" التي تقدّم خدمات قانونية للنساء. وتقول "لا تنظر المحاكم ومجلس القضاء الأعلى لقضايا النساء على أنها أولوية بل تتعامل معها على أنها قضايا عادية".

ويطبق قانون العقوبات العائد للعام 1969 على قضايا تعنيف النساء أو يتم التعامل معها في معظم الأحيان على أنها جنح عادية. ويُسقط هذا القانون العقاب عن المغتصب إذا تزوّج من ضحيته، وهذه من أبرز المواد التي تطالب الجمعيات النسوية بإلغائها.

ولا يزال مشروع قانون العنف الأسري الذي تعمل له منظمات محلية عدة، في أدراج البرلمان منذ 2010، بعد عرقلة أحزاب إسلامية تمريره.

وتشرح عليوي أنه "لعلّ أهمّ ما يتضمنه مشروع القانون هو إنشاء مآوي للنساء المعنفات".

- "خارجة من سجن" -

وتحركت السلطات أخيرا بعدما أثارت قضية تعنيف غضبا عارما في الرأي العام.

فقد تعرّضت مريم (16 عاماً) للتشويه بالأسيد من رجل رفضت الزواج منه، كما روت عائلتها لقنوات تلفزيونية محلية. عندما خرجت القضية للإعلام المحلي بعد سبعة أشهر من الجريمة، استقبلها مسؤولون من ضمنهم رئيس الجمهورية، وأبدوا استعدادهم لمساعدتها في العلاج.

كما أصدر قاضي التحقيق المختص في قضيتها بياناً أكّد فيه أن المشتبه فيهما موقوفان ويجري التحقيق معهما.

وترى عليوي أن "قضية مريم لولا الضغط الإعلامي، لكان النظر بها سيأخذ أكثر من عامين".

في كركوك، كانت منظمة "الأمل" طوق نجاة للينا (اسم وهمي) بعدما عانت من التعنيف من زوجٍ أرغمت على الارتباط به حين كانت تبلغ 13 عاماً فقط.

وتقول لفرانس برس عبر الهاتف "كان عمري 25 عاماً حين قلت كفى. ضربني زوجي بطريقة لا توصف. لم يلمه أحد. ثمّ أرسلني هو ووالدي إلى طبيب ليقول إنني أعاني من خلل خشية من أن أفضح أمره. الطبيب لاحظ آثار الضرب على جسدي ووصلني بالجمعية".

 وتروي الشابة البالغة من العمر 29 عاماً "كانت لي ثقة بالجمعية أكثر من الشرطة". وتضيف "يوم أخذت ورقة طلاقي وخرجت من المحكمة، كنت كما الخارجة من سجن".

وتطمح الآن لأن تكمل دراسة علم النفس، وهي تعمل ناشطة في الجمعية نفسها التي أنقذتها.

وظيفتها زيارة البيوت وإعطاء محاضرات للنساء عن حقوقهن. هكذا، ترصد حالات محتملة لعنف أسري وتسعى برفقة باحثات اجتماعيات الى مساعدة النساء.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي