أكد الصحافي بينوا دلما في مقال بمجلة “لوبوان” الفرنسية أنه تفاجأ وشعر بحرج بالغ كمن يحمل الأخبار السيئة للآخرين، عندما اتصل بالرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي ليسأله عن رد فعله فور إعلان وكالة الأنباء الرسمية التونسية الحكم عليه “بالسجن النافذ 4 سنوات في بلده”، ليكتشف أن الرئيس التونسي السابق متفاجئ فعلا بالخبر، ولم يكن له علم بعد بالموضوع.
وشدد الكاتب على أن المرزوقي لما أُبلغ بالخبر لم يصدقه في البداية، وقال إنه لم يكن على علم بأي إجراء ولم يتلق استدعاءً، مضيفا “لا أستطيع أن أعبر عن مدى دهشتي وما أشعر به من خجل تجاه العدالة التي اتخذت هذا القرار”، أما الأسباب فقال إنه يجهلها، لأنه لم تصله رسالة من أي محكمة تتعلق بهذا الموضوع.
وأكد المرزوقي، الذي كان رئيسا لتونس من 2011 إلى 2014، أن هذه العقوبة تدخل في سياق معارضته علنا للرئيس الحالي قيس سعيد الذي يسميه “زعيم الانقلاب”، وكشف: “جواز سفري الدبلوماسي أخذ مني قبل عدة أسابيع”، وبالتالي فإن الرئيس الجديد لم يغفر له وقوفه ضد “الانقلاب الدستوري في 25 يوليو/تموز”، أو ما اعتاد التونسيون في النهاية على أنه عاصفة رئاسية ضد “الخونة” و”المجرمين”.
وتساءلت المجلة: هل سبب سنوات السجن الأربع أن المرزوقي اقترح على زعماء فرنسا -عبر وسائل الإعلام- تأجيل قمة الفرانكفونية المقرر عقدها في نوفمبر/تشرين الثاني في مدينة جربة إلى أن تستأنف المؤسسات الديمقراطية التونسية عملها؟ وعلى إثر ذلك قامت منظمة الفرانكفونية بتأجيل القمة لمدة عام، وذلك “حتى تتمكن تونس من التحضير لها بشكل أفضل”، كما أعلنت رسميا. وتشير “لوبوان” إلى أنه حينها انطلق حنق قيس سعيّد ضد المرزوقي، ليسحب جواز سفره الدبلوماسي، ووجهت له تهمة “المساس بأمن الدولة من دولة أجنبية”.
وشددت المجلة على أن الإعلان عن هذا الحكم الغيابي، أثار قلقا في تونس العاصمة، ولا سيما أنه حُكم في الأسبوع نفسه على العضوة السابقة في البرلمان بشرى بلحاج حميدة، بالسجن 4 أشهر بتهمة القذف بسبب منشور على فيسبوك. ومع أن القضيتين ليستا مرتبطتين، فإن المخيف في الأمر هو أن الاستخدام السياسي للعدالة أصبح سلاحا لتجريم الخصوم، في وقت تعيش فيه تونس، منذ 5 أشهر، من دون برلمانها “المجمّد” من قبل سعيد حتى نهاية عام 2022.
ونقلت عن أحد معارضي الرئيس الحالي قوله ساخرا إن “هذا الحكم كان يحلم به (الرئيس السابق زين العابدين) بن علي، ونفذه قيس سعيد”، لتعلّق المجلة بأن إدانة أول رئيس للجمهورية ينتخبه النواب المؤسسون، هو المسمار الأول في نعش حرية التعبير.
وبعد 5 أشهر من السلطة غير المحدودة كما تقول المجلة، أعلن الرجل القوي خريطة الطريق لعام 2022، وهي تشمل استفتاءً دستوريا في يوليو/تموز، وانتخابات تشريعية في ديسمبر/كانون الأول، على أساس نتيجة الاستفتاء، مما قد يكون نهاية كل البناء السياسي الذي تم إقراره والتصويت عليه في أعقاب الثورة.
ورأت المجلة أن خريطة الطريق التي قدمها سعيد أقرب إلى خريطة شك، لأن من الواضح أنها قفزة نحو المجهول، خاصة عندما يقول الرئيس إنه يفضل “ناتج السعادة الإجمالي” على الناتج المحلي الإجمالي، مراهنا على الخيار بين 25 يوليو/تموز أو الفوضى.
وخلصت المجلة إلى أن الحملة السياسية الدستورية القادمة ستكون مثيرة للانقسام وفي غير محلها، فهي مثيرة للانقسام لأن الخيارات المؤسسية التي اتخذت بعد الثورة سوف يتم إخمادها، وهي مشتتة وفي غير محلها، لأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي يأخذ منعطفا مقلقا.