أرنست همنغواي في عصر تويتر

2021-12-14

ترجمة: صالح الرزوق

ناقش الموسيقي والكاتب جوش جونز في مجلة «الثقافة الحرة» ما تتداوله الحلقات الأدبية حول ريادة وتأسيس همنغواي لفن قصة الست كلمات، واعتبر أنها مجرد بدعة أو أسطورة، شأنها شأن الشعر العربي الجاهلي، نصفه حقيقي وما تبقى منحول. أو أنه مجرد عمل جماعي ومشترك مثل السير الشعبية، وألف ليلة، أو حتى مثل كتاب «حلقة بطرسبورغ» عن فرويد الذي يعزى أحيانا لباختين.

وأشار جونز إلى أن همنغواي المعروف بتهوره، لم يكن عرابا لتقاليد سائلة بلا قوام ولا كتلة، ولا يمكن في أي حال من الأحوال أن يعمد مؤلف عمل ملحمي خالد هو «الشيخ والبحر» و»لمن يقرع الجرس» إلى اختزال روح الأحداث الدراماتيكية لعالمنا، بقصة طولها أقل من سطر واحد، حتى أن النص بكامله هو أقصر من عنوان أي قصة. لكن تؤكد الأخبار «الملفقة» أنه كتب قصته هذه في وقت ما من القرن العشرين في فندق ألغونكوين (أو ربما لوشو) بعد رهان عقده مع زملائه الكتاب على عشرة دولارات أثناء وجبة غداء. وكان موضوع الرهان: أن يكتب رواية لا يزيد طولها عن ست كلمات. وقد دون كلماته على فوطة، ومررها حول الطاولة، وبعد ذلك جمع النقود التي كسبها.

ويضيف جونز: لكن بعد التنقيب تبين أن القصة ظهرت عام 1906 وكان همنغواي حينها بعمر سبع سنوات. وقد نشرتها صفحة مخصصة للإعلانات تحت عنوان «حكايات منزلية من بروكلين» وكان نصها: «للبيع، عربة أطفال، لم تستخدم سابقا. اطلبها من المكتب». ثم ظهر نص مشابه جدا عام 1910، وتبعه آخر عام 1917 بعنوان: «حذاء صغير غير مستعمل» وهو مقالة لوليام ر. كاين عن «زوجة فقدت ابنها».

أما السطر المنسوب لهمنغواي، كما يقول دافيد هاغلوند في مجلة «سلايت» فقد ظهر «عام 1921 في عمود كتبه روي ك. مولتون في إحدى الصحف، ويتضمن جملة مقتبسة عن شخص مجهول اسمه جيري. ونصه كالتالي: «هناك إعلان تجاري في مسامرات بروكلين ونصه: عربة أطفال للبيع، لم تستعمل سابقا. هل يمكن أن تكون هذه الفكرة حبكة ممتازة لفيلم سينمائي؟». ثم ظهرت أمثلة متعددة عن أسلوب أدبي من هذا النوع، ومنها شريط مصور يعود لعام 1927 وكان من سبع كلمات – ونصه: «للبيع، عربة أطفال، لم تستعمل من قبل». واعتبر في حينها أعظم قصة قصيرة في العالم. لكن يصعب أن تربط أيا من هذه الأفكار والتراكيب التجارية أو الأدبية بهمنغواي. وقد لاحظ هوغلاند وغارسون أوتول من مجلة «كوت إنفيستيغايتر/ تحقيق الأقوال» أنه لا يوجد دليل واحد على ذلك. إنما من المحتمل أنه اقترض القصة من تلك الإعلانات. فقد كان مراسلا صحافيا، ولا بد أنه اطلع عليها في صفحة «المبوبات».

ويتابع جونز تفنيد المشكلة ويعتقد أن الوسيط الأدبي بيتر ميلر هو من اخترع القصة عام 1974 ونشرها لاحقا في كتابه الصادر عام 1991. وهو مجرد نصائح ومواعظ للناشئة من أجل الوصول السريع لسوق النشر. وقد أعاد نشرها عام 2006 في كتابه الثاني. ولاحقا نشر أرثر س. كلارك عام 1998 في مجلة «ريدرز دايجست» قصة من النوع نفسه. وعلى هذا الأساس ينفي فريدريك أ. رايت، في مقال أكاديمي نشرته مجلة «الثقافة الشعبية» أبوة همنغواي لقصة الست كلمات. فهل يجب علينا أن نلوم ميلر لأنه وضع الأسس لأسطورة حديثة، أم نشكره لأنه شارك في تأسيس نوع فني جديد هو ما يسمى «مذكرات من ست كلمات»؟

كاتب سوري







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي