فايننشال تايمز: تطبيع عربي مع الأسد.. وإسرائيل تفضل بقاءه رغم حربها ضد حليفته إيران

2021-11-25

الرئيس بشار الأسد يستقبل الشيخ عبدالله بن زايد (د ب ا)

قال المعلق ديفيد غاردنر في مقال بصحيفة “فايننشال تايمز” إن القادة العرب يدرسون فكرة التطبيع مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد.

وأضاف أنه يجري إعادة الأسد وبشكل تدريجي إلى المجتمع الدبلوماسي الإقليمي.

وأشار الكاتب إلى أن الأسد الذي عومل كمنبوذ لشنه حربا شاملة على شعبه في العقد الماضي، يعود ببطء إلى دبلوماسية المنطقة. فرغم طرد سوريا من الجامعة العربية، إلا أن القادة العرب يتواصلون من جديد مع الأسد، الشخصية التي نظر الجميع إليها بغير المرغوبة والسامّة باستثناء الصين وإيران وروسيا. وفي الشهر الماضي، اتصل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي طلب قبل عقد من الأسد التنحي، هاتفيا به. وفي هذا الشهر زار الشيخ عبد الله بن زايد، وزير الخارجية الإماراتي، دمشق واجتمع بالأسد. وعبرت إدارة جو بايدن عن دهشتها وعدم موافقتها على تلك التحركات، في وقت حاول الأوروبيون الإمساك بأنوفهم تجنبا لشم رائحة “التطبيع” في العلاقات مع الأسد.

ولكن علينا تذكر أن الأردن والإمارات هما حليفان مهمان للولايات المتحدة وإسرائيل أيضا. وظلت الأخيرة تفضل بقاء الأسد في السلطة قريبا من حدودها التي لم تطلق منها ولا رصاصة منذ حرب عام 1973 وحتى بداية الحرب الأهلية في 2011. ولا تزال إسرائيل تفضل هذا الخيار، حتى في ظل شنها حربا جوية وإلكترونية ضد سوريا والعراق وتستهدف إيران وجماعاتها الوكيلة مثل حزب الله.

ويناقش الكاتب أن الدافع العربي لترطيب العلاقات مع الأسد هو رد على “الهلال الشيعي” الذي حذر منه الملك عبد الله منذ عام 2004. ويقال إن إيران تقوم ومنذ الغزو الأمريكي للعراق، ببناء شبكة تأثير حول الشرق الأوسط. وكان الغزو بمثابة هدية أمريكية للشيعة في العراق وإيران الذين سيطروا على بغداد. ويرى غاردنر أن الإمارات تستخدم جاذبيتها القوية كسوق متقدم ومتوسع في الخليج للمساعدة على إعادة إعمار سوريا وشركات الإنشاءات لكي تقوم بها. ولا تزال السعودية وقطر اللتان دعمتا المتمردين ضد الأسد حذرتان في مواقفهما حتى الآن. وبعد التخلي عن الدبلوماسية مع العراق، فتحت السعودية خطوط اتصال مع القادة العراقيين وبخاصة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي تحول إلى عراب السلطة بعد جولتين انتخابيتين وهزم جماعات إيران في العراق.

 وتزيد دول الخليج الضغط على لبنان ردا على سيطرة حزب الله عليه. وعندما ينظر القادة العرب إلى طهران وهي تفتح ممرا من أراضيها على البحر المتوسط، وينظرون إلى اليمن فإنهم يشاهدون إمبريالية فارسية جديدة، وبنبرة تفوق شيعية مهددة، وهي نبرة لم يقض عليها السلوك الأمريكي الميلودرامي ولا القيود الاوروبية.

ومن الغزو الأمريكي للعراق في عهد جورج دبليو بوش، إلى استراتيجية “أقصى ضغط” لدونالد ترامب، ظهرت إيران الرابح الأكبر من المعركة الجيوسياسية في المنطقة. وفقدت الولايات المتحدة مصداقيتها، وخاصة في سوريا وكذا في كل المنطقة. وكان فشل ترامب بالرد على الهجوم بالطائرات المسيرة والصواريخ على المنشآت النفطية السعودية في أيلول/سبتمبر 2019 نقطة محورية. وبعد مداولات ومفاخرة، توصل ترامب إلى أن السعودية هي التي تعرضت للهجوم وليس أمريكا.

وفي الوقت نفسه، أنشأت تركيا منذ عام 2016 ثلاثة جيوب في شمال سوريا ودفعت الأكراد السوريين الذين تخلى عنهم الأمريكيون ويسيطرون على ربع البلاد، باتجاه التعامل مع الأسد. ويدفع الأوروبيون باتجاه حل سياسي شامل في سوريا ودستور جديد. وتفضل روسيا التي أنقذت إلى جانب إيران الأسد هذا الخيار، وهو ما قاد إلى تفكير في غير محله عن قدرة موسكو بالضغط على الأسد والإيرانيين في سوريا.

 وهناك تكهنات محمومة حول إبعاد الأسد نفسه عن إيران. جاء هذا بعد طرده الجنرال جواد جعفري، قائد القوة الاستطلاعية لفيلق القدس التابع للحرس الثوري في سوريا منذ 2015. وهذا غير محتمل، وقد يكون التحالف مع إيران تدفعه الضرورة، ولكن والد الأسد، حافظ، وقف مع إيران أثناء الحرب مع العراق ما بين 1980- 1988 وساهم في إنشاء حزب الله.

في المقابل وقفت إيران مع بشار عندما بدأ نظامه بالترنح في 2012 و2015 وقدمت قوات مشاة لجيشه المتعب، ولن يتغير التحالف. لكن قادة دول الخليج يرون أن الجلوس متفرجين لن يحل المشكلة. وبعد كل هذا، فقد كانت سوريا عرضة للتهديد من التحالف الأمريكي عام 2005 و2006، لسماحها بمرور الجهاديين إلى العراق والمشاركة في مواجهة التحالف الأنغلو- أمريكي هناك، ولأنها دعمت حزب الله في حربه مع إسرائيل عام 2006.

ولكن الأسد استُقبل بحفاوة في باريس عام 2008، واجتمع به الرئيس فيه حينه نيكولاي ساركوزي. ويحاول السعوديون والإماراتيون حماية رهاناتهم عبر محادثات موازية مع إيران بهدف خفض التوتر. ولكنهم يعرفون أن سوريا، وهي جزء من قلب العالم العربي، تظل البوصلة التي توجه المسار في بناء الجيو- سياسات، وهم يحولون اتجاههم.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي