تصادر الرأي وتؤجج العنف.. ماذا تعرف عن النرجسية الجماعية؟

2021-11-18

محمد صلاح

في عام 2020 نُشرت ورقة بحثية أشرفت عليها أغنيس غوليك دي زافالا، أستاذة علم النفس البولندية، والمحاضِرة في جامعة لندن؛ وعَرّفت الورقة النرجسية الجماعية بأنها "اعتقاد الفرد أن المجموعة التي ينتمي إليها استثنائية ومتفوقة، وأنها لا تحظى بما تستحقه من تقدير الآخرين"، أو بمعنى آخر هي شكل من أشكال "الحب داخل المجموعة"، يرتبط ارتباطا وثيقا بـ"كراهية المجموعة الخارجية".

وترتبط النرجسية الجماعية بانخفاض التحكم الشخصي، ومن ثم الحساسية المفرطة تجاه الاستفزاز، وتتميز بالاستبداد والرغبة في الهيمنة، والتحيز للمجموعة الداخلية (سواء أكانت قومية عرقية، أم طائفة دينية، أم حزبا سياسيا، أم فريقا رياضيا، أم تجمعا طلابيا، أم فئة اجتماعية أو عائلية، أو أي عصبة أو جماعة ينتمي إليها الفرد)، باعتبارها مهددة باستمرار، والميل إلى العدوان الانتقامي من المجموعات الأخرى، والبهجة بمعاناة الآخرين باعتبارهم أعداء.

وتكشف عنها عبارات مثل "مجموعتي تستحق معاملة خاصة"، و"أنا أصرّ على حصول مجموعتي على الاحترام الذي يليق بها".. وهكذا، حيث لا شبع من التعطش للاعتراف والاهتمام أبدا.

عندما تصبح جماعتك شمسا يدور حولها الآخرون

في حين أن النرجسية الفردية مصدرها حب "الفرد لذاته"، فإن النرجسية الجماعية توظف الشعور المتضخم بتفوق وهيمنة "الجماعة" التي تتحول إلى "كيان نرجسي بُني على نوع من التعظيم الذاتي الجماعي، يدفع الأفراد المهيمنين إلى الاعتقاد بأنهم متفوقون على الجميع، حتى أولئك الذين لديهم خبرة أكبر"، كما تقول إيزابيل ويلكرسون، في كتابها "كاست" (Caste).

وتوضح ويلكرسون أن "النرجسية الجماعية تعدّ المجموعة المهيمنة كالشمس التي تدور حولها جميع المجموعات الأخرى، وتجعل من نفسها معيار الجمال، وطريقة عيشها معيار الحياة الطبيعية، وينظر أفرادها إلى العالم من هذا المنظور فقط، ويتوقعون من الآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه".

لذا تقول دي زافالا "إنها مرعوبة من مدى انتشار هذا النوع من النرجسية في جميع أنحاء العالم"، فعلى الرغم من أنها ترى أن النرجسية الجماعية ليست مجرد تشجيع لفريق ما؛ فالبشر قبليون بطبيعتهم، ويمكن أن يكون امتلاك هوية اجتماعية خاصة، أو تبنّي اتجاه معين، أو الانتماء لمجموعة محددة أمرا صحيا له تأثير إيجابي كبير على الرفاهية؛ فإن النرجسيين الجماعيين يركزون غالبا على التحيز خارج المجموعة أكثر من الولاء داخل المجموعة، وهو ما يمنع المجموعات من الاستماع إلى بعضها بعضا، وفي أكثر الحالات تطرفا قد يُغذي الراديكالية والعنف.

تناقض يغذي التطرف النرجسي

وتتجسد النرجسية في صورتها الفردية في شخص يتصف بالتكلف والمُبالغة في مظهره، وبالإفراط في الثقة في نفسه "من الخارج"، لكنه يعاني من شعور بالضعف والافتقار إلى كثير من الأشياء "من الداخل".

كذلك تتجلى النرجسية الجماعية في تمجيد المرء للمجموعة التي ينتمي إليها، و"إظهاره" إيمانا مبالغا فيه بتفوقها على سائر المجموعات، لكن هذا الإيمان المُبالغ فيه يقابله "شكوك دفينة" يُكِنّها في قرارة نفسه بشأن المكانة الحقيقية لهذه الجماعة، وهو ما يفسر تطرّفه في نيل الاعتراف بتلك المكانة من قبل الآخرين، على حدّ توصيف الصحفي العلمي كريستيان جاريت.

ويضيف جاريت أن "ثمة دلالات تفيد بأن سلوكات بعينها في النرجسية الجماعية تبدو كأنها وسيلة للتعويض عن شعور الشخص بضعفه أو افتقاره إلى الكفاءة على نحو شخصي"، وهو ما يماثل بشكل كبير ما يفعله المتصفون بـ"النرجسية الفردية" ممن قد يتفاخرون بأهميتهم لمداراة شعورهم بالقلق.

من بين هذه الدلالات ما خلصت إليه ألكسندرا شيخوتسكا الباحثة في كلية علم النفس بجامعة "كِنت" البريطانية، في دراسة نُشرت عام 2016، من أن "الأشخاص الذين شعروا بأنهم أقل قدرة على التحكم في أمور حياتهم كانوا أكثر ميلا إلى إظهار مؤشرات على اتصافهم بـالنرجسية الجماعية".

ويقول جاريت إن "من الأمور المثيرة للاهتمام، والمتسقة مع طريقة تفكير من يتصفون بالنرجسية الجماعية أنهم أكثر ميلا إلى الاعتقاد بصحة نظريات المؤامرة، خاصة تلك التي تتحدث عن مؤامرات خارجية".

ويشدد على أن النرجسية الجماعية مختلفة "من حيث إنها ذات نبرة تتسم بطابع دفاعي وبجنون الشك والعظمة، بجانب كونها مفعمة بنهم لا يرتوي للحصول على التقدير والاعتراف الواجبين من قبل الآخرين".

النرجسية الجماعية شديدة السُمّية

في مقال علمي للباحثة غوليك دي زافالا، نُشر عام 2018، وصفت فيه النرجسية الجماعية بأنها "متلازمة شديدة السُمّية، وتُعد الأكثر خطورة، فيمكنها الاستيلاء على مجموعة بأكملها، لتفُجّر نوبات مفاجئة وغير مبررة من الغضب، وردود فعل متحيزة بين المجموعات".

ولاحظت الباحثة أنه في جميع حالات الغضب والهياج يعتقد أولئك الذين شعروا بأن مجموعتهم قد تعرضت للإهانة أنهم قد أعطوا المجموعة احتراما كبيرا برد فعلهم العنيف، في الوقت الذي قد لا يشعر فيه آخرون ممن يحملون تقديرا كبيرا لمجموعتهم بالإهانة والرغبة في الانتقام، رغم وجود تهديدات حقيقية أو متوقعة لصورتها.

وذلك جعلها تتساءل: "لماذا يشعر البعض أن مجموعتهم تعرضت للإهانة، في حين لا يشعر آخرون بذلك؟ ولماذا يشعر البعض بأن مجموعتهم تعرضت للإهانة، حتى إذا كانت غير متعمدة، أو تم تقديم تفسيرات تنفيها؟".

وتجيب مستندة إلى بحثها الذي أجرته في جامعة لندن بأن "الأشخاص الذين يحصلون على درجات عالية في مقياس النرجسية الجماعية يكونون حساسين حتى تجاه أصغر الإهانات لصورة مجموعتهم، وليس لديهم حس الدعابة؛ فهم يستجيبون بقوة، ويردون بشكل غير متناسب على ما يعدّونه إهانة لمجموعتهم، حتى عندما تكون الإهانة قابلة للنقاش أو لا يقصدها الآخرون".

وتُرجع دي زافالا هذا السلوك إلى "إصرارهم على انتزاع التقدير والاحترام فهم يعتقدون أنهما من الحقوق المكتسبة لمجموعتهم بأي ثمن، ولو بالقوة".

وتضيف أن النرجسيين الجماعيين "لا ينشغلون بتكريس طاقتهم للإسهام في تحسين المجموعة ورفع قيمتها، لكنهم ينخرطون في مراقبة جميع من حولهم، للتثبت مما إذا كانوا يُدركون ويعترفون بالقيمة العظيمة والاستثنائية لمجموعتهم، أم لا".

لذا، فهي توصي "بتعليم الناس كيف يفخرون بمجموعتهم، من دون استحواذ الهوس بالتقدير عليهم"، كأفضل طريقة للحل.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي