ديلي تلغراف: مخاوف من تشرذم إثيوبيا على الطريقة اليوغسلافية وتحولها إلى سوريا لكن بشكل أكبر

2021-11-16

قوات "جبهة تحرير شعب تيغراي" تستعرض في ميكيلي مجموعة من الأشخاص قالت إنهم جنود إثيوبيون أسرى (ا ف ب)إبراهيم درويش

تساءلت صحيفة “ديلي تلغراف” عن السبب الذي دفع إثيوبيا للفوضى والحرب بعدما كانت تعتبر أمل أفريقيا العظيم.
وفي تقرير أعده ويل براون، مراسل شؤون أفريقيا قال فيه إن جيش المتمردين بات لا يبعد سوى 200 ميل عن العاصمة أديس أبابا مما يثير مخاوف بكارثة إنسانية. وأضاف أن المقاتلين الأشداء التابعين لجماعات التمرد يدفعون باتجاه العاصمة من أجل الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء آبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام والشخصية المحبوبة في الغرب، حتى وقت قريب. وتبدو المعركة على العاصمة أنها معركة قاتل أو مقتول. مع أن المعركة الأخيرة قد تحتاج إلى أسابيع إن لم تكن أياما.

ومن ناحية أخرى يمكن أن يتعرض المتمردون الذين أصبح خط إمداداتهم بعيدا عنهم لهزيمة ساحقة، وأيا كانت النتيجة فالكارثة الإنسانية هي حصيلة القتال بالإضافة إلى دولة متشرذمة عرقيا والتي كانت حتى وقت قريب واحدة من أسرع الاقتصاديات نموا في العالم. وهناك مخاوف من أن يتحول البلد البالغ عدد سكانه 110 مليون نسمة إلى حالة انهيار على الطريقة اليوغسلافية، بشكل سيطلق العنان لكارثة إنسانية سيتردد صداها في شرق أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا. ووصلت إثيوبيا إلى الحضيض عندما عملت الديكتاتورية الماركسية أو ما عرف بالمجلس العسكري “ديرغ” على جر البلاد نحو مجاعة ماحقة. وكان تقرير مايكل بيرغ لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) سببا في لفت انتباه العالم لحجم المجاعة وقاد إلى حملة (لايف إيد). وقامت الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي مع تحالف من الحركات المتمردة بالإطاحة بالنظام الماركسي بداية التسعينات من القرن الماضي.

وعرقية التيغراي هي واحدة من 80 عرقا في إثيوبيا، ورغم صغر حجمها إلا أنها لعبت دورا مهما في تاريخ البلد الحديث وهيمنت على السياسة في البلد مدة 30 عاما وحتى عام 2018. ونمت إثيوبيا خلال هذه الفترة بمعدلات سريعة، وبمستوى 9.4% في العام وخلال العقد الماضي. وساعدت قوتها العاملة الضخمة، ومواردها من المواقع السياحية الدينية القديمة وتصدير القهوة والزهور في تقدم البلد. ومع ذلك ظلت من أفقر الدول على وجه الكرة الأرضية وبمعدل 850 دولارا للفرد، حسب أرقام البنك الدولي.

واستفاد البلد بشكل كبير من الدعم الغربي، وبخاصة البريطاني والأمريكي والتي فضلت الحكومة الديكتاتورية التي هيمن عليها التيغراي أكثر من نظام المجلس العسكري “ديرغ”. وأنفقت بريطانيا في الفترة ما بين 2010 – 2015 1.3 مليار جنيه كمساعدات في إثيوبيا. لكن انتهاكات السلطة مثل سياسة “واحد- إلى -خمسة” وهي تجسس متطوعين على خمسة أشخاص آخرين في المجتمع أدت إلى التمرد. وقادت موجة من الاحتجاجات رئيس الوزراء الحالي أبي أحمد إلى السلطة عام 2018. ووعد أحمد الشاب المتحدث اللبق والذي عمل سابقا مديرا للمخابرات بتحرير المجتمع والاقتصاد وأطلق سراح آلاف من المعتقلين السياسيين ورفع الحظر عن الإعلام. وعشق الغرب الزعيم الإثيوبي الجديد ومنحته لجنة نوبل جائزتها للسلام عام 2019، لأنه أنهى الحرب الطويلة بين إثيوبيا وإريتريا والتي قتل فيها أكثر من 100.000 شخص.

وبدأ المستثمرون من الولايات المتحدة والصين بالنظر إلى إثيوبيا على أنها المركز المقبل للتصنيع في العالم في وقت تحدث فيه المعلقون عن بلد يقود المنطقة نحو التقدم. وبحلول تشرين الثاني/نوفمبر 2020 انهار كل شيء، فقد تحول نزاع على السلطة بين حكومة أبي أحمد الفدرالية والنخبة السياسية القديمة من التيغراي إلى حرب شاملة. وتعاون أحمد مع الديكتاتور الإريتري إسياس أفورقي لسحق التمرد. ولكن الحركة التي خسرت التيغراي ظلت تخوض حربا مرة على مدى الأشهر 12 الماضية. وقتل الآلاف إن لم يكن عشرات الآلاف في الحرب وأصبح الملايين على حافة المجاعة.

ويرى الكثيرون الآن في آبي أحمد شخصا مصابا بجنون العظمة وتدفعه الحماسة الدينية، فقد قال في الفترة الأخيرة “سندفن هذا العدو بدمنا وعظامنا” للدفاع عن إثيوبيا المجيدة. لكن مقاتلي التيغري استطاعوا تجنب العاصفة وخاضوا حرب عصابات بدا وأنها قصمت ظهر أكبر جيشين في أفريقيا. وتكبد الجيش الإثيوبي والميليشيات من منطقة أمهرا القريبة خسائر فادحة. ورغم عدم السماح للصحافة الدخول إلى محور الحرب إلا أن هناك إشارات عن تداعي الدفاعات الحكومية. وباتت القوة الرئيسية للمتمردين على بعد 200 ميل من العاصمة، وعلى الطريق الحيوي الذي يربط إثيوبيا بدولة جيبوتي التي تصل إليها نسبة 90% من التجارة إلى إثيوبيا، نظرا لعدم وجود منفذ لها على البحر.

ومع تقدم المتمردين جنوبا، قاموا بتشكيل تحالف مع 8 جماعات أخرى للإطاحة بأبي أحمد. وتحاول بريطانيا وأمريكا والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وقف تقدم المتمردين، ولكن أشهرا من الجوع والانتهاكات البشعة والخطاب الجنوبي، تشي أن الدبلوماسية ليس أمامها إلا فرصة قليلة. فقد حشر المتمردون التيغراي في الزاوية بالشمال وتحاصرهم مجموعة كبيرة من المجندين الإرتيريين. وفي الجنوب سيواجهون جيشا فدراليا وميليشيات تقوم بمنع المساعدات الإنسانية العاجلة.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول في المتمردين بداية الشهر قوله إن لم يتم رفع الحصار عن التيغراي، فإن القوات ستجد نفسها أمام خيار الدفع باتجاه كسره والإطاحة بأحمد أو الموت والجوع البطيء. وتحسبا لهجوم قريب على أديس أبابا طالبت الولايات المتحدة من رعاياها مغادرة البلاد وفي أقرب فرصة ممكنة وبدأت بتخفيض عدد العاملين في السفارة الأمريكية بأديس أبابا. وتابع المسؤولون البريطانيون واشنطن وأخبروا الرعايا البريطانيين بضرورة مغادرة البلاد على الرحلات التجارية وهي متوفرة الآن. وأعادت عددا من العاملين في الطاقم الدبلوماسي غير الضروري إلى لندن. وكان المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، قد حذر قبل ستة أشهر من توسع الحرب الأهلية في الشمال بشكل سيجعل من الحرب الأهلية في سوريا “كلعبة أطفال”. وحتى يتم جمع كل أطراف الحرب ودفعهم للتفاوض، فقد تصبح هذه الكلمات صحيحة، وربما فات الوقت.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي