فيلم "كايت".. المهمة الأخيرة لقاتلة مأجورة

2021-10-23

الحرب.. حين تستيقظ الإنسانية داخل قاتلة مأجورة

طاهر علوان*

تضاعفت إنتاجات الأفلام السينمائية التي تكون بطلاتها من النساء الخارقات، أو ما يصطلح عليه بالسوبروومن، وهي أفلام خلقت نوعا من الخصوصية في شخصية البطلات التي تمزج بين القسوة والقوة المطلقة من جهة والأنوثة والجانب الخيّر من جهة أخرى، فيما تبقى هذه الشخصيات المركبة مثار جدل.

إنها الأنثوية الاستثنائية التي تلتقط شيئا من أبطال الكوميكس الخارقين ثم تبرز الذكورية المطلقة وما تستند إليه من مهارات جسدية استثنائية، وما بينهما يتم تقديم نموذج نسائي ربما يكون مختلفا لكنه ليس إلا امتدادا لما سبق، لاسيما وأن هذا الظهور الجديد لهذه القدرات الأنثوية يتزامن مع الظهور الأخير للممثلة الشهيرة ليندسي لوهان في فيلمها الأخير “الأرملة السوداء”.

في فيلم “كايت” للمخرج سيدريك ترويان يتمّ تقديم هذا المثال مرة أخرى، مثال يراد له أن يحمل طابع المنافسة في صفة البطلة ذات القدرات التي تتجاوز الأنثوية المعتادة إلى درجة الإطاحة بالرجال اغتيالا تارة واشتباكات بالسلاح الأبيض وحركات الكاراتيه تارة أخرى، وذلك ما تؤديه كايت (الممثلة ماري إليزابيث وينستيد) التي تميزت بحضور مميز على الشاشة في هذا الدور رغم أن هنالك نقادا عابوا عليها وعلى الفيلم كونه لا يحمل جديدا في مجال المرأة السوبروومان.

قتال بلا نهاية

ميزة هذا الفيلم بالإضافة إلى التركيز على دور المرأة المتمرّسة على القتال هي البراعة في تشكيل الصورة

الحاصل أن كايت ليست إلا قاتلة مأجورة ومطيعة لمعلّمها ومربّيها منذ الصغر فاريك (الممثل وودي هاريلسون)، وها هما في اليابان في مهمة جديدة تقوم بها كايت معلنة لمعلمها أنها المهمة الأخيرة بالنسبة إليها وأنها سوف تتقاعد بعد ذلك، وهو ما لا يرضي فاريك لكنها على أي حال تقوم بالمهمة وتتسبب في إصابة شخص ياباني مهم، ثم تقوم بقتل شقيق كيجيما (الممثل جون كونيمارو) وهو شخصية غامضة ومافيوزية وهو يدير عصابة ياكوزا.

على أن التحوّل في المسار الدرامي هو ساعة أن توشك كايت على قتل شقيق كيجيما لتتفاجأ بفتاة صغيرة إلى جانبه، بينما الأوامر تطلب منها قتل الفتاة، لكنها لن تفعل ذلك، وتجادل في أن ذلك حرق للبروتوكول الذي تعمل بموجبه بعدم قتل الأطفال وما يلي ذلك من صلة بالفتاة، حيث تنقذها من خاطفها لتبقى إلى جانبها طويلا في سياق تتابع المواجهات في هذا الفيلم.

يقابل ذلك تحوّل درامي حاسم وحبكة ثانوية تقلب الأحداث بشدة، وذلك عندما تتعرف كايت على شخص تمضي معه ليلة تنتهي باكتشاف أنها قد تعرضت إلى نوع من الإشعاع الذري الفتاك الذي شربته مخلوطا بالنبيذ أو القهوة، والذي لن يبقيها على قيد الحياة لأكثر من 24 ساعة.

ولهذا تنطلق في مهمة البحث عن الذي تسبب في تسميمها وهو كيجيما نفسه وبعد صراعات دامية مع أفراد عصابات تجهز عليهم كايت بلا رحمة، وكلما خارت قواها كانت تحقن جسمها بمنشط يمنحها طاقة للحركة لبضع ساعات وصولا إلى كيجيما ذاته، الذي تنفرد به ليكشف لها حقيقة أن الذي أمر بتسميمها إن هو إلا عرابها ومربيها فاريك، وهي الصدمة الكبرى التي عجزت عن استيعابها، ولهذا لا تجد في ما تبقى لها من فرصة العيش سوى إنقاذ الفتاة الصغيرة والعثور على فاريك.

وها هو فاريك مجددا معها وجها لوجه يواصل مهمته المافيوزية في طول اليابان وعرضها متداخلا مع عصابات شديدة الإجرام، لكنه في هذه المرة يسعى للسيطرة على الفتاة الصغيرة وتنشئتها على يديه كما فعل مع كايت التي خسرها.

 البناء الصوري

لا شك أن ميزة هذا الفيلم بالإضافة إلى التركيز على دور المرأة المتمرّسة على القتال والقنص هو عنصر الحركة والبراعة في تشكيل الصورة والتركيز بشكل خاص على الحياة اليابانية حيث هي الحاضنة لتلك الأحداث المتصاعدة، وعلى الرغم من المهارة في تنفيذ مشاهد المعارك والاشتباكات الأكثر دموية بين كايت وخصومها، إلا أن مشاهد أخرى ومنها هروب كايت بسيارة مسروقة وسط مطاردة الشرطية بدت مبالغا فيها وأقرب إلى ألعاب الفيديو المألوفة.

من جانب آخر فإن المعالجة الدرامية للفيلم لم تحمل الكثر من المعاني والقيم الجمالية ولا حتى لجهة تطور القصة السينمائي والحبكة الرئيسية، أو على الأقل إنها لم تجعل المشاهد في حالة من الدهشة أو التشويق المتواصل، هذا إذا استثنيا مشاهد المعارك المصنوعة بعناية والاشتباك بمختلف الأسلحة فيما تحقق كايت انتصاراتها ضد خصومها تباعا.

ومن جانب آخر أوجد المخرج خطا دراميا آخر موازيا من خلال شخصية الفتاة الشابة آني (الممثلة ميكو مارتينيو) التي تلتقي مع كايت في هدف مشترك وتحاول إسنادها وهي تلفظ أنفاسها، لكن صدمتها تكمن في كون كايت ليست إلا قاتلة أغلب أفراد عائلتها، وعندما تسألها فإنها تعجز عن الإجابة لأنها كانت تقتل دون أن تعرف من يكون الذين قتلتهم أو تسببت في قتلهم.

وها هو البورتريه الذي تمثله كايت يقدم لنا صورة امرأة استثنائية ما تلبث أن تتحول إلى مهزومة لاسيما وأنها تكاد تلفظ أنفاسها وهي تخوض آخر معاركها الشرسة.

على صعيد البناء الصوري فقد تمّ التركيز على اللقطات العامة واللقطات من الدرونز لشوارع ومناطق يابانية، وهو ما أوحى بحالة الضياع التي كانت تعيشها كايت في وسط مجتمع لا يعرفها ولا تنتمي إليه، وقد تكامل ذلك مع عنصر الحركة والإيقاع السريع والاستخدام الوافر للخدع السينمائية والمونتاج والجرافيك، وكلها لعبت أدوارا مهمة في تطوير تلك الأحداث.

 

 

  • كاتب عراقي مقيم في لندن

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي