العراق.. لغط النتائج النهائية يؤجل جدل "الكتلة الأكبر" ودعوات لـ"تغليب العقل"

2021-10-15

ما إن أعلنت مفوضية الانتخابات في العراق النتائج الأولية لاقتراع العاشر من أكتوبر بفوز تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بأكبر عدد من المقاعد، حتى بدأ الصراع يتصاعد بين القوى المنافسة، وخاصة تلك المدعومة من طهران والتي صُنفت في خانة الخاسرين مقارنة بما حصلت عليه في انتخابات 2018.

إلى جانب بوادر الخلاف حول تحديد "الكتلة الأكبر"، أعطى إعلان المفوضية وجود أصوات غير محتسبة بنحو 6 في المئة، دفعة قوية للجهات الخاسرة التي قابلت النتائج الأولية بالحديث عن "تزوير"، فيما سارع المسؤولون العراقيون إلى دعوة المعترضين إلى اتباع الطرق القانونية لتقديم اعتراضاتهم.

وأعلن تيار الصدر تصدره النتائج بأكثر من 70 مقعدا في البرلمان الجديد، مقابل 54 في 2018، وفق احتساب عدد المرشحين الفائزين والنتائج الأولية وفق المفوضية العليا للانتخابات.  

وإذا تأكدت هذه النتائج، يصبح للتيار الصدري، الذي يتبنى خطابا مناهضا للجهات الموالية لإيران، قدرة على الضغط في تشكيل الحكومة، علما أنه أعرب مرارا عن طموحاته في اختيار رئيس للوزراء. 

في المقابل، ومع حصولها على نحو 20 مقعدا، سجلت القوى الموالية لإيران، ممثلة بتحالف "الفتح"، تراجعا قويا بحسب النتائج الأولية، بعدما كانت القوة الثانية (48 نائبا) في برلمان 2018 الذي دخلته مدفوعة بالانتصارات ضد تنظيم داعش. 

مباشرة وبعد إعلان النتائج الأولية أعلن تحالف الفتح والفصائل المنضية في الطعن بالنتائج التي شابها "الاحتيال"، بحسب مزاعم بعضها.

وقال أبو علي العسكري المتحدث باسم كتائب حزب الله، أحد فصائل الحشد الشعبي، في بيان الاثنين، إن "ما حصل في الانتخابات يمثل أكبر عملية احتيال والتفاف على الشعب العراقي في التاريخ الحديث". 

وحقق تحالف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي رئيس حزب الدعوة الذي هيمن على موقع رئاسة الوزراء لمدة 13 عاما، والموالي لإيران أيضا، خرقا في هذه الانتخابات مع نحو 37 مقعدا، مقابل 24 فقط في الدورة السابقة. 

على الجانب الآخر، فندت مفوضية الانتخابات في تصريحات تلت الإعلان عن النتائج جميع الادعاءات التي تحدثت عن وجود عمليات تزوير أو شوائب طالت عملية الاقتراع.

ومع حلول مساء الأربعاء في بغداد، شهدت مكاتب المفوضية العليا لانتخابات العراقية حركة مكثفة، وبدأت السيارات تدخل وتخرج إلى نصب الجندي المجهول في المنطقة الخضراء، وتوافد صحفيون ومراقبون تابعون للكيانات، على قاعة "الشرف" التي اختارتها المفوضية مكانا لعد وفرز الأصوات المتبقية من انتخابات الأحد الماضي النيابية، علنا.

وبعد عملية العد والفرز الأخيرة، التي جرت مساء الأربعاء، ساد لغط في البلاد، على خلفية إعلانات غير رسمية أيضا، قالت إن تحالف دولة القانون وتحالف الفتح حصلا على مقاعد إضافية بنحو 2-3 مقاعد لكل منهما.

وأشارت تسريبات إلى فوز كتل قريبة منهما بمقاعد أيضا. ولم تؤكد جهات رسمية أو حزبية أيا من هذه المعلومات، حيث أن المفوضية لم تعلن النتائج النهائية بعد، كما لم تصدر قوائم بالفائزين أو بالكتل التي ينتمون إليها.

ويبلغ عدد المحطات الإضافية، التي لم تحتسب أصواتها، نحو 4 آلاف محطة انتخابية في عموم العراق، وتقول المفوضية إن أصواتها تبلغ نحو 60 ألف صوت.

ولم تجب المفوضية على طلبات موقع "الحرة" المتكررة للتعليق، لكن في مؤتمرها الصحفي، الأربعاء، قال مسؤولو المفوضية إن "عملية العد والفرز اليدوي لعدد من المحطات الانتخابية التي لم ترسل نتائجها عبر القمر الصناعي، تجري بشفافية عالية بحضور مراقبي الكيانات السياسية ومخولي المرشحين وبتغطية من الوسائل الإعلامية المختلفة"، مضيفة أن "النتائج ستعلن خلال الأيام القليلة المقبلة".

وقال المسؤولون إن النتائج ستعلن في فترة أقصاها أسبوع، لكن قد تكون أقل من ذلك.

خلال هذا الوقت، أصدر زعيم الكتلة الصدرية، رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، بيانا حذر فيه من "الضغط على مفوضية الانتخابات" لـ"تغيير أصوات الكتلة الأكبر".

ويبدو أن الصدر يتوقع حدوث تغيير فعلا، لكنه قال إن زيادة أو نقصان أعداد مقاعد الكتلة الأكبر لن يؤثر على شيء.

من المسؤول عن تأخر إعلان النتائج؟

في تصريحات أوردتها وكالة الأبناء العراقية الرسمية، الخميس، قال عضو الفريق الإعلامي في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عماد جميل إنه "تم الإعلان بعد 24 ساعة من الانتخابات عن 94 في المئة من النتائج وما تبقى هو محطات الفرز اليدوي إذ تم اختيار محطة بكل مركز انتخابي لعد نتائجها يدويا وتم تأكيد ذلك في مؤتمر المفوضية الأول بعد الانتخابات".

وقال جميال إن "النتائج التي لم تعد أو تفرز نتوقع أن تحدث تغييرا من الممكن أن يوثر على النتائج وتغير المعادلة".

وشدد على أن "المفوضية غير مسؤولة عما أعلن عبر مواقع التواصل أو وسائل الإعلام من نتائج عن عدد مقاعد الكتل والقوائم وأسماء الفائزين بأعلى الأصوات أو الكوتا لأن النتائج النهاية لم تكتمل".

ويقول المحلل السياسي العراقي، محمد البرهان، إن "المفوضية هي المسؤول عن حالة الغموض، التي قد تؤدي إلى تصعيد كبير في الشارع".

ويضيف البرهان لموقع "الحرة" أن "المفوضية ركزت على السرعة في إعلان النتائج، لكن الدقة أهم، وكان من الممكن تجنب الكثير من اللغط".

وفي بعض الحالات، يؤدي فرق بأصوات قليلة، إلى الفوز بمقعد أو خسارته، بحسب قانون الانتخابات الحالي.

وتجري المفوضية قرعة لاختيار محطات بشكل عشوائي، للتأكد من كفاءة نظام العد الإلكتروني الذي يستخدم لأول مرة في البلاد.

وفي حال جاءت النتائج غير مطابقة، وهذا احتمال ضعيف كما يبدو، فمن الممكن أن تعيد المفوضية عملية العد والفرز في كل البلاد بشكل يدوي، مما يعني مزيدا من التأخير.

التيار الصدري

وباعتباره من أبرز الطامحين لتشكيل "الكتلة البرلمانية الأكبر" والتي ستكلف بمهمة تشكيل الحكومة، قال زعيم الكتلة الصدري، مقتدى الصدر، في تغريدة إنه "ليس من المهم من هو الفائز في الانتخابات"، داعيا إلى عدم "الضغط على مفوضية الانتخابات"، ومحذرا من نتائج منها "استفحال الإرهاب".

وبدا أن تغريدة الصدر، التي أتت بعد ساعات قليلة من مؤتمر لكتلة (الفتح) المنافسة، قالت فيه إن هناك "أكثر من مليون صوت لم يتم احتسابها"، هي رد على المؤتمر.

ويقول المحلل السياسي والمراقب الانتخابي العراقي، منتصر عودة، إن "مقاعد ائتلاف دولة القانون وحلفاءه المتوقعين قد تزيد"، في حال أضيف "عدد من المستقلين".

ويعتقد عودة أن "هناك من رشحوا بصفة مستقل، وفازوا بعدد من المقاعد الانتخابية، لكنهم مقربون من دولة القانون".

وشهدت الدورة الحالية للبرلمان العراقي صعود أكبر عدد من "المستقلين" منذ أول انتخابات برلمانية شهدتها البلاد عام 2005.

لكن بعض من رشحوا كمستقلين بدأوا بإعلان الولاء لكتل مثل (تقدم) بزعامة رئيس البرلمان المنتهية ولايته، محمد الحلبوسي، ودولة القانون، بزعامة المالكي.

ارتباك المشهد

ويقول المحلل السياسي العراقي، مرتضى ريسان، إن "الإرباك الذي سببته المفوضية كان السبب وراء كل هذه التصعيدات واللغط".

وأضاف ريسان في حديث لموقع "الحرة" أن المفوضية "أرادت فقط أن تفي بوعد إعلان النتائج بسرعة، لكنها لم تعلنها بشكل كامل، ولم تنوه لهذا بوضوح، مما أدى بعدد من الكتل لإعلان النصر بسرعة".

ويعتقد ريسان أن "هذا التصرف تم بشكل بريء من المفوضية"، وأن "احتمال التزوير أو التعرض للضغط قليل جدا إن لم يكن معدوما".

وإعلان نتائج التصويت في الانتخابات العراقية  أثار  جدلا بسبب عدم اكتماله حتى الآن من جهة، وأيضا بسبب النتائج غير المتوقعة بالنسبة لبعض الكتل والمرشحين، التي طعنت بوجود تزوير.

لكن نزاهة العملية الانتخابية قوبلت بإشادات دولية من منظمات مثل الاتحاد الأوربي، والأمم المتحدة، وإقليمية مثل الجامعة العربية.

وأصدر رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، الجمعة، بيانا مشتركا قالا فيه إن "الدستور والقانون هما الفيصل في التعامل مع الاعتراضات القائمة على سير العملية الانتخابية".

ودعا البيان "جميع الأطراف إلى موقف وطني مسؤول يأخذ في الاعتبار المصلحة العليا للبلد، والتزام التهدئة وتغليب لغة العقل وتجنب أي تصعيد قد يمس السلم والأمن المجتمعيين".

المصدر: الحرة







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي