نيللي عادل
قد يساعد الحصول على قَصة شعر جديدة في الإحساس بالتغيير، لكن قد يميل بعض المُتعافين من الصدمات -مثل موت أحد المقربين أو انتهاء علاقة عاطفية أو فقدان وظيفة- إلى إجراء تغييرات معينة في حياتهم يبدؤون من خلالها في التأقلُّم.
ويختلف حجم التغيير وفقا للشخص ومستوى الصدمة، فقد يكون جزئيا مثل اختيار أسلوب ملابس جديد، لكن في بعض الأحيان قد يشعر الشخص بالحاجة لتغيير مظهره بشكل جذري، وذلك بالقيام بخطوات واضحة مثل صبغ الشعر بلون لافت، أو حتى قَص أو حلق الشعر بالكامل.
رمزية الشَّعر مقابل الهوية
يمثل شَعرنا الطبيعي قبولنا لذاتنا، وبجانب كونه أحد الأمور التي تشعرنا بالرضا عن أنفسنا، يمكن أن يكون شعرنا وسيلة للتعبير عن شخصيتنا وصورتنا الذاتية، لذلك عندما نقرر قَصه بعد تجربة مؤلمة، فإننا نختار تقديم تضحية تعكس رغبتنا في التغيير المُلِحّ.
تقول الأخصائية النفسية لورين أبيو لموقع "لايف هاكر" (Lifehacker)، إن إجراء تغيير كبير في المظهر الخارجي أمر مريح لأنك ترى النتائج الفورية لأفعالك، وهو ما يذكرك بالقوة والسيطرة على حياتك.
الشَّعر أمر رمزي كذلك، فعلى الرغم من أنه قد يبدو غير مهم لأنه "قادر على النمو مجددا"، فإنه مرتبط بما نحن عليه. وتُمثل تصفيف وطول الشعر الكثير من الأمور وفقا للثقافة والعُرف في بيئة كل شخص، وبالتالي قد يعكس تغييره جذريا رغبتنا في تأكيد ارتباطنا بمجتمعنا أو الانقلاب عليه.
قص الشَّعر.. عناية بالذات
من الطبيعي أن يرغب الشخص الذي يعاني من أزمة عاطفية في تغيير مظهره، ووفقا لتصريحات الأخصائية العلاجية كريستي بيك، لمجلة "كواتز" (Quartz) "يُعد قص الشعر شكلاً من أشكال الرعاية الذاتية، لأنك تقوم به من مُنطلق مساعدة نفسك لكي تشعر بالتحسُّن".
وبعد التعرُّض لنوع من الضغوط الكبيرة، من المفيد أن تمنح نفسك نوعًا من الانتعاش والتغيير للشعور بالحماس ولو نسبيا. وعلى الرغم من أنه لا يجب أن يكون تغييرا خارجيا، فإن قَصَّات الشَّعر أو تغيير خزانة الملابس تُعد استثمارات نفسية لتحسين الوضع.
كما تميل الضغوط إلى تعطيلنا عاطفيا، فتمتصّ قسطا ضخما من الطاقة المبذولة في الهوايات الشخصية أو الأعمال المنزلية، فتُصبح أولويتنا وقت الأزمات محاولة تخفيف الألم بشكل فوري، ووفقا لدرجة الألم والصدمة، تكون أشكال الرعاية الذاتية هي كل المطلوب لكي نبدأ في التحسُّن.
ومن بين تلك الخطوات ممارسة نمط صحي، وبناء علاقات جديدة، والحصول على قَصة شَعر مختلفة.
ضمادة مؤقتة
وقد تلعب التغييرات السطحية للشكل والمظهر دور "الضمادة المؤقتة" لجرح أعمق بكثير في تداعياته من مجرد تغيير بسيط. ويكون اللجوء لقص الشعر حينها ما هو إلا محاولة لإيهام نفسك بالبداية الخالية من المشاعر السلبية.
في هذه الحالات، قد تعاود الآثار المتبقية للصدمة الظهور بشكل مباغت، لأن ما حدث هنا هو "كبت للمشاعر المؤلمة" وإجبار للذات على تخطي المرحلة أسرع مما تُحتِّمه التجربة.
وفي دراسة نُشرت بمجلة "ساغي بوب" (Sage Pub)، تم ربط القيام بتغيير جذري -خاصة إذا بدا مختلفا تماما عن طبيعة الشخص- بمدى معاناته النفسية وعدم استقراره عاطفيا.
على سبيل المثال، في فبراير/شباط عام 2007، حلقت نجمة البوب بريتني سبيرز رأسها بالكامل، واتضح لاحقا أن الأمر كان جزءا من انهيارٍ عقلي أدى في النهاية لإيداعها مصحة الأمراض النفسية.
صحيح أن المغنية كانت تخوض حينها الطلاق وتتعاطى المخدرات والكحول وتصارع المرض العقلي وفقا للصحف، إلا أن حلق رأسها كان وسيلة لـ"تحرير نفسها من الألم واستعادة السيطرة" مقابل العجز الذي شعرت به حيال حياتها.
شعور زائف بالسيطرة
تقول ريبيكا نيومان، الأخصائية النفسية لموقع "دازد ديجتال" (Dazed Digital) "عندما نمر بفترة مؤلمة، نميل لاتخاذ قرارات توفر راحة فورية"، وينبع هذا من الرغبة في تخليص أنفسنا من الألم، ما يجعلنا نتخذ قرارات متهورة مثل الاندفاع الشرائي أو قص الشعر بقسوة.
وسواء تعرضت لمرض خطير أو طلاق، ستشعر لا محالة بنقص في السيطرة على الأحداث. واعتمادًا على درجة الصدمة، ستكون هناك تغيُّرات حياتية كبيرة معادلة لمستوى حسرة القلب. وفي كل الحالات، يجب الحزن على الخسارة.
تقول عالمة النفس الإكلينيكية سيما هينجوراني لصحيفة "ذا تايم" الهندية (The Times of India) إن "العديد من النساء يشعرنَ أن مظهرهن هو الشيء الوحيد الذي يملكن كامل السيطرة عليه، لذلك عندما يقررن قصه بقسوة، فإن الأمر يكون بمثابة حرق للهوية القديمة واستعداد لصفحة جديدة يملكن زمامها".
وتقول مصففة الشعر إلويس تشونغ لموقع "هالو جيجلس" (HelloGiggles) "التغيرات الدرامية للشَّعر هي طريقة للتخلص من الماضي. نحن نصنع نسخة جديدة من أنفسنا، والطريقة السريعة والسهلة للقيام بذلك هي قَص شعرنا وتغيير لونه أو أحدهما".
حذارِ من التسرُّع والندم
ورغم أن الرغبة في تجربة قَصة شَعر جريئة قد تبدو فكرة مغرية، فإن الكاتبة البريطانية وعارضة الأزياء ألكسا تشانغ تقول إنه ينبغي الحذر.
وتضيف لمجلة (Stylist) "إنه أول شيء تفعله النساء، لكنكِ لستِ في وضع لائق لاتخاذ قرارات طويلة الأجل في تلك الفترات من حياتك، وسيتعين عليكِ قضاء سنوات في العيش معها".
وحذَّرت "لا تحلقي شعرك بالكامل. لا تقومي بتبييضه وتدمير لونه الأصلي، لا تفعلي أي شيء لا رجعة منه، لأنكِ ستندمين لاحقا".
ووفقًا لدراسة أجرتها مجلة (TYME Style)، أفادت 20% من 680 امرأة أميركية بأنهن بكين وشعرن بالتعاسة بسبب قَصة شَعر لم تعجبهن بعد الحصول عليها، بينما قالت واحدة من كل 6 نساء إنهن شعرن بالحرج من الخروج في الأماكن العامة.
ولتحديد ما إن كانت قَصة الشَّعر التي تفكرين في الحصول عليها بعد أزمة عاطفية ملائمة لكِ أو لا، تقترح الأخصائية النفسية ريبيكا نيومان بحسب (Dazed Digital)، أن تسألي نفسك عما إذا كان قرارك نابعا من شعور بالسلطة والرغبة في التغيير، أو تعويضا عن ألم ستستخدمين قَصة الشَّعر الجديدة كوسيلة اصطناعية لتسكينه.
وأوضحت أنه إذا كان قرارا متأنيا سبقه بحث على الإنترنت حول القَصة المثالية لكِ، فإن ذلك غالبا سيكون قرارا واعيا وليس مجرد رد فعل متهوِّر للهروب من الألم.
تذكري.. الشَّعر قابل للنمو
ومع ذلك، لا يجب إعطاء الأمر أكبر من حجمه، فهو بالفعل مجرد شَعر قادر على النمو مجددا، ولا بأس في أن تقصيه لمجرد شعورك بالملل والرغبة في التغيير.
كما أنكِ إذا ما قررتِ تحديث مظهرك في رد فعل أولي تجاه انفصال عاطفي، أو حزنا على وفاة شخص مقرَّب، فهذا لا يعني بالضرورة أنكِ تؤجِّلين التعامل مع مشكلات أعمق أو تقومين بالهروب من مواجهة الحزن، لأن الأمر يتوقف على ما تشعرين به بعد ذلك.
فإذا لم تبدئي في الشعور بالتحسُّن الطفيف بعد شهر على الأقل من الأزمة العاطفية التي تمرّين بها، فربما يكون هناك شيء أعمق يحدث ويستدعي الحصول على الدعم النفسي المتخصص لتجاوزه بسلام.
المصدر:الجزيرة