"مجاريح".. مسرحية تونسية تطرح سؤال الثورة وما بعدها

العرب
2021-10-07

جمالية الطرح والإخراج

قابس (تونس) – تعتبر نصوص الكاتب الراحل إبراهيم بن عمر من الكتابات التي شكلت منعرجا كبيرا في الأعمال المسرحية في العشرية الأخيرة وكانت ملهمة لعدد كبير من  الفرق المسرحية خاصة في الجنوب التونسي، نظرا إلى تفرد أسلوبه في الكتابة ذات المنحى الوجودي والطرح غير المسبوق في تناولها للتراث العربي، إضافة إلى الأسلوب الساخر الذي يميز جل مسرحياته، وعلى سبيل الذكر لا الحصر نذكر من أعماله “مجاريح” و”حس القطا” و”جوانح المحبة” و”طواسين” و”زنازين النور”.

ومسرحية “مجاريح” التي كتب نصها قبيل رحيله وأودعها أمانة لدى صديقه المخرج حافظ خليفة لم تشذ عن النفس المعتاد في مسرحيات بن عمر، وهو ما اكتشفناه من خلال العرض الأول للمسرحية، الذي قدم أخيرا أمام لجنة المشاهدة من إنتاج لمركز الفنون الدرامية والركحية في قابس وإخراج حافظ خليفة.

والمسرحية من نوع الكوميديا السوداء وفيها طرح جدي للمسرح السياسي بتسليط الضوء على ما آلت إليه أمور البلاد من حال بيروقراطي ومن وعود زائفة للتعويض والمساعدة والتنمية الجهوية، وطرق معاملة الناس من قبل المسؤولين، كما يشاكس العمل الملفات الحارقة في تونس اليوم كاشفا أبرز المشاكل المطروحة في زمننا الحاضر وملامسا هموم الشارع التونسي وحتى العربي من خلال المجال السياسي.

وقد حاول الكاتب ومن خلاله المخرج في هذا العمل تقديم صورة للواقع المعيش دون السقوط في واقعيته النمطية المبتذلة، فركزا على ضياع ملف التنمية الجهوية وزيف وعود السلطة لشعب يعيش ويلات التهميش لسنوات طوال في ظل عدم إيفاء الدولة بوعودها.

 الكاتب ومن خلاله المخرج حاولا في هذا العمل تقديم صورة للواقع المعيش دون السقوط في نمطيته المبتذلة

يقدم خليفة حكايته من خلال شخصية “حاتم”، هذا الشاب الذي جرح أثناء إحدى المظاهرات؛ حيث كان موجودا بالصدفة مع إحدى المجموعات الشبابية لسرقة علب السجائر من مبنى تجميع السجائر أمام مبنى المحافظة، مغتنما فرصة الفوضى التي تعيشها البلاد، وبسبب الحاجة يقدم على محاولة نهب المقرّ.

وقد هاجمتهم مجموعة من رجال الأمن. وعند محاولته الهروب أطلق عليه أحد القنّاصة رصاصة أصابت مؤخّرته، فسجّل ضمن جرحى الثورة، ولكنه يجد نفسه يطرق أبواب الإدارات والمسؤولين ليأخذ حقه، ومن هنا تنطلق المعاناة الساخرة بين الأروقة وجمعيات حقوق الإنسان والراكبين على الأحداث والمتشدقين باسم الثورة.

قدم حافظ خليفة في هذا العمل رؤية إخراجية متناغمة مع قيمة الطرح الاجتماعي والواقع السياسي المبتذل معتمدا سينوغرافيا مشهدية متحركة تزاوج بين تقنية المشي على العصي وبين خيال الظل وتقاطع الإنارة حسب الفضاءات التي تدور فيها الأحداث، سواء في المكتب أو في أروقته أو في المحكمة، وما زاد في جمالية المشاهد وصدقها بناء الشخصيات وتواصلها والأداء المميز من قبل الممثلين المحترفين الذين اعتمدوا تارة طريقة الكوميديا دي لارتي وتارة الواقعية وتارة أخرى الشخصيات المركبة.

استطاع خليفة أن يوصل صوت الكاتب الراحل إبراهيم بن عمر وأن يبلغ وصيته للعموم بأن جرحى الثورة هم نتاج لدولة فقدت شرعيتها وتواصلت معاناتهم مع دولة فقدت هيبتها، فإلى متى يستمر هذا النزيف وهذا التهميش وهذا التفقير والتحقير؟ وهل من مجيب؟ ومن جانب آخر لا يخشى أن يتساءل أيضا عن هوية هؤلاء الجرحى وإن كانوا فعلا قد ساهموا في الثورة أم هم مجرد لصوص استغلوا الفوضى وتحولوا لاحقا إلى أبطال؟

ويذكر أن هذا العمل من إنتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بقابس، إدارة الإنتاج الفنان مدير المركز صالح الجدي وتمثيل جليلة بن يحي وعبدالباسط بالشاوش وحسان مرّي وفتحي الذهيبي ونادية تليش ومنذر العابد وآدم الجبالي، والتقني المختص في الإنارة رمزي النبيلي وتقني صوت إسماعيل الحفصي، وفي التوضيب العام شرف الدين حمدي ومنسق الإنتاج محسن رحومة وتصميم الملابس مفيدة المرواني والموسيقى لرضا بن منصور.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي