التصوير الذري يكشف أن الزنك يشحذ أسنان النمل لتعمل مثل المبضع

2021-09-22

طارق قابيل: هل تساءلت يوما كيف يمكن للمخلوقات الصغيرة أن تقطع أو تثقب أو تلسع بسهولة؟ كشف بحث جديد أن النمل والديدان والعناكب والمخلوقات الصغيرة الأخرى لديها مجموعة مدمجة من الأدوات التي من شأنها أن تتفوق على أدوات أي نجار أو جراح من البشر.

وقد أظهرت دراسة حديثة -نُشرت بدورية "ساينتفيك ريبورتس" (Scientific Reports) في سبتمبر/أيلول الجاري- لأول مرة كيفية ترتيب ذرات الزنك الفردية في أسنان النمل لزيادة كفاءة القطع إلى أقصى حد، والحفاظ على صلابة وحدّة هذه الأدوات الحيوانية الصغيرة المصممة بشكل رائع.

وكشف التعاون بين فريق بحثي في "جامعة أوريغون" (University of Oregon) و"مختبر شمال غرب المحيط الهادي الوطني" (Pacific Northwest National Laboratory) التابع لوزارة الطاقة الأميركية "دي أو إي" (DOE) عن سر تمكن تلك المخلوقات الصغيرة من القطع والثقب بسهولة نسبية، ووجد الباحثون أنه يتم ترتيب ذرات الزنك الفردية على الأسنان بطريقة محكمة لتحافظ على كفاءتها وحدتها.

 

سر سن النملة

اكتشف الباحثون سر قدرة النمل القوية على القطع، وتبين لهم أن للنمل أسنان خارج أفواهه، وهذه الهياكل المتخصصة -التي تسمى "أسنان الفك السفلي" لأنها متصلة خارج أفواهها- تتكون من شبكة من المواد التي تربط بإحكام ذرات الزنك الفردية، ووجدوا أن أكثر من 8% من وزن أسنان الفك السفلي للنمل يتكون من الزنك.

ويجعل الزنك الأسنان أكثر حدة من أسنان الإنسان، واقترح الباحثون أن النمل لا يضطر إلى استخدام نفس القدر من القوة أو استهلاك نفس القدر من الطاقة عند استخدام أسنانه.

وقدر فريق البحث أنه نظرا لأن هذه المواد الحيوية يمكن أن تكون أكثر حدة، فإنها تتيح للحيوانات استخدام 60% أو حتى أقل من القوة التي سيتعين عليها استخدامها إذا كانت أدواتها مصنوعة من مواد مماثلة لتلك الموجودة في أسنان الإنسان.

ونظرا لأن القوة المطلوبة أقل، فإن عضلاتهم الأصغر تستهلك طاقة أقل. وقد تفسر هذه المزايا سبب امتلاك كل عنكبوت ونملة والديدان والقشريات والعديد من مجموعات الكائنات الحية الأخرى هذه الأدوات المتخصصة.

التصوير المقطعي بالمسبار الذري

على الرغم من أن قائد الدراسة روبرت سكوفيلد -الأستاذ المساعد في جامعة أوريغون- كان خلال سنوات عديدة يبحث في جوانب مختلفة من المواد المصغرة بما في ذلك مرونتها وصلابتها ومقاومتها للتآكل؛ فإن فريقه لم يتمكن من رؤية بنية الأدوات الحيوانية المجهرية في كائنات مثل النمل من قبل.

وللقيام بذلك، عمل الفريق مع باحثين في مختبر شمال غرب المحيط الهادي الوطني التابع لوزارة الطاقة الأميركية لتطبيق أداة تسمى التصوير المقطعي بالمسبار الذري.

وكان فريق من علماء الفيزياء الحيوية قد طور تقنيات لقياس الصلابة والمرونة وطاقة الكسر ومقاومة التآكل ومقاومة الصدمات على نطاق مصغر، لكنهم لم يتمكنوا في الواقع من رؤية بنية المواد التي تتكون منها أسنان النمل وأدوات الحيوانات المجهرية الأخرى من قبل، خاصة على النطاق الذري.

وهنا أتى دور عالم المواد آرون ديفاراج وزملاؤه في مختبر شمال غرب المحيط الهادي الوطني، حيث إن ديفاراج خبير في استخدام تقنية التصوير المقطعي بالمسبار الذري. وقد استخدم مجهر شعاع أيوني مركّز لأخذ عينة إبرة صغيرة من طرف سن النمل ثم صور عينة الإبرة باستخدام التصوير المقطعي بالمسبار الذري.

تبين للباحثين أن أسنان الفك السفلي للنمل تتكون من شبكة من المواد تربط ذرات الزنك

وباستخدام هذه التقنية، سجل ديفاراج لأول مرة التوزيع النانوي لذرات الزنك في سن النمل. وقال -في بيان صحفي لمختبر شمال غرب المحيط الهادي الوطني- "يمكننا أن نرى أن الزنك موزع بشكل موحد في الأسنان، وهو ما كان مفاجأة لنا.. كنا نتوقع أن يتجمع الزنك في عقيدات نانوية".

ويتضمن جزء من عمل ديفاراج وزملائه الكشف عن الخصائص التي تجعل المواد أقوى، واقترح أن التعلم من الطبيعة هو إحدى طرق فهم ما يجعل المواد أقوى وأكثر مقاومة للتلف، وإذا تمكنا من معرفة ذلك، فقد نتمكن من هندسة هياكل مقاومة للتآكل لفترات طويلة، وقد تستخدم في تصميم محطات الطاقة النووية مستقبلا.

وقال سكوفيلد "قد يتعلم المهندسون البشريون أيضا من هذه الحيلة البيولوجية.. الفكرة المسببة لصلابة أسنان النمل -على سبيل المثال- تزيد من صلابة البلاستيك تقريبا إلى صلابة الألمنيوم عند إضافة الزنك. وفي حين أن هناك مواد هندسية أكثر صلابة، فإنها غالبا ما تكون أكثر هشاشة".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي