قالت صحيفة "فايننشال تايمز" إن الدوحة وبعد ثلاث أعوام من الحصار الذي فرضه عليه جيرانها تلعب وبشكل استثنائي دورا كبيرا على المسرح العالمي.
وأضافت الصحيفة في تقرير أعده سايمون كير إن القوى العالمية التي تحاول احتواء تداعيات سيطرة حركة طالبان على أفغانستان قد تحولت إلى الدولة الصغيرة الغنية بالغاز الطبيعي.
وتحولت القاعدة الأمريكية وهي الأكبر في منطقة الشرق الأوسط إلى نقطة محورية في الخروج الأمريكي المتعجل من أفغانستان، وكانت الدولة الخليجية محطة انطلاق لإجلاء عشرات الآلاف من اللاجئين الأفغان. وتضيف الصحيفة أن قطر أقامت ولعقود علاقات مع الإسلاميين وحاولت أن تخط طريقا مستقلا في صناعة القرار والوساطة. فقد سهلت المحادثات الأمريكية مع حركة طالبان وسمحت للأخيرة، وبدعم من الولايات المتحدة أن تفتح مكتبا سياسيا لها بالعاصمة الدوحة، وهو ما سمح لها بلعب دور كبير وأكبر من حجمها في القضايا الجيوسياسية.
ونقلت الصحيفة عن الباحث في كلية كينغز كوليج ديفيد روبرتس قوله: " تعتبر الأزمة الأفغانية مثالية لقطر وهي ذروة ما تحاول أن تقوم به". و"لا أقول إن القطريين كانوا يعرفون قبل عقد بأن بناء هذه العلاقة قد تضعهم في موقع رئيسي بأفغانستان وعندما ينتهي الاحتلال، ولكنهم فهموا منذ وقت طويل أن التعامل مع طالبان التي لم تكن لاعبا يحظى بشعبية أمر مهم جدا"
ويقول إن سفارات الدول الغربية في أفغانستان نقلت أعمالها من كابول إلى الدوحة، من أجل التواصل مع طالبان. وتقود قطر التي توسطت بين الأطراف الأفغانية قبل الانسحاب الأمريكي محادثات متعددة الجوانب مع طالبان حول مستقبل العمليات الجوية بمطار كابول في أعقاب الانسحاب الأمريكي.
ويعلق كريستيان كوتس اورليتشسن، الخبير بشؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس "إن نقل البعثات الدبلوماسية يشير إلى أن أي دبلوماسية تجري ستشرك قطر بطريقة أو بأخرى كوسيط ومسهل للحفاظ على الحوار مع القيادة السياسية في وقت ينتظر فيه العالم صورة النظام الذي سيظهر في كابول".
وفي تصريحاته بالدوحة وصف وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب قطر بأنها "جزء حيوي" في التعامل مع الأزمة.
ويشير الكاتب إلى أن علاقات القطريين مع طالبان وطهران والإخوان المسلمين أثارت غضب جيرانها. وفي عام 2017 قامت السعودية وحلفاؤها العرب بفرض مقاطعة تجارية وسفر على الجارة وأسهم في حينه التناقض الذي أبداه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه الدوحة التي تعد تقليديا من أهم شركاء الولايات المتحدة الإستراتيجيين.
وبدا ترامب الذي زار السعودية قبل إعلان الحصار على قطر مؤيدا للاتهامات بأن الدوحة تدعم التطرف وهي اتهامات تنفيها. واستطاعت قطر التي تعد من أغنى دول العالم بالنسبة لدخل الفرد هزيمة الحصار وذلك بسبب النفوذ المالي وتغيير خطوط الرحلات الجوية عبر دول مثل إيران وتركيا المنافستان للسعودية.
وحاولت إدارة ترامب إنهاء الخلاف الخليجي والذي حول الحلفاء الغربيين ضد بعضهم البعض. وكان وصول الرئيس جوزيف بايدن محفزا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان لإنهاء الحصار في شباط/فبراير بعد أشهر من المفاوضات. وعلق عضو الكونغرس الديمقراطي سوالويل في تغريدة "مع مغادرة هبوط آخر الطائرات من أفغانستان في قطر وانضمام اللاجئين إلى آلاف اللاجئين الذين استضافتهم قطر، فكر كيف اقتربنا من خسارة قطر كقاعدة في الخليج". وأضاف: "في 2017 خرب ترامب العلاقة خلال المقاطعة السعودية. واعترف بايدن بحكمة بأهمية العلاقة الإستراتيجية".
وتشير الصحيفة إلى أن إنهاء المقاطعة يعكس حالة من خفض التوتر بين المتنافسين في الشرق الأوسط، النابع من انتخاب بايدن والآثار المدمرة التي خلفها كوفيد-19 على اقتصاديات المنطقة.
وبدأت السعودية وإيران المتنافستان على التأثير محادثات في الأشهر الأخيرة. وعلق وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: "أعتقد أن الدينامية في المنطقة قد تغيرت وهناك نبرة خفض التوتر واحتواء وتفاعل وحوار" وهو "أمر نحن في قطر نؤمن به".
ويعلق كير أن واحدا من المظاهر هي تسهيل القطريين إجلاء أكثر من 43.000 شخص من أفغانستان. وقام السفير القطري شخصيا بمرافقة الذين تم إجلاؤهم مارا عبر نقاط تفتيش طالبان ومستخدما تأثير بلاده لمساعدة آلاف كانوا بحاجة ماسة. وواحدة من هؤلاء كانت حسينة، 20 عاما الطالبة التي تعيش آمنة في مجمع بالدوحة، حيث انتهت محاولاتها الأولى للهرب بالفشل أمام بوابات مطار كابول، عندما أمرها مقاتلو طالبان بالعودة.
وفي اليوم التالي رافقها السفير وستا من زميلاتها عبر نقاط التفتيش والجموع اليائسة إلى طائرة الإجلاء. وقالت حسينة: "لم تسمح لي والدتي حتى بالذهاب في رحلة مدرسية وها نحن الآن وحيدات هنا" و"كانت أمي تبكي عندما غادرنا ولكنها ممتنة أننا في أمان".
وترى الصحيفة أن الدور الذي لعبته قطر أحيا في نفوس مواطنيها الفخر الوطني الذي تشوه في السنوات الماضية من خلال اتهامات المنظمات الدولية لبلدهم ومعاملتها السيئة للعمالة الوافدة في منشآت كأس العالم الذي تستضيفه في العام المقبل.
وفي الشهر الماضي اتهمت منظمة "امنستي إنترناشونال" السلطات بالفشل في فتح تحقيق حول الوفيات المبكرة للعاملين وعلاقتها بظروف العمل. ورفضت الحكومة الاتهامات وقالت إن الجروح والوفيات "تتماشى مع أفضل الممارسات الدولية وأنها تقدم معايير جديدة للمنطقة".
كما وأدى وقف المقاطعة لتحسين المزاج، مع أن مظاهر النشاط التجاري لم يظهر عليها بعد تحول بسبب قيود السفر والسياحة نتيجة لفيروس كورونا. ومع ذلك فهناك إشارات عن نمو الاقتصاد الذي يعتمد على الغاز وخروجه من الركود مع تزايد الطلب العالمي على الغاز ونهاية القيود المفروضة بسبب كورونا.
ويأمل البعض أن تؤدي الأزمة الأفغانية بتغيير السرد العالمي حول البلد. وقال مسؤول قطري بارز: "نلعب دورا كبيرا في أفغانستان ونحصل في النهاية على أخبار إيجابية"، و"حصلنا في الحقيقة على سمعة سيئة من قضايا العمالة المتعلقة بكأس العالم إلى المقاطعة عندما اعتقد كل واحد أننا إرهابيون". ويمكن لقطر توقع مزيد من التمحيص مع اقتراب مباريات كأس العالم في كانون الأول/ ديسمبر 2022 ويقول أورلشتسن: "لكن حسن النية بشأن الإجلاء والرد الإنساني قد تعوض الكثير من سلبية 2017 وتحقيق حسن نية دولية قبل التركيز عليها في مباريات كأس العالم".