نشرت صحيفة “إندبندنت” افتتاحية دعت فيها الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن بمواصلة مسؤولياته الدولية. وقالت إن قراره سحب القوات الأمريكية من أفغانستان وإن كان نهاية “التدخلات الغبية” إلا أن الولايات المتحدة ستواصل مكافحة الإرهاب ودعم حقوق الإنسان.
ووصفت تعليقاته التي علمت نهاية التدخل الأمريكي في أفغانستان بأنها تحمل طابعا تاريخيا ولكن هناك القليل الذي لا تراه العين. ورأت أن أهم ما ورد في تعليقاته قوله “قرار الخروج من أفغانستان لم يكن عن أفغانستان ولكن عن نهاية عهد العمليات العسكرية الكبرى من أجل إعادة تشكيل الدول الأخرى”.
ومع أن العقدين الماضيين شهدا تدخلين كبيرين في العراق وأفغانستان، فربما قلنا إن هذا العصر قد انتهى عندما تم الكشف عن أن أسلحة الدمار الشامل لصدام حسين لم تكن سوى خدعة أدخلت العراق في حرب طائفية دموية.
ومنذ ذلك الوقت رفضت الولايات المتحدة نشر قواتها في كل من سوريا وليبيا. وتم الإحتفاظ بالقوات الأمريكية في أفغانستان لأن السياسة فشلت هناك، فلم تستطع الولايات المتحدة وحلفاءها إعادة تشكيل أفغانستان، ولكنها لم تكن راغبة بسحب القوات لأنها ستؤدي إلى انهيار الحكومة الأفغانية مما سيكشف عن الفشل.
ويستحق الرئيس بايدن الفضل لأنه كان واضحا في هذه النقطة، رغم التأخر. ويبدو أنه كان يؤمن مع بقية أركان إدارته وقبل أن تبدأ عواصم الولايات بالسقوط الواحدة تلو الأخرى، بقدرة الجيش الأفغاني على القتال ومنع وصول طالبان للعاصمة والحفاظ على حكومة بعد الإنسحاب الأمريكي.
وكان محقا بالقول إن تقدم طالبان لم يترك أمامه إلا خيارين “الإلتزام بالتعهد الذي وقعته الإدارة السابقة ومغادرة أفغانستان أو القول لا لن نغادر وإرسال عشرات الألاف من الجنود”. وهو مصيب عندما قال إن الحفاظ على الوضع الراهن الذي دعا إليه توني بلير وغيره والإبقاء على الأف من الجنود في البلد بدون تكبد خسائر كبيرة مستحيل. وكان هذا الخيار ممكنا لأن طالبان وقعت اتفاقا مع دونالد ترامب وتعهدت بعدم ضرب القوات الأمريكية لأنها سترحل.
وترى الصحيفة أن قرار بايدن كان صحيحا، واقتضى أن يعيد كتابة تاريخه الماضي، وكما أشار نقاده فبناء الدول كان واحدا من الأشياء التي هدف إليها التورط الأمريكي في أفغانستان. ويقول بايدن إن العملية الأصلية التي كان الهدف منها التخلص من القاعدة قد توسعت لتصبح عملية مكافحة تمرد وبناء دولة وخلق مجتمع ديمقراطي و”هو أمر لم يحدث أبدا في تاريخ أفغانستان ومنذ قرون”.
ونعرف أن بايدن عبر عن رأيه هذا في أحاديثه الخاصة، فقد عارض قرار باراك أوباما عام 2009 بزيادة عدد القوات الأمريكية، لكنه عبر يوم الثلاثاء عن رأيه هذا صراحة وبصوت عال. وبدا كلامه كأنه نهاية لنقاش طويل داخل قيادة أوباما- بايدن. وعندما كان أوباما مجرد سناتور عن ولاية إلينوي فقد دعم نشر القوات الأمريكية في أفغانستان عام 2001، لكنه ألقى خطابه الشهير عام 2002 عارض فيه حرب العراق قائلا: “أنا لست معارضا لكل الحروب” و”لكنني أعارض الحروب الغبية”، وقد تحرك زميله السابق في الرئاسة واعتبر أفغانستان “حربا غبية”.
وبعد عشرين عاما من محاولة إنجاز مكسب من التدخل في أفغانستان، فرأي بايدن معقول مع أن خطاب الثلاثاء ترك عددا من الأسئلة بدون جواب. وتحدث بايدن بعاطفية عن ثمن الحرب الباهظ وأنه لا يريد المخاطرة بإرسال جيل جديد من الأمريكيين للحرب. وبعد أن أثبت وبقوة عن نهاية الحرب الغبية فعليه عمل نفس الأمر وبالوضوح ذاته ويؤكد أن أمريكا لم تتخل عن كل التدخلات وأن أمريكا لن تتنازل عن مسؤولياتها بالوقوف ضد الإرهاب ونشر حقوق الإنسان.