لوبس: بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان.. حانت فرصة القوى الإقليمية فهل تأتي بالاستقرار؟

2021-09-01

بما أن الطبيعة الجيوسياسية لا تقبل الفراغ، فإن مناورات دبلوماسية كبرى تجري بمنطق إقليمي، تتسابق فيه القوى الفاعلة بعد انسحاب "الشرطي" الأميركي من أفغانستان والعراق، لتلعب دورا متزايدا في مناطق الصراع التي لم تعد إستراتيجية بالنسبة لواشنطن.

هكذا لخصت مجلة "لوبس" (L’Obs) الفرنسية مقالا للكاتب الصحفي بيير هاسكي، انطلق فيه من فكرة أن الانسحاب الأميركي من مناطق الصراع لا يعني عودة الانعزالية المعروفة في التاريخ الأميركي، بل يعني نهاية دور "الشرطي" الذي كانت تلعبه واشنطن في كل مكان، ليكون دور الدركي انتقائيا، والدليل أن الرئيس جو بايدن طمأن حلفاءه الذين هزتهم الأحداث في كابل، وإن بقيت الشكوك موجودة حول مدى استعداد واشنطن للتورط في صراعات بعيدة مرة أخرى.

نهاية الشرطي الدائم

ورأى الكاتب أن هذا الاتجاه الذي أصبح اليوم واضحا لدى الإدارة الأميركية ليس جديدا، لأن الرئيس الأسبق باراك أوباما كانت لديه الرغبة نفسها التي لم يستطع مواصلتها، لأنه اضطر لإدارة إرث ما سماه "الحربين الأبديتين" و"الحروب اللانهائية" في أفغانستان والعراق، وحتى الرئيس السابق دونالد ترامب أظهر -كما يقول الكاتب- ترددا في لعب دور الشرطي، وإن كان ذلك بأسلوبه الشخصي، وها هو بايدن اليوم يؤكد بالفعل أن هذا هو المسار الأساسي.

ويمهد انسحاب الولايات المتحدة الجزئي هذا -حسب الكاتب- الطريق لصعود قوى إقليمية ليست جديدة، لكنها تجد الآن مساحة حرية أكبر بكثير، وإن كان هذا التطور ليس بالضرورة عامل استقرار، بل يمكن أن يصبح على العكس من ذلك، عامل عدم استقرار، خاصة عندما تتصارع القوى المتنافسة على النفوذ دون أن تعرقلها القوى العظمى أو توقفها.

ويمكن اعتبار الاضطراب في أفغانستان أول مجال للدراسة، لأنه بعد انسحاب الولايات المتحدة والغربيين الآخرين من منطقة كانت دائما موضع طمع ومحاولات للتأثير، تأتي الفرصة -كما يرى بيير هسكي- لبدء "لعبة كبيرة" جديدة بين دول الجوار المباشر أو القريب من أفغانستان، مثل باكستان والهند وإيران والصين، ثم تركيا وروسيا البعيدتين نسبيا.

أصدقاء طالبان الجدد

والنتيجة الأولى في التوازنات الإقليمية هي، وفقا للكاتب، أن انتصار طالبان يحسب انتصارا لباكستان وبالتالي هزيمة للهند، بعد سنوات من دعم المخابرات الباكستانية لطالبان الأفغانية، ومن الاستثمارات الهندية في أفغانستان لتوطيد نظام مناهض لطالبان ومعاد لباكستان، ومن الواضح أن إعادة التوازن الإقليمي هذه يمكن أن تشعل الصراع في كشمير التي تشكل بؤرة النزاع بين الجارتين النوويتين، كما أن لعبة روسيا وتركيا في هذه المنطقة الشديدة الحساسية قد تكون جديرة بالاهتمام.

ويرى الكاتب أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة كانت تتوق إلى فك الارتباط أو الاكتفاء بأدنى مشاركة في الشرق الأوسط، فإنه من الصعب عليها أن تفعل هناك مثل ما فعلت في أفغانستان، وإن كان ذلك هو الاتجاه القوي منذ أوباما، خاصة أنه لا نقص في القوى الإقليمية، حيث يوجد الخصمان الكبيران في الخليج: إيران والسعودية.

وهناك تركيا التي يمتد نشاطها من العاصمة الليبية طرابلس إلى كابل عبر سوريا وأذربيجان، إضافة إلى إسرائيل، حليف الأميركيين الذي عزز جذوره الإقليمية بفضل الاتفاقات الإبراهيمية.

وفي هذا السياق -كما يرى الكاتب- يأتي مؤتمر بغداد الإقليمي الذي لم ينتج شيئا يذكر، وإن كان يمثل محاولة لإحياء المنطق الإقليمي، لكنه يبعث رسالة إيجابية بالتوازن في وجه نفوذ أميركي أصبح ثقيلا للغاية في العراق.

ورأى بيير هاسكي في مشاركة الرئيس الفرنسي في ذلك المؤتمر إشارة مثيرة للاهتمام، لأن فرنسا قوة وسطى غير متحالفة عضويا مع الولايات المتحدة، وذات حضور إقليمي كبير في العراق وأبو ظبي، وقد أعلنت أنها ستبقى بعد مغادرة الأميركيين، ولكن هل لديها الوسائل لتحقيق طموحاتها في هذه المنطقة المحفوفة بالمخاطر؟ وهل تستطيع جر أوروبا وراءها؟ كما يتساءل الكاتب دون البحث عن جواب.

وخلص الكاتب إلى أن هذه المناورات الدبلوماسية العظيمة يمكن أن تتلاشى بسرعة كبيرة وتنتصر الخصومات، مع أنه من المهم للغاية أن يتم تفعيل المنطق الإقليمي بمجرد أن يصبح "الدركي" الأميركي أقل حضورا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي