لماذا ينفر الطلبة من دراسة الرياضيات وهل المشكلة في العقل العربي؟

2021-08-31

هشام بومجوط: كثيرا ما يتردد الطلبة الجدد في اختيار مادة الرياضيات تخصصا في دراساتهم الجامعية لأنهم يرون الرياضيات مادة جافة وبعيدة عن الواقع، وربما مزعجة للعقول أيضا.

وفي المقابل، قد نجد من الطلبة من يميل إلى دراسة الرياضيات، لكن رغبتهم قد تصطدم برغبات أخرى لأفراد عائلاتهم الذين يميلون في الغالب إلى الطب أو الهندسة أو غيرهما من التخصصات.

هذه الأحكام غير السليمة في حق الرياضيات كانت محل نقاش ندوة علمية ثمينة تحت عنوان "الرياضيات بين النظرية والتطبيق"، نظمتها مجموعة مبادرة "إديوكيشن كلينيك" (Education Clinic) على الفيسبوك -التي تضم أكثر من 82 ألف عضو- يوم السبت 28 أغسطس/آب الجاري، وأدارها كل من الدكتور رمزي عبد العزيز والدكتور ياسر حسن.

تحدث في هذه الندوة العالمان الرياضيان التونسيان نادر المصمودي أستاذ الرياضيات في جامعة نيويورك، وحاتم زعق مدير أبحاث في الرياضيات بالمركز الوطني للبحث العلمي في جامعة السوربون بباريس.

المصمودي وزعق

ضيفا اللقاء من العلماء التونسيين المرموقين في مجال الرياضيات في الخارج الذين يشار إليهم بالبنان؛ فالدكتور نادر المصمودي هو أستاذ الرياضيات بجامعة نيويورك وعضو منتخب بالجمعية الأميركية للفنون والعلوم، ورئيس مركز "سايت" (SITE) لأبحاث الاستقرار وعدم الاستقرار والاضطراب الديناميكي.

نشر المصمودي نحو 160 ورقة بحثية في علوم الرياضيات البحتة والتطبيقية، وتم الاستشهاد بأبحاثه أكثر من 8 آلاف مرة. وفي عام 2015، بدأ عمله أستاذا في جامعة نيويورك وشارك في عدة مشاريع بحثية مثل "علم أنساب الرياضيات"، وعمل أيضا في الإشراف على أطروحات الدكتوراه للطلبة في الجامعة نفسها.

وفي عام 2017، حصل على جائزة "فيرما" -جنبًا إلى جنب زميله الألماني سيمون إيه بريندل- لتميز بحثه العلمي في مجال "هيدروميكانيكا الموائع"، كما حصل على كرسي التميز من مؤسسة باريس للعلوم الرياضية خلال الفترة 2016-2018.

نادر المصمودي أول عربي يحصل على الميدالية الذهبية في أولمبياد الرياضيات عام 1992

أما الأستاذ الدكتور حاتم زعق فهو مدير أبحاث في الرياضيات بالمركز الوطني للبحث العلمي في جامعة السوربون شمالي باريس، وترتكز أبحاثه على المعادلات التفاضلية الجزئية من نوع الحرارة أو الأمواج، وأيضا من نوع "جنزبورغ لاندو".

تحصّل على جائزة دوريّة معهد "هنري بوانكاري"، وهي جائزة صادرة عن المجلس الأعلى للإدماج في فرنسا، قبل أن يتحصّل سنة 2019 على جائرة "التونسي العالمي" (Tounsi Du Monde).

قام بتأطير أكثر من 10 رسائل دكتوراه، كما درّس في بعض المؤسّسات الجامعيّة، مثل المدرسة التونسيّة للتقنيات من 2002 إلى 2012، وجامعة السوربون شمالي باريس من 2011 إلى 2013، وكذلك في جامعة نيويورك من 1999 إلى 2001.

له رصيد أكاديمي يفوق 70 مقالة علميّة بالإضافة إلى مشاركته في العديد من الشبكات البحثيّة، ومنها مخبر الامتياز "أنفلامكس" الذي يعتني بالأمراض الالتهابيّة، والذي يضمّ نحو 20 مخبرا في علم الأحياء، إضافة إلى مخبر الرياضيات في جامعة السوربون.

الرياضيات هي أم العلوم

خلافا للقاعدة المتداولة في الأوساط العلمية حول الفلسفة التي يقال إنها أم العلوم، يعتقد الدكتور نادر المصمودي أن الرياضيات هي أم العلوم لأن هذه المادة أصبحت في عالمنا اليوم تشاركية بين كل العلوم؛ إذ نجدها في كل التخصصات كالفيزياء، والبرمجة، والبيولوجيا، والجيولوجيا، والذكاء الاصطناعي وحتى في الطب.

ومن هذا المنطق، يرى المصمودي أنه على الطلبة وأوليائهم أن يغيروا نظرتهم لهذه المادة التي أصبحوا يفرون منها كثيرا على الرغم من أنها باتت مفتاح كل العلوم.

ولتغيير هذه النظرة، يوضح الدكتور المصمودي أن الشغف بالرياضيات والولع بها كفيل بتغيير نظرتنا لها، إذ يقول عن نفسه "أنا لم أكن لأنجح في مشواري لولا حبي لها، لقد دفعني ذلك إلى طرق أبوابها وتحقيق الكثير من النجاحات فيها، كفوزي بذهبية الأولمبياد العالمية في نهاية المرحلة الثانوية، حيث أصبحت أول عربي يتوج بهذه الميدالية، وغيرها من الإنجازات التي حققتها في مشواري".

ويصيف أنه "على الطالب أن يفهم أيضا أن التخصص في هذه المادة سيقوده إلى خوض غمار تخصصات أخرى، فقد يجد نفسه يقوم بأبحاث في الفيزياء أو في الذكاء الاصطناعي أو غيرهما من التخصصات التي تحتاج إلى الضلوع في الرياضيات".

من جهته، قال الدكتور حاتم زعق إن الرياضيات أكثر من تخصص، وهي أيضا أداة نحتاجها في كل التخصصات، وما مظاهر الحداثة التي نعيشها اليوم إلا نتاج لهذا التخصص الذي أصبح مطلوبا حتى في الطب، حيث توجد تطبيقات تساعد الأطباء على تشخيص الأمراض ووصف الأدوية للمرضى، أساسها الرياضيات.

وأضاف زعق "لدي طالبة كورية أنجزت شهادة ماجستير على أساس بحث علمي حول كيفية استخدام الرياضيات في البيولوجيا، وقد تمكنت بعدها من إنشاء شركة ناشئة في هذ المجال".

ينبغي لأولياء الأمور حث أبنائهم على المشاركة في الجمعيات والأندية الخاصة بالرياضيات

عوامل التميز

وحتى ينجح الطالب في تخصص الرياضيات، يعتقد الدكتور زعق أن هناك عوامل داخلية مثل الشغف بهذه المادة الذي يسمح له بالنظر إلى جمالها، حيث قال "للرياضيات جمال يمكننا مشاهدته في ثنايا الطبيعة، مثلما قال العالم جاليليو جاليلي الذي وصف الطبيعة بكتاب حروفه من الرياضيات لأنها تساعدنا على فهم عالمنا وتفسيره".

كما دعا حاتم زعق أولياء الطلبة إلى حث أبنائهم على دراسة الرياضيات خاصة إذا كانوا يميلون إليها؛ فالإجبار على دراسة تخصص آخر قد يكون له أثر عكسي.

أما العوامل الخارجية فيقول الدكتور زعق إنه على الطلبة أن ينخرطوا في النوادي والجمعيات التي تهتم بتنمية القدرات الذهنية، والمشاركة في المسابقات الوطنية والدولية كالأولمبياد لأن ذلك يحفز قدراتهم وينمي شغفهم بهذه المادة.

من جهته، دعا الدكتور المصمودي الطلبة إلى التفكير "خارج الصندوق" على حد وصفه، حيث حثهم على عدم الاكتفاء بما يتلقونه من علوم داخل القاعات وإنما عليهم البحث والاستزادة خارج الإطار الأكاديمي عن طريق الاحتكاك بالعلماء والنوادي والجمعيات التي تعنى بهذا التخصص.

هل العقل العربي له مشكلة مع الرياضيات؟

هل العقل العربي له مشكلة مع الرياضيات؟ وهل نفور الكثير من الطلبة العرب من الرياضيات راجع إلى طبعهم أم أن هناك عوامل أخرى؟ هذه الإشكالية كانت محل نقاش في جانب من هذه الندوة التي تطرق خلالها العالمان إلى أسباب النفور إذا ما كانت شخصية أو أكاديمية.

وفقا للمصمودي، إن الجامعات العربية لا تشجع على التخصص في هذا المجال ولا على البحث العلمي بصفة عامة، كما أن هذا التخصص لا يجد طريقه إلى أرض الواقع في عالمنا العربي خلافا لما هو حاصل في الدول الغربية.

وأوضح الدكتور المصمودي أن المشكلة ليست شخصية؛ فالرياضيات ما زالت عندنا مادة جافة في عقولنا، ولا أثر لها في حياتنا اليومية، وذلك على عكس الحال في الدول الغربية التي عرفت كيف تستفيد من هذا التخصص عبر وضع تطبيقات له في تخصصات الذكاء الاصطناعي.

أما الدكتور زعق، فأكد بدوره على ضرورة التركيز في المناهج الدراسية -خاصة في مرحلة الثانوية- على الرياضيات التطبيقية؛ لأن الدروس النظرية أصبحت تشكل مصدر إزعاج للكثير من الطلبة ولا تحفزهم على التخصص فيها.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي