
محمد صلاح
ما أن نسمع وصف النرجسية، حتى تقفز إلى مخيلتنا صور أولئك الذين يكرسون ثقافة الهوس بالمشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي، أو الإفراط في نشر الصور الشخصية، أو صور ذوي الكاريزما الجاذبين للانتباه، الذين يستغلون من يقعون في سحرهم، ويتحكمون فيهم ويتلاعبون بهم.
لكن لم يخطر ببالنا أن وراء هذا النوع الواضح من النرجسية الأكثر جاذبية وتميزا، توجد أنواع أخرى من النرجسية الخفية، وإن كانت أقل شهرة، إلا أنها أكثر خطورة.
فإذا اعتبرنا أن النرجسي التقليدي هو "ذئب في ثياب ذئب"، فإن النرجسي السري أو الخفي، هو "ذئب في ثياب حَمَل"، حسبما تقول الدكتورة سارة ديفيز -عالمة النفس ومؤلفة كتاب "لن يحدث أبدا مرة أخرى"- لصحيفة الغارديان (The Guardian) البريطانية؛ إذ توضح أن قناع النرجسية الساحر الذي تأثرت به طوال سنوات، أثبت لها أن "الشخص النرجسي السري الأكثر تكتما، هو الذي يجذبك بشكل أعمق، حتى عندما تعتقد أنك حذر ومحصن، ستجده بطيئا وخبيثا"، معتبرة أن "الشخص المُختلف الأكثر صمتا ودقة، هو غالبا الأشد إرباكا وقدرة على الإيذاء".
الشعور بعدم الأمان هو الدافع
أحدثت دراسة جديدة أجراها قسم علم النفس بجامعة نيويورك "تطورا في فهمنا لموضوع النرجسية"، وفقا لوصف أستاذة علم النفس، دكتورة راماني دورفاسولا؛ وذلك بكشفها عن سمات واختلافات في نوع الشخصية النرجسية، حيث أظهرت أن "الشعور بعدم الأمان، هو الدافع الذي يقف خلف النرجسية، أكثر من الافتتان بالذات المتضخمة"، وهو ما يؤكده المحلل النفسي، ماكسين مي فونغ تشونغ، بقوله إن "قناع الشخص النرجسي يُخفي حُزنا عميقا".
كما أشارت الدراسة أيضا، إلى تفرع النرجسية إلى نوعين يشتركان في السمات الكلاسيكية نفسها، وهما "العظيم أو العلني"، و"الضعيف أو الخفي".
فالنوع الأول، يشعر بأنه عظيم، لكنه واضح ويسهل اكتشافه. ويمثله الشخص النرجسي التقليدي اللامع، الجذاب، الواثق، الساحر، البارع، الذي يعيش حياة مثيرة -ظاهريا على الأقل- في عالم من التألق والتفنن في حبك المكائد، ولفت الانتباه والإعجاب.
لكن المشكلة تكمن في كيفية اكتشاف النوع الثاني، وهم النرجسيون السريون، الذين يظهرون على أنهم مكتئبون نوعا ما، أو ضحية، أو حتى محتاجون. لكنهم يجيدون التسلل والتسبب في القدر نفسه من الضرر الذي يحدثه النوع الأول وأكثر، بحسب دورفاسولا.
فالنرجسيون السريون أو الضعفاء "يميلون إلى أن يكونوا أكثر انطوائية من النرجسيين العظماء، وهم أكثر دقة بكثير، وانتقامهم أدق من أشعة الليزر، لكنهم يرتدون الأقنعة، ويبدون محبوبين غالبا"، وفقا للطبيبة النفسية المتخصصة في الإساءة النرجسية لورنا سليد.
العرض النرجسي
عدم المعرفة بالنرجسيين السريين، والتأخر في اكتشافهم، يمكن أن يُشكل خطرا. حيث تقول دكتورة ديفيز، إن "تعلم اكتشاف النرجسية الخفية قد يكون أكثر صعوبة من التعرف على النرجسية الصريحة، ويحتاج إلى درجة عالية من الوعي".
كما تنبه دكتورة دورفاسولا، إلى أنك "قد تنجذب إليهم، لأنك تشعر بالأسف تجاههم، ويصبح من الممتع للغاية بالنسبة لك، أن تعتقد أنك تريد إنقاذهم".
فالنرجسيون الخفيون أو الضعفاء، يتعمدون إخفاء هوسهم بتلبية احتياجاتهم الخاصة، عن طريق تقنيات تلاعب وتحكم أكثر دقة، يمكن وصفها بـ"العرض النرجسي".
وخلال هذا العرض، يُظهرون أنفسهم أنهم طيبون لطفاء وأبرياء، خجولون ومنطوون، ومراعون لغيرهم ومفيدون للغاية، بل "يمكن أن يكونوا الكتف التي تبكي عليها". لكنهم يفعلون ذلك بهدف التلاعب بك، لتمنحهم الإعجاب والامتنان، ولتُشعرهم بأنك مدين لهم. وفي النهاية، "سيستخدمون كل هذا ضدك في المستقبل"، بحسب ديفيز التي تحذر من أن يشدك دور "الضحية"، ويجعلك تعيش دور "المنقذ"، وتنصح كل شخص بالتسلح بأكبر قدر ممكن من المعلومات، حتى يتمكن من التعرف على النرجسيين السريين، قبل أن يتورط في علاقة سامة معهم، إذ "عليك أن تكون مدركا، وإلا فقد ينتهي بك الأمر مع شريك مسيء".
أما لورنا سليد، فتقول "من واقع خبرتي، أرى أن النوع السري من النرجسية أخطر بكثير من نرجسية العظماء الصريحة"، ليس بسبب صعوبة اكتشافه فحسب، ولكن لأن "الغضب النرجسي" -الذي ينتابهم عند تعرضهم للإحراج- يدفعهم للانتقام بشكل مريع أيضا.
ولكن مع ممارسة الحذر الشديد منهم، "يجب أن نتفهم أن النرجسيين تعرضوا مبكرا لرفض ذواتهم الحقيقية، مما دفعهم لصنع ذوات مزيفة يلبسونها على شكل قناع، أو قشرة خارجية لامعة، ويهاجمون من يقترب منها".
5 علامات على النرجسية الخفية
بحسب ديفيز، توجد علامات تميز النرجسي السري، "الذي يجيد دور المتسلل الفاتن الصامت، المزود بأسلحة خفية، يستمدها من استغراقه في الإحساس بالذنب، والتظاهر بالكرم ليكون وسيلة للسيطرة وكسب التعاطف"، وهذه العلامات مثل:
إجادة دور الضحية
لإزالة الغموض عن التأثير السام للنرجسية السرية على حياتنا كلها، تقول دورفاسولا، "إنها في الحقيقة عبارة عن تَلاعُب، من خلال تقمص دور الضحية".
فالشعور بدور الضحية المُضطَهد أمر أساسي لدى النرجسي السري، حتى لو اضطر للإساءة إلى نفسه، من أجل الحصول على التعاطف.
ونظرا لكونهم فاشلين في حل المشكلات، فبمجرد أن يصبحوا في وضع الضحية، يكونون مقنعين تماما، بطريقة تصفها لورنا سليد، بـ"القوة الفعالة المطلقة لقدرة النرجسي السري على التلاعب بالآخرين".
إخفاء التركيز على تلبية احتياجات معينة
سيظل النرجسي السري يُخفي تركيزه على تلبية احتياجاته الخاصة، ويسعى للحصول على المكانة، والتحقق من التأثير، ويتجاهل الآخرين، ويشعر بالاستحقاق، ويفتقر إلى التعاطف، ولكن بأساليب أكثر صمتا وتسللا.
أكثر انطوائية
يخبرونك بمدى حساسيتهم وانطوائهم، مما يجعل من السهل جدا، أن تنسجم مع دور المنقذ الداعم لشخص يبدو ضعيفا وهادئا وجميلا جدا.
الاعتماد على الشعور بالخوف
تقول ديفيز "إنهم يميلون إلى الاعتماد على الشعور الخوف والذنب كوسيلة للتلاعب".
البحث عن التمكين
تقول لورنا سليد "إن النرجسي الخفي، يظل يبحث عن فرصة للتمكين، لأن لديه احتياجات نفسية خاصة، واحترام ذات منخفض، ونظرة للعلاقات قائمة على الأذى الحتمي".