شبكة الأكاذيب.. حقيقة أكبر حملة تضليل ضد اللقاحات على فيسبوك

2021-08-11

اعتاد الصحفي ومدون الفيديو الألماني ميركو دورتشمان على استقبال الكثير من عروض الإعلانات والتعاون بمقابل مادي، فقناته على يوتيوب يزيد مشتركيها عن مليون ونصف مليون شخص. لكن في مايو الماضي، استقبل دورشتمان عرضا مختلفا عن أي شيئ رآه من قبل.

وصلت إلى دورتشمان رسالة بالبريد الإلكتروني من شركة علاقات عامة تسمى "فازي،" تعرض عليه أن ينشر معلومات وصفتها بأنها "مسربة" تفيد بأن معدلات وفاة من تلقوا لقاح فايزر المضاد لفيروس كورونا 3 أضعاف الذين تلقوا لقاح أسترازينكا، وهي بالطبع معلومات ليس لها أساس من الصحة، حسبما ذكرت "نيويورك تايمز".

اهتم درورتشمان بالإيميل كثيرا، وأراد معرفة من هي الجهة التي تعرض دفع أموالا سخية مقابل نشر هذه الأكاذيب؟

في نفس الوقت، كان اليوتيوبر الفرنسي ليو جراسيت يستقبل عرضا مماثلا، حيث تواصلت معه نفس الشركة وعرضت عليه ألفي يورو مقابل نشر هذه المعلومات المضللة، مطالبة إياه بألا يعلن أنه تلقى أموالا مقابل كلامه، وأن يعرب عن حماسته الشديدة أمام الكاميرا لما يقوله.

ويلفت جراسيت، في حديث لقناة "بي بي سي" البريطانية، إلى أن المعلومات المقدمة كانت قابلة للتصديق لغير المتخصصين، فهي مبنية على معلومات حقيقية ودقيقة، لكن أسلوب الربط بينها خبيث. 

المعلومات تفترض مثلا أن كل من مات بعد تلقي اللقاحات قد لقي مصرعه بسببها أو نتيجة لعدم فعاليتها، حتى لو مات لأسباب طبيعية أو أمراض الشيخوخة. كما جمعت المعلومات أرقام المتوفين في بلاد مختلفة وفي أوقات مختلفة بأسلوب يفتقر للدقة، وإلى غيرها من الأساليب المغرضة التي تستغل معلومات حقيقية في الوصول لاستنتاجات مغلوطة.

وهذا هو ما حدث بالضبط مع مدونين من الهند وإيطاليا وغيرها من الدول الذين سارعوا لنشر فيديوهات تحوي نفس هذه المضامين.

وخرج جراسيت علنا عبر قناته وحساباته الخاصة وتحدث عما وصفه بجهود واضحة لنشر نظريات المؤامرة، وأشار إلى أن الشركة مجهولة الهوية زودته بمجموعة من الروابط التي تحوي قصصا إخبارية مفبركة عن اللقاحات.

وفور إعلانه عن الشركة، اختفت القصص الخبرية المزيفة من على شبكة الإنترنت، وسارع المدونون الذين شاركوا في حملة التضليل بحذف فيديوهاتهم، في حين فتحت السلطات الألمانية والفرنسية تحقيقا في شركة فازي وأنشطتها، وهو التحقيق الذي يدور الآن حول ما وصفته "فيسبوك" مؤخرا بأنه "أكبر حملة تضليل".

أصابع الاتهام

قبل أشهر من الكشف عن هذه الجهود، كان الاتحاد الأوروبي قد تحدث بالفعل عن جهود روسية عدائية لنشر معلومات كاذبة عن اللقاحات.

وقال الاتحاد الأوروبي أبريل الماضي، إن بكين وموسكو كثفتا حملات "المعلومات المضللة برعاية الدولة" لتشويه سمعة اللقاحات التي طورها الغرب ضد كورونا، في الوقت الذي تروجان فيه للقاحاتهما.

وجاء في تقرير لخارجية الاتحاد الأوروبي أن "ما يُسمى دبلوماسية اللقاحات تتبع منطق لعبة حصيلتها صفر"، يسعى إلى "تقويض الثقة في لقاحات غربية الصنع ومؤسسات الاتحاد الأوروبي واستراتيجيات التلقيح الغربية الأوروبية".

وأضاف التقرير "منذ ديسمبر (2020)، توحدت وسائل الإعلام والسلطات والشركات الحكومية الروسية للترويج للقاح سبوتنيك-في، باستعمال رسائل عدائية لاتهام الاتحاد الأوروبي، بتشويه اللقاح الروسي".

وتابع أن "وسائل الإعلام الموالية للكرملين، بما في ذلك حساب سبوتنيك-في الرسمي على تويتر، سعت إلى تقويض الثقة في وكالة الأدوية الأوروبية والتشكيك في إجراءاتها، وحيادها السياسي".

وشدد التقرير على أن وسائل الإعلام المدعومة من الدولة حاولت "بثّ البلبلة" حول طلب الموافقة على تسويق لقاح سبوتنيك-في الروسي، في محاولة لتعزيز الرواية القائلة إن المؤسسة تعمدت تأخير ترخيص استعماله.

وأضاف أن "وسائل الإعلام الموالية للكرملين اتهمت أيضاً وكالة الأدوية الأوروبية والاتحاد الأوروبي بشكل عام بالتحيز السياسي ضد اللقاح الروسي".

وفور الكشف عن جهود فازي لنشر المعلومات المضللة، سارع سياسيون وخبراء لاتهام موسكو بالوقوف وراء هذه الجهود.

وقال أوميد نورنبور، مسؤول الشؤون الخارجية لحزب الخضر الألماني إن الهجوم على اللقاحات والتشكيك فيها يهدف إلى تقويض الثقة في النظم الديمقراطية الغربية، وأن هذا يصب في مصلحة اللقاح الروسي، وهناك جهة واحدة فقط تستفيد من ذلك، وهو الكرملين".

لكن السفارة الروسية في لندن ردت على هذه الاتهامات قائلة: "نحن نتعامل مع كوفيد-19 كخطر عالمي ولسنا مهتمين بالتقليل من الجهود العالمية لمحاربته، ونعتبر تطعيم الناس بلقاح فايزر أحد الطرق لمجابهة الفيروس".

لكن المعلومات التي تنكشف يوما بعد يوم، تشير إلى تورط أطراف روسية رسمية في الحملة.

من هي فازي؟

البحث عن الشركة في مواقع التواصل الاجتماعي يفضي إلى صفحتها على (لينكدان)، ويظهر فيها أن الشركة مقرها العاصمة الروسية موسكو، وأن لها ارتباط بشركة أخرى نشطة في دول أوروبية اسمها "آد ناو" Adnow LLP، حيث جرى تسجيل بعض نطاقات الويب Fazze على أنها مملوكة لشركة  Adnow.

وبحسب تقرير نشره موقع "راديو أوروبا الحرة"، في مايو، فقد تأسست شركة Adnow LLP في المملكة المتحدة في عام 2014 من قبل روسي يحمل الجنسية البريطانية يدعى ستانيسلاف فيسينكو، مشيرا إلى تلك الشركة بقيت حتى العام 2018 تتبع شركة أخرى اسمها سيريبريانسكايا.

ويقع العنوان المدرج لمكتب الشركة، في الجزء الجنوبي من العاصمة الروسية، وهو نفس عنوان شركة تسويق عبر الإنترنت تسمى 2WTrade، وهي مملوكة أيضًا لشركة سيريبريانسكايا التابعة لسيدة تدعى يوليا سيريبريانسكايا.

يوليا متهمة بأنها الرأس المدبر لشبكة التشكيك باللقاحات

ويعتقد بعض الخبراء أن يوليا سيريبريانسكايا، هي من  تقف وراء تك الحملة المضللة بشأن اللقاحات الغربية، فهي تملك خبرة كبيرة في تخطيط الحملات السياسية والأحداث الاجتماعية الاقتصادية لحزب روسيا الموحدة الحاكم.

كما أنها ترأس منظمة تسمى "المبادرة الروسية"، والتي تصف نفسها بأنها "اتحاد عالمي للمتحدثين بالروسية يهدف للحفاظ على الثقافة والتقاليد المحلية وتعريف الآخرين بالإنجازات الثقافية والاقتصادية وغيرها بطريقة صحيحة بعيدا عن الصور المشوهة والنمطية".

وكانت سيريبريانسكايا قد تخرجت من كلية الرياضيات في العام 2001 من جامعة نوفوسيبيرسك التقنية الحكومية، قبل أن تعمل لفترة وجيزة لصالح شركة محلية تابعة للإذاعة الوطنية الرسمية لتنتقل بعد ذلك إلى موسكو، حيث تقول إنها عملت في قناتين تلفزيونيتين ممولة من الحكومة.

وتشير السيرة الذاتية لسيريبريانسكايا على الإنترنت إلى أنها عملت في العام 2007 في مقر الحملة الانتخابية لديمتري ميدفيديف، الذي كان يشغل منصب النائب الأول لرئيس الوزراء قبل تعيينه من قبل الرئيس فلاديمير بوتين كخليفة ويصبح رئيسًا في العام التالي، حيث تبادل المناصب فعليًا مع بوتين، الذي أصبح رئيسًا للوزراء.

وتقول سيريبريانسكايا أيضًا إنها عملت مع حملة بوتين الانتخابية العام 2012، عندما عاد إلى سدة الرئاسة، وإنها ترأست قسم الإعلانات في الدائرة السياسية في روسيا الموحدة الحكام

وفي العام 2013، انتقلت سيريبريانسكايا، بحسب كلامها، إلى الولايات المتحدة "لأسباب عائلية"، حيث قضت هناك حوالى عامين، مشيرة إلى أنها أقامت روابط تعاون تعاونًا مع الجالية الروسية في أريزونا ونيفادا وكاليفورنيا لا سيما العاملين في شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون،

وعند عودتها إلى روسيا، أسست شركة Serebryanskaya شركة 2WTrade وعقبها بعام أنشأت منظمة المبادرة الروسية.

وفي عام 2019، حاولت الترشح لمقعد في مجلس دوما مدينة موسكو بصفتها "مرشحة ذاتية" غير منتسبة، لكنها فشلت في جمع ما يكفي من التوقيعات للتسجيل كمرشحة.

"الأكبر من نوعها"

وقد أعلن موقع فيسبوك، الثلاثاء، أنه وضع حدا لعملية تضليل إعلامي سعت فازي من خلالها إلى نشر معلومات مغلوطة حول اللقاحات بعد أن نجحت في خداع  بعض المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي لدفعهم إلى تأييد مزاعم كاذبة.

ووصفت شبكة التواصل الاجتماعي الأكبر العملية بأنها "غسل معلومات مضللة" سعت إلى إضفاء طابع الصحة على مزاعم خاطئة من خلال نشرها بواسطة شخصيات طيّبة السمعة.

وقال فيسبوك إنه حذف في يوليو، 65 حسابا عبر منصته و243 حسابا على إنستغرام ذات صلة بالحملة، وقام بحظر التعامل مع شركة "فازي".

واستهدفت الحملة بشكل أساسي الهند وأميركا اللاتينية وأيضا الولايات المتحدة في خضم بحث الحكومات المصادقة على استخدام اللقاحات لمكافحة الجائحة.

وأعلن فيسبوك أن شبكة الحسابات المزيفة سعت، العام الماضي، إلى نشر معلومة خاطئة تفيد بأن لقاح أسترازينيكا المضاد لفيروس كورونا سيحوّل متلقّيه إلى شمبانزي.

ويقول المسؤولون الأوروبيون إنهم يحققون فيمن يقف خلف شركة أندو، حيث لاحظ بعض المحققين أن المعلومات التي كانت تنشرها "فازي" تتشابه في كثير من النقاط مع المواد التي كانت تروج لاستخدام اللقاح الروسي "سبونتيك في" على حساب الأنواع الأخرى.

وفي هذا الصدد قال غراهام بروكي، مدير مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي التابع للمجلس الأطلسي "للأسف، هناك طلب كبير في السوق على المعلومات المضللة"، فيما حدد باحثون في جامعة أكسفورد أكثر من 65 شركة تقدم مثل هذه الخدمات.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي