من أمريكا الجنوبية إلى الشرق الأوسط.. الجائحة تسبب موجات غضب عالمية

The pandemic leads to another summer of anger
2021-08-05

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريرًا لإيشان ثارور، كاتب العمود في الصحيفة الأمريكية، ناقش فيه تداعيات فيروس كورونا في هذه الآونة على الدول المتقدمة ونظيراتها النامية، لا سيما بعد أن طالبت منظمات دولية صندوق النقد الدولي والحكومات الغنية بالمساعدة في الدعم الذي يُحقِّق زيادةً كبيرةً في الإنفاق على مجال الصحة. وخلُص الكاتب إلى أن هناك مخاوف تساور كثيرًا من المراقبين بسبب الاحتجاجات التي اندلعت بدايةً من أمريكا اللاتينية وصولًا إلى الشرق الأوسط في ظل ارتفاع مُعدَّل البطالة والجوع، وتراجع الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم إلى خط الفقر.

موجات غضب احتجاجية شديدة

يستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنه على الرغم من أن هذا الشهر كان أكثر هدوءًا في الولايات المتحدة مما كان عليه الوضع قبل عام مضى، فإن هذا الشهر شهد موجة احتجاجية شديدة في أجزاء أخرى من العالم. وسلَّط الكاتب الضوء على قليل من هذه الاحتجاجات: ففي تونس، أدَّى غضب الشارع بسبب فَشَل الحكومة في التصدِّي للجائحة دورًا في تدخُّل رئيس البلاد وتعليق عمل البرلمان في وقتٍ سابقٍ من هذا الأسبوع.

وفي العراق، أسفرت موجة الحر الحارقة عن حدوث انقطاع كبير في الكهرباء، كما أدَّت إلى قَطعِ المتظاهرين للطُّرُق بسبب الاشمئزاز الناجم عن إخفاقات الدولة.

وفي جنوب أفريقيا، استغلَّ الانتهازيون السياسيون حالة اليأس العام خلال عمليات إغلاق البلاد في إثارة أحد أكثر الأسابيع دموية في تاريخ جمهورية ما بعد الفصل العنصري. وفي تايلاند، اشتبكت قوات الأمن مع محتجِّين يطالبون بالإصلاح السياسي، ويعربون عن استيائهم من التأخير في طرح لقاحات فيروس كورونا. وفي كولومبيا، استمرَّت المظاهرات المناهضة للحكومة بعد اندلاعها لأول مرة في أبريل (نيسان)، وطالبت حشود غفيرة بتعديل العقد الاجتماعي في خِضمِّ تصاعد أزمة اقتصادية.

ويؤكد كاتب التقرير أن الخسائر الفادحة الناجمة عن جائحة فيروس كورونا تُلقي بظلالها في جميع هذه الأماكن، حيث تسبب ارتفاع مُعدَّل الإصابات في انهيار الاقتصادات وفرض أعباءٍ ثقيلة على الأنظمة الصحية. وفي نهاية الأسبوع الماضي في البرازيل، خرج المُحتجَّون إلى الشوارع مرةً أخرى، وطالبوا بإقالة الرئيس جايير بولسونارو، الذي اتهموه، من بين اتهامات أخرى، برئاسة (لجنة) مُخزية معنية بالتصدي للجائحة التي أودت بحياة أكثر من نصف مليون برازيلي حتى الآن.

وتفاقمت حالة الغموض السياسي في دولة هايتي، بعد اغتيال رئيسها في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، من جراء فيروس كورونا الذي تفشَّى في دولة لم تُقدِّم جرعة واحدة من اللقاح، إلا منذ أسبوعين.

نوع مختلف من الغضب

وفي الدول الأكثر ثراءً، وفقًا للتقرير، هناك نوع مختلف من الغضب الشديد. وابتداءً بفرنسا ووصولًا إلى أستراليا، احتجَّ عشرات الآلاف من المتظاهرين ضد قواعد تلقِّي اللقاح وعمليات الإغلاق على انتهاك حرياتهم المدنية. وفي الولايات المتحدة، حيث تحتفظ حكومات الولايات بملايين الجرعات الفائضة التي ربما تنتهي قريبًا، تتحول حالة تلقِّي اللقاح تقريبًا إلى مؤشر على الهوية القَبَلِيَّة. وحتى مع زيادة حالات الإصابة في المجتمعات التي لا تزال فيها الأغلبية غير مُحصَّنة، لا يؤدي الجدل المتزايد بشأن أوامر تلقِّي اللقاح إلا إلى مزيد من الاستقطاب.

وفيما يخُص المجموعات التي تُقدِّم مساعدات إنسانية، تُعد الفجوة القائمة بين حالة الهلع الواضح بشأن ارتداء الكمامات أو الحصول على اللقاح في الغرب والمعاناة الاجتماعية الحقيقية التي يواجهها أولئك الذين يعيشون في العالم النامي من الأمور التي تثير الغضب. ويعيش نحو 20% من سكان العالم في أفريقيا، ولكن يتلقَّى أقل من 2% من سكان القارة جرعة اللقاح الكاملة.

من جانبه، انتقد تيدروس أدهانوم جيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، «التفاوت المُريع» في الحصول على اللقاح خلال إحاطة إعلامية في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر. وقال جيبريسوس: «لا يمكن الدفاع عن قومية اللقاح من الناحية الأخلاقية؛ إذ حصلت من خلالها حفنة من الدول على نصيب الأسد من اللقاح». وأضاف: «وفي هذه المرحلة من تفشِّي الجائحة، تُعد حقيقة أن الملايين من العاملين في مجال الصحة والرعاية (في العالم النامي)، الذين لم يتلقَّوا اللقاح حتى الآن، من الأمور المُخزية».

توقعات اقتصادية متغيِّرة

وبحسب التقرير، تنطوي فجوة توفير اللقاح على تأثيرات واسعة النطاق. وفي تقرير يتناول الحديث عن التوقعات الاقتصادية العالمية صدر في هذا الأسبوع، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو المتعلق بالاقتصادات المتقدمة، بما في ذلك الولايات المتحدة، ولكنه خفَّض توقعات النمو المتعلقة بالبلدان النامية مثل الهند، التي شهدت تفشِّي موجة ثانية مُدمِّرَة من فيروس كورونا في المدة التي بدأت من مارس (آذار) حتى مايو (أيار).

وتنتج الهند عِدَّة لقاحات خاصة بها، ولكنَّ التأخير في سلسلة الإمدادات العالمية، الذي كان في جزءٍ منه نتيجة للتدابير التي تفرضها الولايات المتحدة من أجل تعزيز إنتاج اللقاح وتوزيعه داخل البلاد، أعاق طرحها. ومن المُتوقَّع أن تصل مئات الملايين من الجرعات إلى بلدان أخرى في العالم النامي بحلول نهاية العام الجاري، أو أوائل العام المقبل، على الرغم من وقوع الضرر بالفعل.

واستشهد الكاتب بالبيان الصادر عن صندوق النقد الدولي الذي يقول: «برز الوصول إلى اللقاح بوصفه خط الصدع الرئيس الذي ينقسم على طوله الانتعاش العالمي إلى كُتلتَين». وتابع صندوق النقد: «ويمكن أن تسعى بعض البلدان إلى مزيد من التطبيع في النشاط في وقتٍ لاحقٍ من هذا العام»، ولكن «لا يزال هناك عِدَّة بلدان أخرى تواجه حالات إصابة متجددة وارتفاعًا في عدد وفيات كوفيد-19».

وفي تصريح لوكالة أنباء «بلومبرج نيوز»، قالت جيتا جوبيناث، كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي: لقد «حذَّرنا من تفاوت خطير، ونحن نلاحظ أن ذلك الأمر يزداد سوءًا، ونحن لم نفقد الأمل فيما يتعلق بالتصدِّي لتفشِّي الجائحة».

ولم تمتلك بلدان نامية كثيرة شبكات الأمان الاجتماعي ولا أنظمة صحية عامة وخاصة قوية، كالتي تمتلكها الاقتصادات المتقدِّمَة في الغرب. وعندما تفشَّت الجائحة، دُفِعَت المستشفيات إلى حافة الانهيار، وفي بعض الحالات لم تستطع ببساطة أن تتصدى لارتفاع عدد حالات الإصابة. ولذلك السبب، دعَت منظمات دولية صندوق النقد الدولي والحكومات الغنية للمساعدة في الدعم الذي يُحقِّق زيادةً كبيرةً في الإنفاق على مجال الصحة في العالم المتقدم.

وقال ديباك كزافييه الذي يعمل لدى منظمة «أوكسفام الدولية» في محادثة مع المنتدى الاقتصادي العالمي: «يجب أن تكون الرعاية الصحية الشاملة والمُمَوَّلة تمويلًا جيدًا هي إرث الجائحة: من أجل إنقاذ الأرواح والتصدي على نحوٍ أفضل للجائِحات في المستقبل».

مخاوف واضحة

وفي الوقت الحالي، وعلى الرغم من ذلك، تُعد المخاوف أكثر إلحاحًا، وغالبًا ما تجد هذه المخاوف تعبيرات عميقة. وكان فريق من الباحثين في معهد الاقتصاد والسلام، وهو مركز أبحاث عالمي، قد تتبَّع أكثر من 5 آلاف حدث من أحداث العنف المرتبطة بالجائحة بين يناير (كانون الثاني) 2020 وأبريل (نيسان) 2021.

وتعكس الاحتجاجات المشهورة بدايةً من أمريكا اللاتينية وصولًا إلى الشرق الأوسط، ارتفاع مُعدَّل البطالة؛ إذ اختفت الوظائف في الاقتصاد غير الرسمي دون مقابل، وانتشار الجوع في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، فضلًا عن تراجع الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم إلى خط الفقر.

وأبرز الكاتب ما دوَّنه زميله أنتوني فايولا الذي ذكر أن «الجوع العالمي ارتفع بما يُقدَّر بنحو 118 مليون شخص في جميع أنحاء العالم في عام 2020، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، ليقفز عدد الجوعى إلى 768 مليون شخص، ويعود معظمهم على الأقل إلى عام 2006». وأضاف: «وارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، أو أولئك الذين أُجبروا على التنازل عن كمية الغذاء أو جودته، بنحو 318 مليون نسمة ليصل إلى 2.38 مليار نسمة».

واستمد فايولا روايته من دولة بيرو، وهي موطن أحد أسوأ حالات تفشِّي فيروس كورونا في أمريكا اللاتينية وموطن أزمة اقتصادية موازية شهدت ارتفاع مُعدَّل الفقر في البلاد من 20% إلى 30% خلال عام واحد فقط. وربما أدَّت حالة البؤس التي عانى منها كثير من أبناء بيرو إلى صعود نجم اليساري الشعبوي بيدرو كاستيلو، الذي تسلَّم مقاليد السلطة بوصفه رئيسًا للبلاد في هذا الأسبوع.

واختتم الكاتب تقريره مُستشهدًا بما قاله مايكل شيفتر، رئيس مجموعة الحوار بين البلدان الأمريكية، التي تتَّخذ من واشنطن مقرًّا لها، لصحيفة «لوس أنجلوس تايمز»؛ إذ أشار إلى أن «الجائحة كشفت نقاط الضعف التي تعاني منها (أمريكا اللاتينية)، وزادت من حدِّتها، ومن حِدَّة المستويات العالية للغاية من المساواة في الدخل». وأكَّد شيفتر أن «أزمة الشباب في أمريكا اللاتينية، وليس من قبيل المبالغة أن نشير إليها بوصفها «جيلًا ضائعًا»، تُعد قنبلةً موقوتةً في المنطقة».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي