من اليمن إلى الجزائر.. 8 من أبرز مواقع التراث العالمي في الشرق الأوسط

Eight Middle East heritage sites you should know about
2021-08-01

عبدالرحمن النجار

استعرض الكاتب ريحان الدين في تقرير على موقع «ميدل إيست آي» ثمانية من أبرز مواقع التراث العالمي الأثرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ذكر في اقتتاحيته أن التاريخ الثقافي والديني والطبيعي الغني لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يمتد عبر آلاف السنين، في كل ركن من أركان المنطقة.

وقد أدركت وكالة اليونسكو الثقافية التابعة للأمم المتحدة ذلك من خلال منح مكانة التراث العالمي إلى معالم في كل دولة من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باستثناء الكويت. يمنح التصنيف المواقع حماية قانونية على شكل اتفاقية دولية؛ مما يساعد في الحفاظ عليها بواسطة السلطات المحلية والحكومية.

بعض هذه المواقع، مثل أهرامات الجيزة ومدينة البتراء النبطية في الأردن، يمكن التعرف عليها على الفور وتجذب ملايين السياح كل عام. البعض الآخر أقل شهرة، لكنه لا يزال مهمًا للغاية في مساعدتنا على فهم الدين والعلم والثقافة في الحضارات القديمة.

في هذا المقال، يلقي موقع «ميدل إيست آي» نظرة على ثمانية مواقع لليونسكو في المنطقة يجب أن تعرفها:

1- التراث العالمي في مدينة شبام باليمن

عندما تفكر في المباني الشاهقة التي تزين الآفاق الخلابة، فإن مدنًا مثل نيويورك، ودبي، وهونج كونج، وطوكيو، تتبادر إلى الذهن. ولكن قبلها كلها جاءت مدينة شبام اليمنية المسورة القديمة.

بُنيت شبام خلال القرن السادس عشر في حضرموت، أكبر محافظة في اليمن، وهي أقدم مدينة في العالم تستخدم البناء الرأسي. شيدت بناياتها العالية من الطوب اللبن باستخدام التربة الخصبة المحيطة بالمدينة، وهي تمتد حتى ثمانية طوابق.

وقد بنيت المدينة بأكملها لهذا الغرض بميزات دفاعية. لقد جرى إنشاؤها داخل جدران محصنة وفوق نتوء صخري مرتفع؛ مما يمنح السكان موقعًا متميزًا للتعرف على القبائل المتنافسة التي تقترب. كما أن المباني الشاهقة والجسور الضامة بين المباني توفر أيضًا طرقًا واسعة للهروب أثناء هجمات العدو.

صُنفت شبام كمثال استثنائي للتخطيط الحضري، بمبانيها الشاهقة المكتظة التي توفر الظل ضد الحرارة الشديدة. وقد وصف المستكشف البريطاني فريا ستارك المدينة في ثلاثينات القرن الماضي بأنها «مانهاتن الصحراء».

إنها موطن لـ3 آلاف ساكن اليوم، والذين ما زالوا يعيشون في الأبراج المبنية من الطوب اللبن. بيد أن المباني عرضة للظروف الجوية والتعرية، حيث تحتاج الطبقات الخارجية من الطين إلى صيانة مستمرة لمنع الجدران من التشقق والانهيار.

منذ اندلاع الحرب الأهلية في اليمن عام 2015، تعرضت المدينة لخطر القصف؛ مما دفع اليونسكو إلى تصنيفها في فئة التراث الثقافي «المعرضة للخطر».

2- تراث وادي الحيتان في مصر

في الصحراء الغربية لمصر على بعد 150 كيلومترًا من العاصمة القاهرة، يوجد موقع حفريات ذو أهمية كبيرة. يحتوي وادي الحيتان على بقايا حفريات نادرة لبعض أقدم أشكال الحيتان في عصور ما قبل التاريخ. يقدم الموقع دليلًا على فصل مهم في تطور الثدييات: انتقال الحيتان من حيوان بري إلى حيوان ثديي عابر للمحيط.

في عام 2015 جرى اكتشاف أول هيكل عظمي كامل في العالم من نوع Basilosaurus، وهو أول نوع من الحيتان يعيش بالكامل في البحر، في الموقع. وشمل الهيكل الذي يبلغ طوله 18 مترًا بقايا متحجرة لمخلوقات بحرية أخرى داخل معدة الحوت. يعود تاريخ معظم أحافير وادي الحيتان إلى أكثر من 40 مليون سنة، وتظهر الحيتان في المراحل الأخيرة من فقدان أطرافها الخلفية.

ويتجاوز عدد الأحافير في وادي الحيتان، وتركيزها، وجودتها، وإمكانية الوصول إليها، أي مكان آخر في العالم، وفقًا لليونسكو. لسنوات، استقبل الموقع عددًا قليلًا من الزوار بسبب موقعه الصحراوي، ولكن منذ ذلك الحين تم تحويله إلى متحف لتغير المناخ والأحفوريات بواسطة السلطات المصرية.

3- قصير عمرة في الأردن

يعد موقع قصير عمرة في الأردن من أفضل القلاع الصحراوية المحفوظة من الخلافة الأموية، الإمبراطورية الإسلامية المبكرة التي حكمت المنطقة بين عامي 661 و750 ميلاديًا.

ويعتقد أن القلعة قد شيدها الخليفة وليد الثاني، فقد كانت ملاذًا للاسترخاء لحكام الإمبراطورية بعيدًا عن العاصمة الصاخبة دمشق. يتكون المبنى من صالة استقبال وحمام (مجمع حمامات بغرف دافئة وساخنة).

يتمثل الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في الموقع، وسبب إدراجه في قائمة اليونسكو: اللوحات الجدارية المذهلة والمدهشة.

تصور اللوحات الجدارية الواسعة التي تغطي كل جدار، وسقف مجمع الحكام القدامى، ومشاهد الصيد، وحتى النساء العاريات الراقصات. تعتمد اللوحات على التأثيرات الوثنية والبيزنطية، مما يُظهر القليل من الاهتمام بالحظر الإسلامي لتصوير الحيوانات والبشر. سلطت منظمة اليونسكو الضوء على تفرد هذه اللوحات العلمانية منذ المراحل الأولى للفن الإسلامي، والتي أصبحت فيما بعد ممثلة بالصور الهندسية.

إحدى أشهر اللوحات الجدارية في قصير عمرة تصور ستة ملوك هزمهم الأمويون من بلاد فارس، وبيزنطة، وإسبانيا، وإثيوبيا، والصين، وآسيا الوسطى. يُعتقد أن لوحة جدارية أخرى، على السقف المقبب للغرفة الساخنة، هي واحدة من أقدم الصور الباقية على قيد الحياة للسماء على سطح غير مستوٍ.

تخضع اللوحات الجدارية حاليًا للترميم عبر وزارة التراث الثقافي الإيطالية، في محاولة لإعادة الألوان والتفاصيل التي تضررت على مر السنين.

4- مدينة مروي في السودان

تقع أشهر الأهرامات في العالم بلا شك في الجيزة بمصر، ولكن الهيكل القديم الذي كان يستخدم كمقابر للملوك والملكات منتشر على نطاق واسع في السودان.

لقد بُني أكثر من 200 هرم نوبي خلال مملكة كوش، التي حكمت أجزاءً من السودان الحديث وجنوب مصر بين القرن العاشر قبل الميلاد والقرن الرابع الميلادي. تقع معظم الأهرامات في مرواة، وهي مدينة قديمة تبعد 200 كيلومتر عن الخرطوم، وكانت بمثابة عاصمة مملكة الكوش لمئات السنين.

سيلاحظ المراقبون أن قمم العديد من هذه الأهرامات مفقودة: فقد جرى تفجيرها بواسطة صائد الكنوز الإيطالي جوزيبي فيرليني عام 1834، والذي سرق ودنس هذه المواقع في بحث لا يرحم عن المجوهرات والتحف.

يشمل موقع اليونسكو: المدرج عام 2011، جميع الآثار من العاصمة الكوشية، بما في ذلك الأهرامات، والمعابد، والقصور، والأعمدة.

على الرغم من احتوائها على أكبر تجمع للأهرامات في العالم، إلا أن السياح لا يتطلعون إلى مرواة إلى حد كبير، ويرجع ذلك جزئيًا إلى افتقار البنية التحتية للسياحة.

يأمل الكثيرون في السودان أن تؤدي الثورة التي أنهت الحكم الاستبدادي لعمر البشير والذي دام ثلاثة عقود، وما تلاه من شطب السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، إلى زيادة عدد الزوار الأجانب للبلاد.

5- حديقة طاسيلي ناجر في الجزائر

تحتوي الحديقة الوطنية طاسيلي ناجر، وهي هضبة شاسعة تقع في الصحراء الكبرى جنوبي شرق الجزائر، على واحدة من أهم مجموعات فن الكهوف في عصور ما قبل التاريخ في العالم.

تحتوي المنطقة على 15 ألف رسم ونقش يمتد على مدى 10 آلاف عام، وتوفر سجلات مصورة للتغيرات المناخية، وهجرة الحيوانات، وتطور الحياة البشرية.

تشتمل الأعمال على العديد من التقاليد المتميزة للفن الصخري، بما في ذلك فترة «الرأس المستدير» (حتى 10 آلاف عام مضت) حيث قام الصيادون والقطافون بحفر تمثيلات غالبًا ما ترتبط بالطقوس والاحتفالات ، وفترة الماشية الأحدث (حتى 3 آلاف عام) التي تصور الحياة اليومية والاجتماعية.

الموقع الجزائري له أيضًا أهمية جيولوجية ملحوظة، بتكوينه «غابات صخرية» من الحجر الرملي المتآكل الذي يشبه المناظر الطبيعية للقمر.

جذب الموقع انتباه العالم الغربي من خلال الزيارات العديدة لعالم الآثار الفرنسي هنري لوت طوال منتصف القرن العشرين. في وقت لاحق انتقد علماء الأنثروبولوجيا رحلات لوت الاستكشافية، قائلين إنه سبب أضرارًا جسيمة للفن الصخري، وفسرها بطريقة تأثرت بشدة بالاستعمار الفرنسي للجزائر.

الحديقة الوطنية مفتوحة للجمهور، لكن الجزائر تشتهر بصعوبة حصول الأجانب على تأشيرة سياحية.

6- وادي قاديشا في لبنان

وادي قاديشا في لبنان هو أحد مواقع اليونسكو ذات الأهمية الدينية والطبيعية. حُفِر «الوادي المقدس» على نهر قاديشا الذي يمر عبر أجزاء من شمال لبنان، بما في ذلك مدينة طرابلس. وهو موطن لبعض أقدم وأهم الأديرة المسيحية.

تعود مساكن الكهوف الرهبانية التي يصعب الوصول إليها إلى بدايات انتشار المسيحية، التي وفرت للمؤمنين ظروفًا مثالية للعزلة والملاذ. ولكن يتعذر الوصول إلى العديد من المواقع؛ لأنها تقع على منحدرات ذات ارتفاعات تصل إلى 150 مترًا. يتميز الوادي أيضًا بغابة «أرز الله» الواقعة داخله، والتي تحتوي على آخر بقايا شجر الأرز اللبناني، وهو أحد أثمن مواد البناء في العصور القديمة، والذي أصبح منذ ذلك الحين رمزًا وطنيًا للبنان.

بيد أن قرونًا من استخدام الأخشاب بواسطة المصريين، والفينيقيين، والعثمانيين، والبريطانيين، والعديد من الحضارات والإمبراطوريات الأخرى، لم تترك سوى 17 كيلومترًا مربعًا من أشجار الأرز – أي حوالي 0.4% من الغطاء القديم المقدر. كما يهدد تغير المناخ أيضًا الشجرة التاريخية، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تعطيل الظروف المناخية اللازمة لنموها.

في حين أن الوادي لم يتم تضمينه بعد في فئة «المعرضة للخطر»، حذرت اليونسكو من زيادة المستوطنات البشرية، والإنشاءات غير القانونية، وتدفقات الزوار غير المنضبطة، التي أثرت على سلامة الموقع.

7- الحجر أو مدائن صالح في السعودية

أصبحت منطقة الحِجر الأثرية أول موقع تراثي لليونسكو في المملكة العربية السعودية عام 2008.

يعود تاريخها إلى المملكة النبطية، التي حكمت أجزاءً من شمال غرب شبه الجزيرة العربية من القرن الرابع قبل الميلاد، حتى استولى عليها الرومان في عام 106 بعد الميلاد. كانت الحِجر أكبر مستوطنة للحضارة النبطية القديمة خارج عاصمتها البتراء في الأردن. يتكون الموقع من أكثر من 100 مقبرة ضخمة، معظمها لها واجهات مزخرفة بشكل متقن منحوتة مباشرة في صخور الحجر الرملي.

يشار إلى الحجر عادة باسم مدائن صالح بسبب قصة قرآنية تشير إلى المنطقة. وبحسب القرآن الكريم فإن النبي صالح قد أُرسل إلى أهل ثمود، وهي قبيلة مشركة قديمة يُعتقد أنها عاشت في الحجر، لثنيهم عن عبادة الأصنام. ولكن رفضت ثمود رسالة الرسول، وقتلوا ناقة أرسلها الله إليهم، ويعتقد أن ذلك أدي إلى هلاكهم في زلزال.

يقع الموقع في مدينة العلا، في المملكة العربية السعودية الحديثة، وهي منطقة شاسعة مليئة بالمواقع الأثرية التي يعود تاريخها إلى العصر البرونزي، قبل 4 آلاف عام.

عام 2018 وقعت السعودية صفقة بمليارات الدولارات مع فرنسا لتطوير أكبر متحف مفتوح في العالم بالعلا؛ مما يجعله حجر الزاوية في خطة المملكة لجذب ملايين السياح كل عام.

8- سامراء في العراق

تقدم مدينة سامراء الأثرية في العراق نظرة فاحصة على الحياة في ظل الخلافة العباسية، الإمبراطورية الإسلامية الكبرى التي حكمت مساحات شاسعة من شمال أفريقيا، والشرق الأوسط، وآسيا الوسطى بين القرنين الثامن والثالث عشر.

أكدت اليونسكو أن سامراء هي العاصمة الإسلامية الوحيدة التي حافظت على خطتها الأصلية وهندستها المعمارية وفنها، بما في ذلك فن الفسيفساء والمنحوتات؛ وذلك لأن المدينة كانت مهجورة في وقت مبكر نسبيًا؛ مما أدى إلى تجنب إعادة البناء المستمر للعواصم الأخرى مثل بغداد.

كان مسجد سامراء الكبير، الذي بني عام 851 ميدلاديًا، أكبر مسجد في العالم وقت بنائه. لا تزال مئذنته اللولبية غير العادية الساحرة سليمة في الغالب، حيث يبلغ ارتفاعها 52 مترًا. تعد المدينة القديمة ذات أهمية دينية عميقة لكثير من المسلمين الشيعة، فهي موطن لضريح الإمام العسكري، وهو مسجد وضريح دُفن فيه الإمامان العاشر والحادي عشر من نسل النبي محمد.

وهو أيضًا الموقع الذي اختفى – بحسب الاعتقاد الشيعي – منه محمد المهدي، الإمام الشيعي الثاني عشر والأخير، خلال «الغيبة الكبرى». يعتقد مرتادوه أنه سيعود في نهاية الزمان، مع النبي عيسى، كمخلص يجلب السلام إلى العالم. في الآونة الأخيرة شهدت سامراء تصاعد التوترات والصراعات؛ مما أدى إلى إدراجها في فئة «المعرضة للخطر» لليونسكو.

خلال حرب العراق عام 2005 اتُهمت القوات الأمريكية بتعريض مئذنة المدينة الشهيرة للخطر، بعد أن استُخدمت لشن هجوم بالقناصة على المتمردين العراقيين. كما تعرض ضريح الإمام العسكري للقصف عدة مرات بين عامي 2006 و2007، وتعرضت المدينة لهجوم آخر من «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» في 2014.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي