من حركات هامشية إلى قلب المشهد السياسي العالمي.. ما هي أحزاب الخضر؟

How Green-Party Success Is Reshaping Global Politics
2021-07-30

بعدما كانت أحزاب الخضر ذات يوم مجرد حركات هامشية، باتت اليوم في قلب النقاش السياسي حول العالم. فما هي أحزاب الخضر؟ ومن أين تنبع أهميتها؟ وكيف تطورت؟ وما دورها في الحكومات؟ وما النقاشات الرئيسية التي تدور داخل أروقة أحزاب الخضر حول العالم؟ وما الانتقادات الموجهة لها؟ وما السياسة المستقبلية التي ستتبناها؟

يجيب عن هذه الأسئلة وغيرها الباحث جيمس ماكبرايد، في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية، استهل بالإشارة إلى التطور الذي طرأ على أحزاب الخضر، بعدما كانت مجرد موجة من النشاط الاجتماعي الراديكالي، لا سيما الاحتجاجات الطلابية في الستينيات والحركة المناهضة للطاقة النووية في السبعينيات والثمانينيات.

ثم اكتسبت أحزاب الخضر تأثيرًا كبيرًا بعد دخولها إلى المعترك السياسي، لكن هذا الوضع الجديد كشف أيضًا عن انقسامات حول اللاعنف، وسياسة الطاقة، والاقتصاد. وبينما تكتسب أحزاب الخضر الآن دعمًا متزايدًا في عديد من البلدان، بفضل اهتمام الناخبين المتنامي بقضية المناخ، فإن تأثيرهم في مستقبل السياسة العالمية لم يترسخ بعد.

تطورت أحزاب الخضر في جميع أنحاء العالم، من مجموعات تدافع عن قضية واحدة هي حماية البيئة، إلى أحزاب سياسية ذات قاعدة شعبية عريضة قادرة على الفوز في الانتخابات والوصول إلى أعلى المستويات الحكومية.

ولأن تغير المناخ بات قضية ملحة، في ظل خسارة الأحزاب التقليدية الدعم لصالح البدائل المختلفة، يرى التقرير أن أحزاب الخضر في وضع يؤهلهم للاضطلاع بدور أكبر من أي وقت مضى.

يضرب الكاتب على ذلك مثلًا: ألمانيا، رابع أكبر اقتصاد في العالم، حيث يمكن أن يقود الخضر الحكومة المقبلة. ومع ذلك، لا تزال الحركة الخضراء منقسمة حول بعض القضايا، مثل: الطاقة النووية، والقوة العسكرية، والسياسة الخارجية، والتعاون مع الأحزاب اليمينية والشعبوية.

ما هي أحزاب الخضر؟

تمثل الأحزاب السياسية الخضراء حركة اجتماعية واسعة، يناهز عددها الآن 80، بحسب شبكة جلوبال جرينز، وهي تسعى إلى إعادة توجيه الحضارة إلى مسارات أكثر استدامة وإنسانية، كما يقول مؤيدو السياسة الخضراء. بدأت مخاوفهم البيئية بمعارضة الطاقة النووية، ولكنها توسعت لتشمل تغير المناخ والتلوث والزراعة الصناعية، وباتت معظم الأحزاب الخضراء ملتزمة بأربع ركائز، هي: الاستدامة البيئية، والديمقراطية الشعبية، والعدالة الاجتماعية، واللاعنف.

تعد معظم أحزاب الخضر نفسها من اليسار الاقتصادي والاجتماعي، لكن تركيزها على اللامركزية والحلول المحلية يميزها عن عديد من الأحزاب الاشتراكية التقليدية. هناك أيضًا نمط محافظ من الأحزاب الخضراء، ينظر إلى حماية البيئة من خلال عدسة وطنية، ويضغط من أجل حلول موجهة نحو السوق.

من أين تستمد أحزاب الخضر أهميتها؟

مع استعداد أحزاب الخضر لممارسة دور صانع الملوك في بعض دول العالم الأكثر نفوذًا، يمكن لخياراتهم أن تصوغ السياسة العامة وتحدد مستقبل الديمقراطية، خاصة وأن الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية التي أحدثتها الجائحة، وتعثر الديمقراطيات الرائدة في التصدي لكوفيد-19، قوضت ثقة الجمهور في السلطات الحكومية. ناهيك عن سلسلة الصدمات المتتالية – الناتجة من عدة عوامل أبرزها: الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت في عام 2008، وسلسلة الهجمات الإرهابية، وموجة الهجرة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ابتداء من عام 2015- التي أدت إلى ابتعاد الناخبين عن أحزاب الوسط، والاقتراب من البدائل اليسارية واليمينية.

في خضم هذا الاضطراب، تحجز أحزاب الخضر لنفسها مقعدًا على الطاولة السياسية، مستفيدة من السخط الشعبي الموجه للأنظمة القائمة، انطلاقًا من أيديولوجيتها المتميزة التي تجذب مؤيدين من اليسار واليمين التقليديين.

ومع ذلك، لا تزال ثمة شكوك حول تأثير أحزاب الخضر على سياسة المناخ، كما لا يزال انعدام اليقين يخيم على قدرة أحزاب الخضر على التمسك بمبادئ اللاعنف واستعدادها لتشكيل تحالفات مع أقصى اليمين أو أقصى اليسار.

وإن كانت هناك نماذج تؤكد قدرتها على تبني مقاربات أكثر مرونة، من قبيل التحالف الذي شكله حزب الخضر في النمسا مع حزب الشعب المحافظ، مما أدى إلى تدشين برنامج حكومي يجمع بين سياسات مكافحة الهجرة، وخفض الضرائب، وبعض الأهداف المناخية الأكثر طموحًا في أوروبا.

كيف تطورت أحزاب الخضر؟

تعود جذور أحزاب الخضر إلى موجة الحركات الاجتماعية التي عصفت بالمجتمعات الصناعية بداية من الستينيات. انفصلت حركات اليسار الجديد والحركة الطلابية في عام 1968 عن الأنماط السابقة من التنظيم الطبقي للعمال، مفضلة بدلًا من ذلك الانتقادات الجذرية للحضارة الصناعية نفسها، والرؤى الطوباوية المنادية بالحياة في وئام مع الطبيعة.

في أوائل السبعينيات، بدأت الحركة الخضراء تقتحم مجال السياسة الانتخابية. وشكل الخضر أولى أحزابهم في أستراليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة في عام 1972. وتنافس الخضر في مختلف أنحاء ألمانيا الغربية عام 1980، ثم أصبحوا قوة سياسية ذات شأن في عام 1983 عندما دخلوا البرلمان بـ27 مقعدًا. بحلول التسعينيات، كان الخضر يتنافسون، ويفوزون في كثير من الأحيان، على مستوى المحليات والولايات والدولة في جميع أنحاء أوروبا.

اعتبرت الأحزاب الخضراء التي ظهرت ابتداءً في أوروبا الغربية نفسها أدوات لحركات الاحتجاج الأوسع نطاقًا، التي قادها جيل عام 1968، لا سيما ضد سباق التسلح النووي والطاقة النووية، وكذلك ضد النزعة الاستهلاكية والجشع والنمو الاقتصادي اللانهائي، والأعراف الاجتماعية القمعية. ونتيجة لذلك، كانت الوحدة بين أحزاب الخضر نادرة، وتزايدت انقساماتها الداخلية.

خارج أوروبا، اكتسبت السياسة الخضراء أيضًا شعبية، لكنها واجهت أحيانًا ظروفًا انتخابية مختلفة جدًّا. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تفتقد أحزاب الخضر النظام البرلماني الذي يسمح للأحزاب الصغيرة بالمشاركة في الحكم. صحيح أن الخضر فازوا بمئات الانتخابات على مستوى المحليات والولايات، ويبلغ عدد الأعضاء المسجلين الآن حوالي 250 ألفًا، لكنهم يجدون صعوبة في ترك بصمة في الساحة الوطنية التي يهيمن عليها الحزبان الرئيسيان: الديمقراطي والجمهوري.

ما دور أحزاب الخضر في الحكومة؟

تحولت أحزاب الخضر من أحزاب احتجاجية وحركات فضفاضة إلى سماسرة نفوذ مؤثرين في غضون عقود قليلة فقط. ومع ذلك، على الرغم من أنهم أصبحوا في بعض البلدان عنصرًا أساسيًّا في الهيئة التشريعية، فإنهم يظلون على الهامش في بلدان أخرى. وبينما شهدت أفريقيا بعض النشاط البيئي، بما في ذلك حركة الحزام الأخضر بقيادة البروفيسورة الكينية الحائزة جائزة نوبل، وانجاري ماثاي، فإنها لم تحرز مكاسب انتخابية تُذكَر.

على الخريطة، تضم الدول المظللة باللون الأخضر الغامق أحزاب الخضر المشاركة في الائتلاف الحاكم، وهي: النمسا، وبلجيكا، وفنلندا، وأيرلندا، ولوكسمبورج، ونيوزيلندا، والسويد. وتضم الدول المظللة باللون الأخضر الفاتح أحزاب الخضر الممثلة في الهيئة التشريعية الوطنية، وهي: أستراليا، والبرازيل، وبلغاريا، وكندا، وتشيلي، وكولومبيا، وقبرص، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، والمجر، ولاتفيا، والمكسيك، وهولندا، ومقدونيا الشمالية، والنرويج، وبولندا، والبرتغال، ورواندا، وصربيا، وإسبانيا، وسويسرا، والمملكة المتحدة.

خريطة مشاركة أحزاب الخضر في الحكومة. المصدر: مجلس العلاقات الخارجية.

ما النقاشات الرئيسية التي تدور داخل أحزاب الخضر على مستوى العالم؟

لطالما كانت أحزاب الخضر منقسمة داخليًّا؛ مما أدى إلى صراعات على القيادة، وانقسام داخل الأحزاب، ونقاشات لا تهدأ حول كيفية الاستفادة من الشعبية المتزايدة. وتتمحور النقاشات الأساسية حول طبيعة الحركة؛ فبينما يراها البعض في المقام الأول حركات ناشطة ملتزمة بالعمل المباشر والعصيان المدني، يفضل البعض الآخر إستراتيجية انتخابية أكثر تقليدية.

هناك موضوعات بارزة أخرى مطروحة على طاولة نقاش أحزاب الخضر، منها:

سياسة الطاقة: على الرغم من المعارضة طويلة الأمد للطاقة النووية، فإن بعض أحزاب الخضر – وعلى الأخص في فنلندا- يعيدون النظر في هذا الموقف، تماشيًا مع الحاجة الملحة لتقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

دور التكنولوجيا والعولمة والنمو الاقتصادي: امتدادًا للجدل بين الناشطين والبراجماتيين، يوجه بعض الخضر انتقادات أكثر عمقًا للنمو الاقتصادي اللامتناهي، والنزعة الاستهلاكية القائمة على سلاسل التجارة والإمداد كثيفة الطاقة، وطريقة التعامل المعتمدة على التكنولوجيا مع تغير المناخ. وهم يدعون إلى خفض النمو، أو تخفيض حاد في الإنتاج والاستهلاك وصولًا إلى ما يعدونه مستويات مستدامة. ويطالب آخرون بدلًا من ذلك بالنمو الأخضر، وهم منفتحون على الحلول التكنولوجية مثل عزل الكربون، والهندسة الجيولوجية.

الالتزام باللاعنف: تؤكد أحزاب الخضر على نزع السلاح وحل النزاعات باللاعنف، إن لم يكن بالسلمية الكاملة، وهو موقف خضع للاختبار حين شاركت في وضع السياسة الحكومية، إذ دعم الخضر في ألمانيا كثيرًا من التدخلات العسكرية، وبرنامجهم الحالي يدعم بقوة دور حلف الناتو.

دور الاتحاد الأوروبي: معظم أحزاب الخضر الأوروبية مؤيدة للاتحاد الأوروبي، ولكن هذا لم يكن الحال دائمًا؛ إذ دشن الخضر في السويد حملة ضد انضمام بلادهم إلى الاتحاد الأوروبي، وفي عام 2008 طُرِدَ حزب الخضر الدنماركي الأصلي من الاتحاد الأوروبي الأخضر الأوسع بسبب شكوكه في جدوى الاتحاد الأوروبي.

نزعة يمينية لحماية البيئة: هناك شريحة صغيرة ولكنها ثابتة من الجناح اليميني يدافع عن السياسات الخضراء، يجمع بين حماية البيئة والقومية، والتشكيك في الحكومة، ورفض المقاربات اليسارية المتعلقة بالهجرة والعلمانية والليبرالية الاجتماعية. لكن هذه المجموعات منبوذة إلى حد كبير من المنظمات الخضراء السائدة، كما لوحظ مؤخرًا في حالة حزب الخضر في لاتفيا.

ما الانتقادات الموجهة لأحزاب الخضر؟

لطالما صور الخصوم السياسيون أحزاب الخضر على أنهم مجموعة من الشباب الحالمين والأثرياء المتمدينين. في أوروبا، تعمل أحزاب الخضر على التخلص من تلك الوصمة للتنافس على أصوات الناخبين من الطبقة العاملة. ومع ذلك، يقول الخبراء إنها لا تزال منخفضة الشعبية في جنوب وشرق أوروبا، حيث النمو بطيء والبطالة مرتفعة، وفي العديد من المناطق الريفية في جميع أنحاء القارة.

حتى في البلدان الأكثر ثراءً، مثل ألمانيا ذات القوة التصنيعية، فإن انتقادات الخضر للتطور الصناعي تثير أحيانًا عدم الثقة. فيما يطالب ممثلو العمال الخضر بإيجاد طرق لتحسين سياساتهم في القطاعات النقابية، مثل صناعة السيارات.

تجسدت بعض هذه المخاوف في احتجاجات السترات الصفراء التي استمرت لأشهر في فرنسا، والتي اندلعت بسبب زيادة – ذات دوافع بيئية- في ضريبة الوقود، كان لها تأثير قوي في العمال ذوي الدخل المنخفض. يقول قادة حزب الخضر إنهم تعلموا دروسًا من حركة السترات الصفراء، وتعهدوا بتبني سياسات متوازنة لضمان ألا تثقل جهود مكافحة التغير المناخي كاهل الفقراء بثقل غير متناسب.

ما مستقبل السياسة الخضراء؟

الأحزاب الخضراء التي ينتظرها مستقبل أكثر إشراقًا في السنوات القادمة هي أحزاب الخضر الأوروبية المختلفة. كانت ألمانيا، على وجه الخصوص، في قلب الموجة الأوسع التي تشكل أوروبا: تراجع شعبية أحزاب الوسط، وصعود الأحزاب الشعبوية أو المناهضة للهجرة أو الأحزاب الهامشية، والجدل حول سياسة الطاقة، مع تعهد برلين بإغلاق جميع المفاعلات النووية بحلول عام 2022. ويتوقع بعض المراقبين أن يكون حزب الخضر الألماني جزءًا من الحكومة المقبلة، وأن زعيمته، أنالينا بربوك، قد تكون المستشار القادم للبلاد.

يلفت الخبراء إلى مفارقة مفادها أنه في خضم هذه الفترة المضطربة في السياسة الألمانية، يمثل الخضر الاستقرار والاستمرارية بدلًا من الراديكالية المناهضة للمؤسسية في فترة الثمانينيات. يقول عالم السياسة الألماني، أوي جون: الحزب ينتقل من الطفولة إلى البلوغ. إنها عملية أكثر براجماتية بكثير، بينما يتضاءل دور الأفكار الراديكالية.

في الوقت نفسه، أصبحت الأحزاب الخضراء في بقية أنحاء أوروبا متماهية إلى حد كبير مع المشهد السياسي السائد، نظرًا إلى تكيفها مع سياسات الائتلافات، وتبني مواقف مرنة في كثير من القضايا، كما هو الحال في النمسا. ومع وجود أغلبية كبيرة ومتنامية من الناس في أوروبا وأماكن أخرى تنظر إلى تغير المناخ بوصفه تهديدًا رئيسيًّا لأمتهم، يمكن للخضر في جميع أنحاء العالم أن يكونوا في وضع يسمح لهم بزيادة نفوذهم.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي