لماذا يحتج الشعب في كوبا الآن؟ وما علاقة بايدن بالأمر؟

The Driving Forces Behind the Cuba Protests
2021-07-15

أعدَّت فيرا بيرجينجرون، مراسلة سياسية في مكتب مجلة «تايم» بواشنطن العاصمة، تقريرًا نشرته المجلة الأمريكية عن المظاهرات التي اندلعت في كوبا مؤخرًا بسبب نقص الغذاء وفشل الحكومة في التعامل مع جائحة كورونا. وتشير الكاتبة إلى عدم اكتراث إدارة بايدن بتغيير التوجه في السياسية الكوبية عما كانت عليه في عهد ترامب، على الرغم من أن بايدن ذكر أثناء حملته الانتخابية أنه سيُغيِّر هذه السياسة.

وتستهل الكاتبة تقريرها بمشهد من الأسباب التي أثارت الاحتجاجات، فتقول: في مقطع فيديو نُشِر على موقع «يوتيوب» في فبراير (شباط)، حرَّكت مراهقة تُدعى أليتا الكاميرا في لقطة بانورامية داخل متجر بقالة في العاصمة الكوبية هافانا لتُظهِر ممرًا بعد ممر مكتظًا بزجاجات زيت الطهي الصفراء المتشابهة والمكدسة بعناية، وليس أي شيء آخر.

وتقول أليتا من خلف كمامتها: «زيت، زيت، زيت، زيت»، وهي تضحك من هذه العبثية. وتضيف أليتا: «نظرًا لأنه لم يكن لديهم أي شيء آخر، قالوا: دعونا نُخرِج كل الزيت الذي لدينا.. لكنني بحاجة إلى شيء لأقلِيه في الزيت. لا أعرف ماذا سنفعل. أعتقد أننا سنقلِي الهواء». وكانت أقسام الأغذية المبردة الكبيرة في السوبر ماركت خاليةً تمامًا. وقالت والدتها بغضب: «الزيت والماء والخمر والملح». وفي النهاية، غادرتا ومعهما أربع زجاجات من زيت الطهي وخِرقَة تنظيف.

ومع ذلك، أشارت أليتا إلى بعض الإيجابيات، فتقول إنه لمرة واحدة؛ لم يكن عليهما أن تنتظرا في الطابور، لا يزال المتجر يقبل التعامل بالبيزو الكوبي القابل للتحويل، والمعروف باسم «سي يو سي» (CUC). وأضافت: «في غضون أشهر قليلة، لن يكون ذلك ممكنًا»، في إشارة إلى خطة الحكومة الكوبية للتخلص التدريجي من نظام العملة المزدوج، وتقليل قيمة البيزو لأول مرة منذ ثورة 1959.

نقص الغذاء ولقاحات كوفيد-19

ألمح التقرير إلى أن التأثير الحاد لجائحة كورونا على الاقتصاد الكوبي، الذي يصارع بالفعل في ظل تشديد العقوبات في عهد ترامب، أدَّى إلى أن الجزيرة باتت على شفا هوَّة أسوأ نقص غذائي تشهده منذ 25 عامًا. وساعدت رفوف السوبر ماركت الفارغة، والجائحة المدمرة، وإمكانية الوصول مؤخرًا إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي سمحت للكوبيين بمشاركة غضبهم علانية، في اندلاع احتجاجات نادرة يوم الأحد ضد النظام الشيوعي.

وخرج الآلاف في مسيرة في هافانا ومدن أخرى للاحتجاج على النقص في الغذاء وفي لقاحات كوفيد-19، وطالب كثيرون بإنهاء الديكتاتورية البالغة من العمر 62 عامًا، ورددوا هتاف «الحرية» و«كفى». وأظهرت منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي قيام بعض المتظاهرين بقلب سيارات الشرطة ونهب المتاجر الكبرى. وقامت قوات الأمن الكوبية بقمع واعتقال أكثر من 80 شخصًا، من بينهم بعض النشطاء ومشاهير المعارضة.

وتشير الكاتبة إلى أنه في خطاب متلفز إلى الأمة الكوبية يوم الإثنين، ألقى الرئيس الكوبي ميجيل دياز كانيل، الذي تولى الرئاسة خلفًا لمعلمه راؤول كاسترو في عام 2018، باللوم في المظاهرات على «سياسة الخنق الاقتصادي» الأمريكية واتهم «المافيا الكوبية-الأمريكية» بإثارة الاضطرابات الاجتماعية في البلاد. وفي قلب الجالية الكوبية الأمريكية في مدينة ميامي الأمريكية، تظاهر يوم الأحد أكثر من 5 آلاف شخص تضامنًا مع المتظاهرين؛ إذ دعا رئيس البلدية فرانسيس سواريز إلى تدخل تقوده الولايات المتحدة.

يقول بول هير، السفير البريطاني السابق في كوبا، إن رد فعل الرئيس الكوبي دياز كانيل على الاحتجاجات «جاء مقتبسًا بالكامل من مبادئ فيدل وراؤول (فيدل أليخاندرو كاسترو وأخوه راؤول، رئيسان سابقان لكوبا، حكم الأول بثورة عسكرية من عام 1959 حتى عام 2008، وخلفه أخوه راؤول في الحكم من 2008–2018)، إذ اتهم هؤلاء الناس بأنهم مرتزقة، والقول إننا بحاجة إلى إخراج المتظاهرين المعارضين إلى الشوارع. لكن هذا لم يكن ليحدث قبل بضع سنوات. وهذا الاحتجاج المنسق على مستوى الجزيرة.. هو أول تحدٍ يواجهه على وسائل التواصل الاجتماعي في عصر الإنترنت الحقيقي».

بايدن يقدم دعمه للمتظاهرين ولكن لا تغيير في السياسة

ونوَّه التقرير إلى أن الرئيس جو بايدن أبدى دعمه للمتظاهرين يوم الإثنين، لكنه لم يذكر العقوبات الأمريكية على الأمة الكوبية والتي تعهد بمراجعتها خلال حملته الانتخابية. وقال بايدن في بيان: «نقف مع الشعب الكوبي ودعوته الواضحة من أجل الحرية وتخفيف القبضة المأساوية للجائحة وعقودٍ من القمع والمعاناة الاقتصادية التي تعرضوا لها على يد النظام الاستبدادي في كوبا». ورفض البيت الأبيض الإفصاح عن تفاصيل أي تغييرات محتملة في السياسة تجاه كوبا.

وفي حين بدا أن نظام الرعاية الصحية الاجتماعي في كوبا يتعامل مع الجائحة تعاملًا أفضل من عديد من جيرانها الأكثر ثراءً؛ إذ أرسل أطباءَه المدربين تدريبًا عاليًا إلى بلدان أخرى، كانت التداعيات الاقتصادية لهذه الجائحة شديدة وقاسية؛ إذ تقلص الاقتصاد المتدهور الذي تديره الدولة الجزيرة، والذي تضرر بالفعل من الحظر التجاري المشدد الذي فرضه الرئيس السابق دونالد ترامب، بنسبة 11% العام الماضي.

ومع نضوب روافد السياحة، ومعها العملة الصعبة التي أصبح كثيرون يعتمدون عليها، عانت البلاد من أسوأ نقص في الغذاء والدواء منذ سقوط الاتحاد السوفيتي. وفي ظل نقص العملات الأجنبية التي تُحِد من الوصول إلى الوقود والأسمدة، وصل محصول السكر هذا العام، وهو من الصادرات المهمة، بالكاد إلى ثلثي الإنتاج المخطط له، وهو أقل محصول منذ أكثر من قرن. وتسبب انقطاع التيار الكهربائي عن نطاق واسع في معاناة عديد من الكوبيين من انقطاع حاد للكهرباء. وفي الوقت نفسه، ارتفعت حالات الإصابة بكوفيد-19 ودخول المستشفى.

طلب المساعدة ليس جريمة

وكتبت المدوِّنة الكوبية المعارضة يواني سانشيز: «كانت المسألة مسألة وقت فحسب. وتراكمت سُحُب الإحباط واليأس، حتى انفجرت الشوارع هذا الأحد»، وذلك في سياق وصفها لكيفية انطلاق «الشرارة من مدينة سان أنطونيو دي لوس بانيوس»؛ حيث بدأت الاحتجاجات، وقد «اشتعلت في الهشيم الجاف الذي تراكم بفعل الغضب الاجتماعي». وعلى إنستجرام، شارك الكوبيون في جميع أنحاء العالم صورةً مكتوبًا عليها بأحرف كبيرة بيضاء وحمراء «طلب المساعدة ليس جريمة، ولكن إنكار ذلك هو الجريمة».

لقد سلط التصعيد السريع للأحداث الضوءَ على المراجعة المطوَّلة لإدارة بايدن لسياسة الولايات المتحدة تجاه كوبا، والإحجام الواضح عن تغيير إجراءات ترامب. وكان بايدن يشغل منصب نائب الرئيس عندما وافق الرئيس باراك أوباما والرئيس راؤول كاسترو على إعادة العلاقات الدبلوماسية في عام 2014، مما أدَّى إلى أول مناقشة وجهًا لوجه بين قادة البلدين منذ نصف قرن.

كما أدَّى الوفاق التاريخي إلى تخفيف أو رفع عديد من القيود المفروضة على العمل مع كوبا والسفر إليها. وعندما أُعيد فتح الرحلات الجوية المباشرة إلى كوبا في عام 2016، غطَّى السياح الأمريكيون الجزيرة. ورحَّب معظم الكوبيين بالتدفق الرائع للدولار الأمريكي، والذي أفاد السائقين وأصحاب المطاعم والعائلات العادية التي كانت قادرة على تأجير الغرف للسياح. وتوسَّع استخدام الإنترنت بسرعة مع ارتفاع الدخل، وفي عام 2018 تمكن الكوبيون من الوصول الكامل إلى الإنترنت على هواتفهم المحمولة لأول مرة.

تدهور العلاقة في عهد ترامب

واستدركت كاتبة التقرير قائلةً: لكن العلاقة سرعان ما تدهورت في عهد ترامب. واستشهد ترامب بوعد حملته الانتخابية بإلغاء إجراءات أوباما، التي قال إنها عززت النظام الشيوعي الكوبي وأثْرَته، وفرضت إدارته 240 عقوبة وإجراءً اقتصاديًّا، بما في ذلك حظر توقف السفن السياحية الأمريكية في كوبا، ومحاكمة الشركات الأجنبية التي تتعامل مع البلد، وقائمة سوداء بعديد من الشركات الكوبية. وتضمنت القائمة الأخيرة شركة فانسيمكس (Fincimex)، المؤسسة المالية التي يستخدمها الأمريكيون لإرسال تحويلات حيوية إلى عائلاتهم على الجزيرة.

وفي عام 2017، وبعد الهجمات الصوتية المزعومة التي خلَّفت أكثر من عشرين أمريكيًّا متمركزين في هافانا مصابين إصابات دماغية غامضة، قللت إدارة ترامب أيضًا من أعداد الموظفين الدبلوماسيين الأمريكيين على نحو كبير. (أنكرت كوبا مسؤوليتها عن الإصابات، التي لم يتم تحديد أسبابها بعد). وتبع ذلك صدور تحذير بالسفر من وزارة الخارجية يطلب من الأمريكيين تجنب السفر إلى كوبا. ووفقًا لمسؤولين كوبيين، كلفت جميع إجراءات ترامب الجزيرة أكثر من 20 مليار دولار. تقول جوهانا تابالادا، المسؤولة البارزة في وزارة الخارجية ، في يناير (كانون الثاني) 2021: «كان الضرر الذي لحق بالعلاقات الثنائية خلال هذا الوقت ضررًا بالغًا، وكان الضرر الاقتصادي لكوبا هائلًا».

وخلال حملته الرئاسية، تعهد بايدن بأنه إذا انتُخِب رئيسًا للبلاد، فإنه سيعيد سياسات عهد أوباما المتمثلة في التعامل مع النظام الكوبي. وفي مقابلة أجريت في أبريل (نيسان) 2020، قال بايدن لمحطة تلفزيونية في ميامي «سأعيد النظر فيها إلى حد كبير». وقبل شهرين من الانتخابات، قال في مقابلة أخرى في ميامي إنه «سيغير سياسات ترامب الفاشلة التي ألحقت الأذى بالكوبيين وعائلاتهم».

كوبا ليست من أولويات بايدن

يضيف التقرير: لكن بعد ستة أشهر من وصوله إلى البيت الأبيض، لم تكن هناك مؤشرات تُذكر على أن مثل هذا التحول قيد التنفيذ؛ إذ ركزت إدارته على الجائحة وأولويات السياسة الخارجية الأخرى. وقالت الإدارة ذلك بنفسها؛ إذ قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين ساكي للصحافيين في 9 مارس (آذار): «إن تحولًا في السياسة تجاه كوبا ليس من بين أولويات الرئيس بايدن حاليًا». وقال خوان جونزاليس، كبير مديري نصف الكرة الغربي في مجلس الأمن القومي، لشبكة «سي إن إن» الناطقة بالإسبانية في أبريل (نيسان): «جو بايدن ليس باراك أوباما في السياسة تجاه كوبا». وفي الشهر التالي، أدرجت وزارة الخارجية كوبا ضمن قائمة الدول التي «لا تتعاون على نحو كامل مع جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب»، لتجدد القرار الذي اتخذته إدارة ترامب في عام 2020.

يقول البيت الأبيض إنه «يراجع بعناية» سياسات إدارة ترامب، بما في ذلك تصنيف كوبا دولةً راعيةً للإرهاب، والذي أعلن عنه قبل تسعة أيام من تركه منصبه. لقد خيبت الوتيرة البطيئة آمال بعض مسؤولي أوباما السابقين. يقول بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي لأوباما الذي قاد المفاوضات مع الحكومة الكوبية، على «تويتر» في 26 أبريل: «حتى الآن، لا يمكن تمييز بايدن تمامًا عن ترامب فيما يتعلق بسياسة كوبا والرسائل الخاصة بها».

واختتمت المراسلة تقريرها بالقول إنه في الوقت الحالي، لم يعطِ البيت الأبيض أي إشارة على أن بايدن يفكر في التغيير. وقالت ساكي للصحافيين يوم الإثنين: «كانت احتجاجات الأمس تعبيرًا عفويًّا من جانب أناس مرهقين من سوء الإدارة الاقتصادية وقمع الحكومة الكوبية»، رافضةً اتهامات الرئيس الكوبي بأن الكوبيين الأمريكيين والعقوبات الأمريكية جزء من المشكلة. وأضافت: «وهذه احتجاجات مستوحاة من الواقع القاسي للحياة اليومية في كوبا، ولم يتسبب فيها أناس آخرون في بلد آخر».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي