العلم يكشف كيف أصبح القرنبيط بهذا التماثل البديع

شادي عبد الحافظ: من أكثر الظواهر الملفتة في هذا العالم؛ التماثل المذهل في عوالم النبات، فكيف مثلا يمكن للوردة أن تتخذ هذا الشكل المنتظم للغاية؟ وكيف تنتظم الحبات في قرص عبّاد الشمس؟ وكيف تدور أجزاء الصبارة فتصنع لوحة طبيعية لا مثيل لها؟

حاول فريق بحثي متعدد الجنسيات أن يجيب عن هذه الأسئلة بورقة بحثية نشرت في التاسع من يوليو/تموز الجاري بدورية "ساينس" (Science) المرموقة، وقد اتخذ باحثو الفريق نوعا محددا من القرنبيط كنموذج للدراسة؛ وهو البروكلي أو القرنبيط الرومانسكي.

إن سبب هذا الاختيار واضح، وذلك لأنه إذا رأت عيناك شكل القرنبيط الرومانسكي فالتماثل فيه مذهل، حيث يبدو كأن أحدهم قد ركب مجموعة من الأهرامات المتباينة في الحجم إلى جوار بعضها البعض. وكانت مهمة هذا الفريق البحثي فهم سبب هذه الدقة الشديدة في القرنبيط الرومانسكي بشكل خاص.

الكسيريات المذهلة

لكن لفهم مدى عمق هذه الظاهرة، يمكن أن نبدأ بالتعرف إلى "الهندسة الكسيرية" (Fractals)، وهي فرع من الرياضيات يمكننا من فهم حالات كثيرة من الانتظام الذاتي في الطبيعة، كتفرع الشجر والأوعية الدموية في جسم الإنسان وانتظام بلورات الثلج.

الكسيريات هي حالات من التكرار أو "التجمع الذاتي" (Self-assembly)، حيث تتمكن نماذج معينة من تكرار ذاتها بشكل لا نهائي فتصنع شكلا مميزا.

دعنا نضرب مثالا شهيرا هنا؛ وهو "منحنى كوخ" (Koch curve)، ويبدأ بتكرار حالة يوضع خلالها ضلعي مثلث في كل قطعة مستقيمة، ليظهر الشكل كما تراه بالصورة.

القرنبيط شاهد على التعقّد

إن ما يحدث لـ "منحنى كوخ" هو بالضبط ما يحدث في حالة القرنبيط الرومانسكي. وكان الباحثون في دراستهم قد اهتموا بمستويين من الفحص؛ الأول رياضياتي يتضمن بناء نموذج لمحاكاة الكيفية التي تؤثر الهندسة الكسيرية بها على نبات القرنبيط المعني بالدراسة.

أما المستوى الآخر فكان بيولوجيا، حيث قام الباحثون بدراسة علم الوراثة الخاص بنبات آخر وهو "رشاد أذن الفأر" (Arabidopsis thaliana)، وهو أحد أكثر النباتات المدروسة في نطاق البيولوجيا الجزيئية، وقد اهتم الباحثون بشكل خاص بطفرة تحدث لهذا النبات وتجعله شبيها بالقرنبيط الرومانسكي.

وبحسب الدراسة، اكتشف الباحثون 4 جينات مسؤولة عن هذا التحول، واحد منها بشكل خاص كان فقدانه سببا في تغير "رشاد أذن الفأر" لشكل يشبه القرنبيط الرومانسكي.

وبعد فحص أكثر دقة اكتشف الفريق أنه في أثناء نمو النبات، يتسبب نقص هذا الجين في تحول بعض أجزاء أوراقه إلى سيقان تشبه القطع المستقيمة الصغيرة، والتي تتكرر تبعا للهندسة الكسيرية لصناعة هذا الشكل البديع.

ويأمل الباحثون أن تساعد نتائج دراستهم، في تحقيق إضافة دقيقة من عالم البيولوجيا الجزيئية، لتحقيق فهم أفضل لأسباب تعقد الطبيعة وتماثلها البديع.