
في 16 يونيو/حزيران 2021، بعث ملك المغرب "محمد السادس" برسالة تهنئة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، "نفتالي بينيت". وقد لا يكون هذا مفاجئا؛ حيث قام المغرب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2020.
ومع ذلك، في نفس اليوم، رحب رئيس الوزراء المغربي "سعدالدين العثماني" بحرارة بـ "إسماعيل هنية"، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، الذي زار المغرب مع وفد رفيع المستوى. وقد يبدو هذان الحدثان متناقضين، لكنهما في الواقع يعكسان معضلة المغرب في تحقيق توازن جديد في العلاقة مع إسرائيل والتزام الرباط تجاه القضية الفلسطينية.
وهكذا يُطرح السؤال الحاسم؛ هل سيساعد تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل على إحلال سلام دائم في الشرق الأوسط، أم أنه سيكون صفقة مؤقتة أخرى؟.
موجة التطبيع
وفي 13 أغسطس/آب 2020، أعلن الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" أن الإمارات وإسرائيل اتفقتا على تطبيع العلاقات بينهما. وبعد بضعة أسابيع، انضمت البحرين ووافقت على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل.
وفي 15 سبتمبر/أيلول، وقعت الدول الـ 3، إسرائيل والإمارات والبحرين، اتفاقيات سلام بوساطة الولايات المتحدة. وفي ذلك الوقت، بدا وكأن موجة تطبيع غير مسبوقة بين إسرائيل والدول العربية على وشك الحدوث. وبعد بضعة أشهر، انضم المغرب والسودان إلى القائمة.
وبينما تدعي هذه الدول العربية أن تطبيعها مع إسرائيل سيعزز السلام في الشرق الأوسط، فلكل منها أسبابها ودوافعها الخاصة. على سبيل المثال، تسعى الإمارات والبحرين إلى تعزيز شراكتهما مع إسرائيل لأسباب جيوستراتيجية وأمنية واقتصادية. ويعتقد كلا البلدين أن تحالفهما مع إسرائيل يمكن أن يساعدهما في مواجهة نفوذ إيران الإقليمي، الذي يعتقدان أنه يؤثر على أمنهما ويهدده.
كما تريد كل منهما الاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية، لا سيما في مجالات الأمن السيبراني والاستخبارات؛ من أجل موازنة خصومها الإقليميين وقمع المعارضة المحلية. والأهم من ذلك، أن التطبيع مع إسرائيل يساعد هذه الدول على تقوية علاقتها مع الولايات المتحدة.
وفيما يتعلق بالمغرب، فإن التطبيع مع إسرائيل يعود إلى عقود. وتمت إقامة علاقات رسمية بين البلدين بعد توقيع ااقية أوسلو بين إسرائيل والفلسطينيين عام 1993. ولكن العلاقات توقفت بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سبتمبر/أيلول 2000.
ولم تكن مفاجأة تماما عندما قرر المغرب استئناف علاقاته الثنائية مع إسرائيل. وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، بعد أن أعلن "ترامب" موافقة المغرب على تطبيع علاقاته مع إسرائيل واستئناف الاتصالات الرسمية والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، أعلن المغرب أن الملك "محمد" وعد "بتسهيل الرحلات الجوية المباشرة لنقل اليهود من أصول مغربية والسياح الإسرائيليين من وإلى المغرب، مع إعادة فتح مكاتب الاتصال، التي كانت قد أغلقت في عام 2002".
ويشار هنا إلى أن مليون يهودي في إسرائيل من أصول مغربية، وأن نحو 50 ألف إسرائيلي يزورون المغرب كل عام.
علاوة على ذلك، أخطرت إدارة "ترامب" الكونجرس بنيتها بيع المغرب ما قيمته مليار دولار من الطائرات بدون طيار والأسلحة الموجهة بدقة. كما تعهدت الولايات المتحدة بفتح قنصلية في مدينة الداخلة بالصحراء الغربية من أجل تعزيز الفرص الاقتصادية والاستثمارية هناك، بحسب نص المذكرة، اعترافا بمطالبة المغرب بالصحراء الغربية المتنازع عليها.
وفي 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، بدأت إسرائيل والمغرب، تحت رعاية الولايات المتحدة، في تطوير الإطار العام لاتفاقاتهما. وتم التوقيع على 4 اتفاقيات، الأولى تتعلق بالإعفاء من إجراءات التأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخدمية، والثانية عبارة عن مذكرة تفاهم في مجال الطيران المدني، والثالثة مذكرة تفاهم حول "الابتكار وتنمية الموارد المائية"، والرابعة تقضي بإحياء العلاقات الاقتصادية بين البلدين من خلال التجارة والاستثمار، بالإضافة إلى التفاوض على الاتفاقيات الأخرى التي تؤطر هذه العلاقات.
دوافع المغرب للتطبيع مع إسرائيل
ويمكن وصف التطبيع بين المغرب وإسرائيل بأنه مقايضة من شأنها أن توسع قبول إسرائيل بين جيرانها العرب مقابل فوائد اقتصادية وجيوستراتيجية وسياسية للرباط. ويعتقد المسؤولون المغاربة أن التطبيع مع إسرائيل يعزز نفوذ بلادهم الإقليمي والعالمي.
أولا؛ يعتبر تطبيع المغرب مع إسرائيل عنصرا أساسيا في الاتفاق الذي وقعته الرباط وواشنطن في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، الذي اعترفت فيه الأخيرة بسيادة الأولى على الصحراء الغربية المتنازع عليها. ومن المؤكد أن الصراع حول الصحراء الغربية كان من أولويات السياسة الخارجية المغربية على مدى عقود.
في الوقت نفسه، وقع البلدان مذكرتي تفاهم تعهدت بموجبهما الولايات المتحدة باستثمار 3 مليارات دولار في المغرب ومنطقة الصحراء. ومن خلال الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، سلم "ترامب" للرباط هدية كانت تتطلع إليها منذ عقود
والحافز الثاني هو أن العلاقة الثلاثية بين الرباط وواشنطن وتل أبيب يمكن أن تعزز موقع المغرب الإقليمي في شمال أفريقيا، لا سيما فيما يتعلق بالتنافس السياسي والاستراتيجي مع الجزائر. وقبل مغادرة منصبه في يناير/كانون الثاني، اقترحت إدارة "ترامب" بيع ما يصل إلى مليار دولار من الأسلحة إلى المغرب، بما في ذلك 4 طائرات بدون طيار من طراز "إم كيو9 ريبر" قادرة على حمل الأسلحة إلى جانب الذخائر الموجهة بالليزر.
كما تعهدت بفتح قنصلية في الداخلة، وهي دعوة واضحة للدول الأخرى لتأسيس قنصليات لها في المنطقة؛ ما يساعد المغرب في تأكيد سيادته.
ثالثا؛ يعتقد المسؤولون في الرباط أن اعتراف أمريكا بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية من شأنه أن يضع مزيدا من الضغط على الدول الأخرى، خاصة تلك الموجودة في أوروبا، لتحذو حذوها. لذلك، ليس من المستغرب أن وزير الخارجية المغربي "ناصر بوريطة" قال إن على الاتحاد الأوروبي الخروج من "منطقة الراحة" الخاصة به ودعم عرض الرباط للحكم الذاتي للصحراء الغربية في إطار الدولة المغربية.
رابعا؛ يهدف المغرب إلى تعزيز تعاونه الاقتصادي مع إسرائيل، الذي أخذ ينمو خلال الأعوام القليلة الماضية. ووفقا لبعض التقارير الإسرائيلية، يعد المغرب من بين الدول الأفريقية الـ 4 الأولى التي تستورد إسرائيل البضائع منها، وهو تاسع الصادرات بقيمة 149 مليون دولار من التجارة بين عامي 2014 و2017، في حين لا يمتلك المغرب الكثير من موارد الطاقة ويرغب في توسيع استخدامه للطاقة المتجددة، حيث يستورد نحو 90% من احتياجاته من الطاقة منذ عام 2013.
وتصدر إسرائيل الغاز الطبيعي بالإضافة إلى الخبرة الفنية في مجال الطاقة الشمسية. ومن خلال قطاع الزراعة والغابات وصيد الأسماك، الذي يساهم بنسبة 15% من الناتج المحلي الإجمالي ويوظف نحو 45% من القوة العاملة، يمكن للمغرب أن يكون سوقا ضخما للتكنولوجيا الزراعية الإسرائيلية.
وأخيرا، ينمو التعاون العسكري بين المغرب وإسرائيل على مدى العقود القليلة الماضية، ومن المتوقع أن يستمر في الزيادة بعد التطبيع. ووفقا لبعض التقارير، استحوذ سلاح الجو المغربي على 3 طائرات بدون طيار من طراز "هيرون" مقابل 50 مليون دولار عام 2013، وهي طائرات يتم تصنيعها من قبل شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية. وتم تسليمها إلى المغرب عبر فرنسا واستُخدمت في الصحراء الغربية.