"لا نهائي".. فيلم خيال علمي يمزج الأسطورة بالتكنولوجيات الحديثة

2021-07-06

الفيلم يرسّخ فكرة وجود فئة من البشر ما تزال تكافح من أجل خير الإنسانية، يقابلها الأشرار الساعون لدمار الكونطاهر علوان*


لا شكّ أن مواصفات فيلم الخيال العلمي الجيّد والناجح من الممكن أن تجتمع عندما يتمّ مزج عناصر متعدّدة في إطار الشكل والمحتوى الفيلمي وطرق السرد المتجدّدة والمبتكرة، فضلا عن ترسيخ جماليات الشكل السينمائي واستخدام الأدوات التعبيرية بشكل متقن. وهو ما تمكّن من تحقيقه المخرج أنطوني فوكوا في فيلمه الجديد "لا نهائي".

يحشد المخرج الأميركي من أصول أفريقية أنطوني فوكوا في فيلمه الجديد “لا نهائي” كل مقوّمات فيلم الحركة والخيال العلمي المتاحة، بما في ذلك الغرافيكس والخدع السينمائية والمونتاج والتصوير والمؤثرات الصورية الخاصة لتقديم فيلم يجمع ما بين المغامرة وقطع الأنفاس والخيال العلمي في آن معا.

وهي ميزة عوّدنا بها فوكوا الذي سبق وعرفناه في حوالي 15 فيلما من بينها رائعة الممثل دينزل واشنطن التي حملت عنوان “المعادل” وأيضا فيلم “يوم التدريب” مع الممثل ذاته، وأفلام أخرى.

ومنذ المشاهد الأولى لمطاردة بالسيارات سوف تشدّ المشاهد وتنتهي باستيقاظ مارتن (الممثل مايكل والبيرغ) من كابوس سوف ينقلنا معه في ما بعد لفهم شخصيته الفصامية، وحيث ما يزال يتلقى جرعات من الدواء لعلاج حالة الانفصام بالشخصية.

لكن الفيلم منذ البداية ينوّه إلى وجود فئة من البشر ما تزال تكافح من أجل خير البشرية وهم اللامنتهون ويقابلهم بالطبع الأشرار الذين يقفون على الضد من ذلك، ولسوف نكون في مواجهة العدوين اللدودين اللذين يمثلاّن كل من قوتي الخير والشر من خلال مارتن من جهة، في موازاة باثروست (الممثل البريطاني المعروف تشويتل إيتوفور) من جهة أخرى، وحيث الوصول إلى البيضة الفضية التي تتوقّف عليها مقدرات البشرية، فهي الشغل الشاغل والدافع للصراع.

وفي موازاة ذلك هناك كثافة في الفكرة والموضوع القائم على انتقالات جسدية وروحية قائمة على فكرة التناسخ، وبذلك تتوفّر لمارتن القدرة على العيش في أزمنة وأماكن متعدّدة.
لن نستغرب أن يقوم مارتن بصناعة سيف على طريقة الساموراي اليابانية الشهيرة ويقدّمه هدية لمن يزوّده بالحبوب المهدّئة لعلاجه من انفصام الشخصية التي يعاني منها.

يتكامل أداء مارتن وخصمه في سجال متصل ما يلبث أن يتّسع عندما يكتشف مارتن من هم معه وإلى جانبه، ومنهم نورا (الممثلة سوفي كوكسون) وهما يخوضان صراعات طويلة ومتشعّبة من أجل أن يتفوّقا على أعداء البشرية.

وبسبب تلك المساحة الواسعة التي توزّعت عليها الأحداث، لهذا صار الانتقال عبر الزمن إلى بيئات وأماكن شتى متاحا للشخصيات الرئيسية من فرنسا إلى بريطانيا إلى إندونيسيا إلى غيرها من بلدان العالم، حيث تتنقّل الشخصيات ببراعة متحدّية جميع العوامل التي تحدّ من طاقتها.

في المقابل هناك ثيمة فلسفية عميقة ينطوي عليها هذا الفيلم لجهة الارتقاء بالذات البشرية والغوص في أعماقها، وكيف تترجم المفردات والكلمات الضخمة إلى أفعال ومفردات حياتية يومية.

هذه المقدّمات الفلسفية تحمل في طياتها أسئلة وجودية عن الشخصيات العابرة للمكان والزمان والتي هدفها أسمى من وجودها الأرضي المجرد إلى كونها فاعلا إنسانيا عميق الجذور.

لكنّ الأمر ما يلبث أن يتّسع مع القدرات السحرية التي يمتلكها باثروست، وبالطبع فإنها تُتيح قدرا محدودا من التفوّق ما يلبث أن يصطدم بقدرات مارتن الخارقة، والذي يتم إخضاعه لتجربة توصله إلى حافة الموت في مختبر متطوّر ليستعيد خلال مرحلة التجربة الذكريات الماضوية السابقة التي كان قد مرّ بها من قبل.

وأما إذا انتقلنا في إطار طابع المغامرة إلى الذروة التي سوف تتكافأ فيها كل من قوّتي الصراع بالتزامن مع محاولة باثروست الهرب بطائرة شحن باتجاه سكوتلاندا حاملا معه تلك البيضة الفضية الثمينة، وحيث تقع المواجهة غير المتوقّعة بينه وبين مارتن والتي تتوّج بصراع دموي خارج الطائرة وفي داخلها وفق كمّ مذهل من المشاهد الخيالية المتقنة الصنع، لتنتهي بتدمير البيضة والقضاء على آخر أمل للشر الذي يمكن أن يؤسّسه باثروست.

وخلال تلك الرحلة بين الأزمنة والشخصيات سوف يكون هدف مارتن هو اكتشاف كل ما يُحيط به، فهو يسعى إلى معرفة ما ينتابه من شرود كان يظنه في السابق بسبب الأعراض الثانوية التي تسبّبها حبوب علاج الانفصام في الشخصية، لكنه يكتشف أن الأمر يتعدّى ذلك، ويُدفع إلى خوض صراعات بالغة الخطورة وكلها تنتظم في إطار تلك الشخصية الإشكالية المتشظية.

وعلى الرغم من البعد الأسطوري- الخيالي للفيلم، إلاّ أنه يدمج أحداثه ومشاهده وطباع الشخصيات بما هو متطوّر من التقنيات التكنولوجية الحديثة، بما في ذلك عمليات الرصد والمراقبة واستخدام تلك التقنيات في معرفة الحقيقة الوجودية والفلسفية السائدة، وهي التي عرضتها رواية الكاتب إريك مايكرانز وبنيت عليها أحداث الفيلم، لتشكّل نقلة فريدة ما بين الرواية والفيلم محمّلة بجماليات الصورة السينمائية، فضلا عن عناصر الحركة المتقنة والمعارك والصراعات التي غصّ بها الفيلم إلى جانب توظيف جيّد للأسطورة بوصفها أرضية ملائمة لتعزيز تلك المعطيات الخيالية ومنحها زخما أكبر في إطار الدراما الفيلمية.

ربما يكون هذا الفيلم عبر إتقان عناصره الفنية تأكيدا إلى ما ذهبنا إليه لجهة المزج بين عناصر فيلم الخيال العلمي والحركة، وتوظيفهما في شكل أسطوري وفانتازي لم يخل من الصراعات وإظهار البطولات والقدرات الفردية.


*كاتب عراقي مقيم في لندن







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي