كيف تصدى الفلسطينيون لمحاولة استيطانية جديدة في شمال الضفة الغربية؟

How these Palestinians thwarted settlers in northern West Bank
2021-06-16

نشر موقع «المونيتور» الأمريكي تقريرًا أعدَّه أحمد ملحم، صحافي ومصور فلسطيني مقيم في رام الله، تناول فيه كيف استطاع سكان بلدة «بيتا» الفلسطينية التصدي لمحاولة إسرائيلية جديدة لإقامة بؤرة استيطانية على جبل صبيح الواقع بالقرب من البلدة، واستعرض عدد المحاولات التي تعرض لها الجبل خلال السنوات الماضية، لكنها باءت بالفشل بسبب صمود الفلسطينيين في القرى المحيطة بالمنطقة.

مواجهات يومية لمنع الاستيطان الإسرائيلي!

وفي بداية تقريره، يُشير الصحافي إلى مقتل صبي فلسطيني يُدعى محمد حمايل ويبلغ من العمر 15 عامًا، من بلدة «بيتا» الواقعة في جنوب شرق نابلس شمال الضفة الغربية، برصاص الجيش الإسرائيلي خلال الاشتباكات، التي اندلعت في البلدة يوم 11 يونيو (حزيران)، احتجاجًا على إقامة بؤرة استيطانية على أراضي «جبل صبيح» في بلدة «بيتا» الفلسطينية.

وأوضح التقرير أن بلدة «بيتا» تحوَّلت إلى نقطة مواجهة ساخنة بين السكان الفلسطينيين من جهة والجيش الإسرائيلي والمستوطنين من جهة أخرى، في ضوء محاولة المستوطنين إقامة بؤرة استيطانية أُطلِق عليها «أفيتار» أعلى «جبل صبيح». ومنذ بداية النشاط الاستيطاني على قمة «جبل صبيح» في 3 مايو (أيار)، انخرط سكان بلدة «بيتا» في مواجهات يومية والتي تتصاعد كل يوم جمعة على ما يبدو، مع مشاركة أهالي قريتي «يتما» و«قبلان» المجاورتين، لمواجهة استيلاء المستوطنين على أراضي الجبل.

وأسفرت المواجهات عن مقتل أربعة شباب فلسطينيين، وهم محمد حمايل، وعيسى برهم (طبيب من بلدة «بيتا» قُتل في 14 مايو)، وطارق صنوبر (شاب من قرية يتما قُتِل في 16 مايو)، وزكريا حمايل (مدرس من بلدة «بيتا» قُتِل في 28 مايو)، بالإضافة إلى إصابة مئات الفلسطينيين.

ما هي أهمية موقع «جبل صبيح» الإستراتيجية؟

لفت التقرير إلى أن آخر محاولة للمستوطنين للسيطرة على جبل صبيح جاءت بعد عملية إطلاق نار نفَّذها معتصم الشلبي في 2 مايو عند حاجز زعترة العسكري وأدَّت إلى مقتل مستوطن إسرائيلي.

واستشهد التقرير بما قاله موسى حمايل، نائب رئيس بلدية «بيتا»، لموقع «المونيتور»: إن «المستوطنين استهدفوا جبل صبيح عدة مرات، لكن محاولتهم الأخيرة كانت الأخطر لأنهم أنشأوا خلال أيام قليلة أكثر من 40 وحدة سكنية متنقلة على مساحة خمسة دونمات (فدان واحد) من إجمالي مساحة 840 دونم (207 أفدنة). كما أنهم مهَّدوا الطريق للوصول إلى قمة جبل صبيح، في خطوة أولى تسمح لهم لاحقًا بتوسيع الطريق والتحكم فيه».

وأشار نائب رئيس بلدية «بيتا» إلى أهمية موقع «جبل صبيح» بوصفه موقعًا إستراتيجيًّا حيويًّا، حيث يطل الجبل على الطريق الرئيس بين مدينتي نابلس ورام الله، ويقع بمحاذاة الطريق المؤدي إلى مدينة أريحا وغور الأردن. وبالإضافة إلى ذلك، يبعد «جبل صبيح» مسافة كيلومتر واحد فقط (0.6 ميل) عن حاجز زعترة، وهو أهم حاجز عسكري للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.

محاولات متكررة للاستيطان

وأوضح حمايل أنه من خلال استيلاء المستوطنين الإسرائيليين على جبل صبيح، سيربط الجيش الإسرائيلي حاجز زعترة وجبل صبيح بالمنطقة الشرقية للضفة الغربية (غور الأردن)؛ مما يُحوِّل الحاجز إلى بوابة كبيرة وحيدة للدخول إلى شمال الضفة الغربية، ويفصلها تمامًا عن منطقة وسط الضفة الغربية وجنوبها.

ويُنوِّه التقرير إلى أن جبل صبيح نظرًا لأهمية موقعه تعرض خلال السنوات الماضية لعدة محاولات للاستيلاء عليه وإقامة بؤرة استيطانية على قمته، لكن الفلسطينيين تصدوا في كل مرة لهذه المحاولات وأجبروا المستوطنين على المغادرة.

وكانت المحاولة الأولى للاستيلاء على جبل صبيح في عام 2013 ردًا على عملية طعن لمستوطِن إسرائيلي يُدعى «أفيتار» عند حاجز زعترة. وأقام المستوطنون بؤرة استيطانية تحمل الاسم نفسه «أفيتار». لكن الجيش الإسرائيلي اضطر إلى تفكيك البؤرة الاستيطانية، بعدما تصدى السكان لهذه المحاولة ونظموا مسيرات احتجاجية للتعبير عن اعتراضهم على الاستيطان.

أما المحاولة الثانية فكانت في عام 2018، عندما حاول المستوطنون من جديد إقامة بؤرة استيطانية ردًا على مقتل حاخام يهودي قرب مستوطنة أرئيل شمال مدينة سلفيت، ونصبوا بيوتًا متنقلة وزودوها بالكهرباء والمياه، لكن الأهالي تصدوا لهم، مما دفع الجيش الإسرائيلي إلى تفكيك البؤرة الاستيطانية من جديد.

وأفاد التقرير أن «جبل صبيح» تعرض لمحاولة استيطانية ثالثة في عام 2020، عندما حاول المستوطنون إقامة ثلاثة بؤر استيطانية على جبل صبيح وجبل العرمة وجبل النجمة في بلدة «بيتا» لكنهم فشلوا، وكانت آخر محاولة استيطانية في الشهر الماضي ويبدو أن السكان نجحوا هذه المرة في التصدي للمستوطنين.

وأصدر الجيش الإسرائيلي أمرًا عسكريًّا في 7 يونيو يمنع استمرار البناء في البؤرة الاستيطانية على «جبل صبيح»، وأعلنها منطقة عسكرية لا يُسمح فيها بوجود المدنيين، كما حظر دخول مواد البناء إلى المنطقة، وحدد مهلة ثمانية أيام لإخلاء الوحدات السكنية المتنقلة في المنطقة.

القرار حبر على ورق حتى يُنفَّذ!

وفي هذا الصدد، نوَّه حمايل، نائب رئيس بلدية «بيتا»، إلى أن «القرار يظل مجرد حبر على ورق طالما أنه لم يُنفَّذ على أرض الواقع. ونخشى أن يكون القرار مناورة من الجيش الإسرائيلي لكسب الوقت للالتفاف على الاحتجاجات الجماهيرية وتمريرها. وحتى الآن، نحن لم نتلقَّ أي قرار رسمي».

وخلال حديثه عن دور البلدية في دعم أصحاب الأراضي في جبل صبيح في ظل التهديد الاستيطاني، قال حمايل إن مجلس البلدية يُمكنه إعفاء المواطنين من الرسوم المالية لتزويد مباني المنطقة بالكهرباء والمياه، لكن مجلس البلدية لا يمكنه القيام بأكثر من ذلك بسبب قدراته المالية المحدودة.

وأكدَّ حمايل على أن «هذا هو السبب وراء مطالبتنا جميع المؤسسات الرسمية والأهلية بمساندة السكان ودعم صمودهم وتشجيعهم على البقاء في المنطقة».

وفي السياق ذاته أخبر حذيفة بدير، أحد سكان بلدة «بيتا» ويملك خمسة دونمات في جبل صبيح، موقع «المونيتور» أن البؤرة الاستيطانية فشلت بسبب مقاومة الأهالي وصمودهم، إذ إنهم يرفضون بيع شبر واحد من الجبل للمستوطنين. وأشار بدير إلى أن المستوطنين استغلوا الاهتمام المحلي والدولي بما يجري في حي الشيخ جرَّاح والحرب على قطاع غزة، لنصب الخيام والوحدات السكنية المتنقلة على جبل صبيح في محاولة للاستيلاء عليه.

وأضاف بدير أن السكان يتخذون جميع الإجراءات اللازمة لإحباط أي محاولات استيطانية مستقبلية في جبل صبيح، وأهمها اتخاذ الإجراءات القانونية لإثبات ملكية الأرض والحفاظ على حالة التأهب الشعبي وتنظيم مزيد من الأنشطة على مستوى البلاد.

الالتفاف على الأمر العسكري

ولفت بدير إلى أنه بحسب المعلومات التي وصلت إلى السكان من مصادر فلسطينية، حاول المستوطنون الالتفاف على الأمر العسكري للجيش الإسرائيلي بإخلاء البؤرة الاستيطانية في جبل صبيح وتفكيكها مرتين، لكن الجيش رفض التراجع عن القرار، وأكد بدير أن السكان ينتظرون بفارغ الصبر تنفيذ الأمر العسكري.

كما شدَّد بدير على ضرورة تقديم المجتمع المحلي والمؤسسات الأهلية والرسمية يد العون لسكان بلدة «بيتا» ليتمكنوا من مواصلة التصدي لطموحات الكيان الصهيوني، سواء عبر تقديم الخدمات الأساسية مثل إمدادات الكهرباء والمياه، أو رصف الشوارع لتشجيع الناس على البقاء في المنطقة، أو من خلال إقامة المشروعات هناك، بالإضافة إلى استصلاح الأراضي غير المزروعة وشق الطرق.

واختتم الكاتب تقريره بالقول: وبغض النظر عن الأمر العسكري للجيش الإسرائيلي، لم يزل سكان بلدة «بيتا» و«جبل صبيح» تحديدًا في حالة تأهب قصوى في انتظار تنفيذ القرار. كما يُواصل الشبان في البلدة تنظيم أنشطة وفعاليات مختلفة، ومنها ما يُعرف بـ«الارتباك الليلي»، على غرار ما كان يحدث بالقرب من السياج الحدودي مع قطاع غزة في عام 2019.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي