هل يستطيع ماكرون تكرار نجاحات ميركل في أوروبا؟

Is Macron the New Merkel?
2021-06-15

نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية مقالًا للكاتب جوزيف دي ويك مُقتبَسًا من كتابه «إيمانويل ماكرون: الرئيس الثوري»، يستعرض فيه ما وصفه بوسطية ماكرون التي ربما تمكِّنه من تكرار نجاحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

يستهل الكاتب مقاله بالقول: هناك قانون بسيط في السياسة مفاده: إذا فزت بالانتخابات، فسوف تصل إلى السلطة، أما إذا أُعِيد انتخابك، فسوف يُقلِّدُك الآخرون، في الداخل والخارج.

اختبار النجاح أو الفشل

وأشار الكاتب إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وسياسته المعلنة ذاتيًّا «لا يسار ولا يمين» يواجه اختبارًا للنجاح أو الفشل في الانتخابات الفرنسية المقررة أوائل العام المقبل. وإذا فشل ماكرون، فسيصبح مثل شهاب لمَع في السماء ثم اختفى. (والأكثر من ذلك، أنه سيكون على الأرجح قد مهَّد الطريق لأول انتزاع للقوميين اليمينيين للسلطة في إحدى بلدان الاتحاد الأوروبي الأساسية).

أما في حال فوز ماكرون، فستكون فرنسا قد وجدت أخيرًا مزيجًا سياسيًّا ورئيسًا يمكنها التعايش معه لمدة أطول، وسيكون الاتحاد الأوروبي قد وجد النموذج الأفضل الذي يُظهر أن الرهان على أوروبا من الممكن أن يمنحك نجاحًا سياسيًّا.

وأوضح الكاتب أن احتمالات نجاح ماكرون ليست ضئيلة. والواقع أن ماكرون البالغ من العمر 43 عامًا يتمتع بأفضل الفرص للفوز بولاية ثانية مدتها خمس سنوات، لافتًا إلى أن نسبة تأييد ماكرون بلغت 50% قبل 11 شهرًا من الانتخابات، وهي نسبة رائعة بالنظر إلى طبيعة للفرنسيين الذين يصعب إرضاؤهم. وفي وقت مماثل، بلغت نسبة تأييد الرئيس الفرنسي الاشتراكي السابق فرانسوا هولاند 21%، بينما حصل الرئيس الفرنسي اليميني السابق نيكولا ساركوزي، الذي خسر إعادة انتخابه بفارق ضئيل في عام 2012، على نسبة تأييد 35%.

وفضلًا عن ذلك، وعلى الرغم من أن رئاسته حافلة بالصراعات الاجتماعية، مثل الاضطرابات الواسعة النطاق ضد إصلاحاته الاقتصادية المتسارعة على نحو متهور، وحركة السترات الصفراء في عام 2018، فإن ماكرون ليس مكروهًا بقدر مَنْ سبقوه، بحسب التقرير.

وقبل عام من الانتخابات، كان لدى 53% فقط من الفرنسيين «انطباع سيئ» عن ماكرون، وكان لدى 25% فقط من الفرنسيين انطباع «سيئ للغاية». وهذا يُوازَن بنسبة 68% في حق ساركوزي (35% من هذه النسبة كانت «سيئًا للغاية») و80% في حق هولاند (40% كانت «سيئًا للغاية») قبل عام من نهاية مدَّتهما في الحكم.

ومع ذلك، فإن المُنافِسة الرئيسة لماكرون، اليمينية المتطرفة مارين لوبان، تتسلق باطراد سلم السياسة الانتخابية الصعب نحو القمة. وتحاول لوبان إعادة وضع نفسها بوصفها سياسية «عقلانية» وتخلت عن سياساتها الأكثر إثارة للجدل، مثل خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي. وبدورها، ارتفعت نسبة تأييدها في الجولة الثانية من استطلاعات الرأي، التي تضعها في مواجهة مع ماكرون وجهًا لوجه، إلى 45%، على الرغم من أن استطلاعات الرأي تميل إلى المبالغة في تقدير دعمها.

السياسة الماكرونية

وتساءل الكاتب: إذا بدا أن الماكرونية تنجح، فما هي بالضبط؟ وماذا يمكن للآخرين أن يتعلموا منها؟

أوضح الكاتب أن الفكر السياسي لماكرون من الممكن تلخِيصه في ثلاثية من الأفكار؛ اقتصاد فرنسا يحتاج إلى التحرر حتى ينمو، والدولة تحتاج إلى استثمار المزيد في التعليم من أجل استعادة الحراك الاجتماعي، وكذلك تحتاج أوروبا للعمل معًا للدفاع عن مصالحها ضد بكين وواشنطن وترويض الرأسمالية العالمية.

وفي الداخل، يُعد ماكرون خبيرًا في سياسة الحرية الاقتصادية مع دفعه لتكافؤ الفرص. وفي الخارج، هو رجل دَولاني (يركز على دور الدولة). وهذا هو سبب إصراره على بناء «اتحاد أوروبي قوي» يمكنه «حماية» الأوروبيين وإعادة التأكيد على أولوية السياسة في عالم تسوده العولمة، وهي أفضل محاولة له في جعل الاقتصاد الأوسع نطاقًا متماشيًا مع أهدافه السياسية، من حماية البيانات إلى تغير المناخ ومن الضرائب إلى عدم المساواة.

وأضاف الكاتب أن رفض ماكرون تصنيف سياسته على أنها يسارية أو يمينية مَنحَه الحرية في السماح لسياساته الاقتصادية بالاسترشاد بالأحداث والحس السليم والانتهازية الواضحة. والواقع أن السنوات الأربع الماضية التي قضاها في منصبه توفر قدرًا كبيرًا من الإجراءات التي لا تكاد تندرج في أي فئة إيديولوجية على طول الفجوة «بين الدولة والسوق» التي شهدتها العقود الماضية، أو الحروب الثقافية التي شهدتها العصور الأخيرة.

واليسار يشجُبه بوصفه «رئيس الأغنياء». وبالفعل، استفاد الأثرياء على نحو غير متناسب من سياسة تخفيض الضرائب التي انتهجها ماكرون. ويفتخر ماكرون بكونه «مؤيدًا للأعمال»، وجرَّد العمال من بعض الحماية والمزايا السخية التي كانوا يتمتعون بها في فرنسا.

ومع ذلك، فقد رفع ماكرون صافي الحد الأدنى للأجور والحد الأدنى للمعاش التقاعدي بنسبة أكبر مما فعل أسلافه مجتمعين. وقد أصدر قانونًا يسمح لمحققي الضرائب بتعقب البيانات على شبكات التواصل الاجتماعي للعثور على المتهربين من الضرائب. وقد ضاعفَ مدة الإجازة الوالدية وقلَّل حجم الفصول الدراسية إلى النصف في المناطق المحرومة ووظَّف آلاف المدرسين الإضافيين.

وعلى الجانب الاجتماعي، يبدو أن ماكرون يميل إلى اليمين في بعض النواحي. ويتفق مع السياسة الأوروبية بشأن اللاجئين التي تقبل في نهاية المطاف المهاجرين الذين يغرقون في البحر المتوسط. وهو يريد كذلك تشديد قانون الجنسية الفرنسي ويطالب بتدريب الأئمة في فرنسا لمكافحة التطرف الإسلامي. وقد وصف الرئيس الفرنسي سياسة الهوية في الولايات المتحدة بأنها «خطر على الجمهورية».

وقال في يونيو (حزيران) 2020 عن الرفض العام للشخصيات التاريخية المتورطة في تجارة الرقيق: «اسمحوا لي أن أكون واضحًا وضوح الشمس: لن تزيل الجمهورية أي تماثيل». وفيما يتعلق بتغير المناخ، لم يفعل الرئيس الكثير لدعم تطوير مصادر الطاقة المتجددة، وراهن بدلًا من ذلك على الطاقة النووية.

ولكن هناك الكثير من الصفات التي لا ترصدها العين، فقد أظهر ماكرون صفات سياسية متلونة. وقد وصف الاستعمار بأنه «جريمة ضد الإنسانية»، واعترف بالامتياز الذي يتمتع به الشخص عندما يكون ذكرًا أبيضَ، وعزز دورات اللغة العربية في المدارس. كما أدخل ماكرون نظام الحصص للمحرومين في جامعات النخبة، وحثَّ على تركيب آلات بيع مجانية للمنتجات الصحية لمكافحة «فقر الطمث»، وذلك في مراكز الوجبات (يُقدَّم فيها الطعام للجوعى عادةً مجانًا أو أحيانًا بسعر أقل من السوق).

وقد أوقف بناء مطار جديد بالقرب من نانت، فرنسا، وهو ما يرضي مجموعات الخُضر الذين عارضوا بناء المطار بشدة. كذلك سيجبر أصحاب المنازل على عزل ممتلكاتهم لتحقيق الكفاءة في استخدام الطاقة بحلول عام 2025، من خلال التهديد بحظر تأجيرهم لعدم الامتثال.

السياسة الخارجية

وبيَّن الكاتب أن ماكرون نجح على صعيد السياسة الخارجية في منح الاتحاد الأوروبي حياة جديدة. ومن السياسة التجارية إلى الاقتصادية، أصبحت الكتلة الأوروبية «أكثر فرنسية». وقد تبنَّت بروكسل السياسة الصناعية واتخذت منحًى حمائيًّا، الأمر الذي أزعج بكين في هذه العملية. ولا يزال الاتحاد الأوروبي على بعد سنوات ضوئية من كونه لاعبًا سياديًّا على الساحة الجيوسياسية، ولكن حزمة الاتحاد الأوروبي للجيل القادم التي تبلغ 900 مليار دولار تبشر بدرجة من التكامل أعظم مما كان يُعتقد قبل عام واحد فقط.

وكان تحالف بقيادة باريس قد نجح في إقناع برلين وعواصم أخرى بتقسيم مشروع قانون الجائحة إلى أجزاء لمساعدة الأعضاء الفقراء. وفي أزمة الديون الأوروبية قبل عقد من الزمان، لم يبرح الألمان مكانهم وبدلًا من ذلك ناشدوا الصينيين للاستثمار في اليونان لتعزيز اقتصادِهم، مما منح بكين رأيًا فعالًا في سياسات الاتحاد الأوروبي.

ولكن حتى فيما يتصل بالسياسة الخارجية وأوروبا، فإن الماكرونية لا تخلو من الغموض؛ فقد بدأ الرئيس الفرنسي في حوار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمناقشة «الأمن الأوروبي» من دون التشاور مع شركائه الشرقيين في الاتحاد الأوروبي. وقد يكون ماكرون أكثر رئيس مناصر لأوروبا في فرنسا على الإطلاق، ولكنه رغم ذلك يستسلم للاندفاع الديجولي (نسبةً إلى شارل ديجول) المتمثل في الذهاب بمفرده في بعض الأحيان.

وفي هذه الأثناء، وَصفَ ماكرون الناتو بأنه «ميت دماغيًّا». ولكن عندما يتعلق الأمر بالصين، فإن باريس تشكل جزءًا من فريق «الغرب» أكثر من برلين. واستبعد ماكرون إلى حد كبير هواوي من بناء شبكة الجيل الخامس في البلاد. كما أرسل سفنًا حربية عبر مضيق تايوان، الذي احتفلت به وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي بوصفه «دليلًا صارخًا» على قدرة فرنسا على الانتشار بعيدًا مع الشركاء الإستراتيجيين في أستراليا واليابان والولايات المتحدة.

ولفت الكاتب إلى أن ماكرون، وبفضل المرونة الأيديولوجية والسياسية التي يتمتع بها، يشبه إلى حد بعيد السياسية الأكثر نجاحًا في عصرنا: أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية لأربع دورات في رئاسة الوزراء. لقد تحولت ميركل من أجندة اقتصادية ليبرالية إلى أجندة اقتصادية اجتماعية، ومن الدفاع عن الطاقة النووية إلى دعم مصادر الطاقة المتجددة، ومن الترحيب باللاجئين السوريين في عام 2015 إلى التفاوض على صفقة مع الرئيس التركي لإبقائهم بعيدًا عن شواطئ أوروبا.

وحتى بعد 16 عامًا في دائرة الضوء العامة، لا يعرف الألمان حقًّا ما تفكر فيه ميركل، لكنهم يثقون بها إلى حد كبير للقيام بهذه المهمة.

الغموض أو الصخب

وكتب أستاذ جامعة هارفارد الراحل، ستانلي هوفمان، ذات مرة أن سياسات الرئيس الفرنسي السابق شارل ديجول كانت «موقفًا لا مذهبًا وسلوكًا، وليس مجموعة متماسكة من المعتقدات، وأسلوبًا بلا جوهر». ويتمثل موقف ميركل في تجنُّب الصراع، بينما يتمثل موقف ماكرون في توضيح الصراع.

وكان موقف ميركل من السياسة بصفتها مستشارة لحكومة ائتلافية يتلخص في التفاوض بشأن «كل ما هو ممكن سياسيًّا»، فيما يسترشد ماكرون بفكر إملاء «كل ما يصلح للبلاد» (وربما لنفسه). ويتسم أسلوب ميركل بالحذر من خلال الموازنة والتحفظ العام، في حين يستعذب ماكرون المخاطرة والعمل وكثيرًا من الخطاب العام.

ويرى الكاتب في ختام مقاله أن ميركل وماكرون يمثلان نوعين مختلفين للغاية من السياسيين. ومع ذلك، عندما يكون السياسي قادرًا على الحركة، إما من خلال الصمت والغموض أو الصخب والانتقائية، يبدو أن هذا يساعده طالما كان موثوقًا. وإذا فاز ماكرون في عام 2022، فسيكون قد خلَّق شكلًا جديدًا من الوسطية الأيديولوجية التي تعمل في فرنسا؛ ليبرالي في الداخل، ودَولانيٌّ في الخارج، ذلك أن هذا التغيير في العدسات الأيديولوجية المختلفة اعتمادًا على مجال السياسة ومستوى العمل هو الذي يجعل ماكرون جذابًا على المستوى السياسي.

وعلى النقيض من وسطية ميركل، لدى وسطية ماكرون فكرة أساسية موجهة نحو المستقبل: أوروبا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي