
رد الطرف الخاسر في الحرب بين غزة وإسرائيل، على المظاهرات التي اندلعت في القدس ورام الله وجميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة خلال تلك الأيام الـ 11 باستخدام أقصى درجات القوة. وتمت إعادة "الهدوء" إلى الضفة الغربية المحتلة والأحياء الفلسطينية في أراضي الـ48 من خلال الاعتقالات الجماعية.
وفي آخر إحصاء، اعتقلت القوات الإسرائيلية أكثر من 2100 فلسطيني داخل إسرائيل و1800 في الضفة الغربية المحتلة والقدس، منذ أبريل/نيسان الماضي. إضافة إلى ذلك، أفادت منظمة "محامون من أجل العدالة" ومقرها رام الله بأن الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية اعتقل 20 فلسطينيا، معظمهم بتهمة "إثارة الفتنة الطائفية" و"التشهير" ضد السلطة الفلسطينية.
وبحسب المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، أنشأت الشرطة في مركز الناصرة "غرفة التعذيب"؛ حيث اقتيد المعتقلون إلى غرفة على الجانب الأيسر من ممر مدخل المحطة، وأجبروا على الجلوس على الأرض مع تقييد أيديهم وخفض رؤوسهم نحو الأرض. ثم بدأ رجال الأمن بضربهم على جميع أنحاء أجسادهم، بالركلات والهراوات، وضرب رؤوسهم بالجدران أو الأبواب. ومن تجرأ على رفع رأسه تعرض لمزيد من الضرب. حتى أصبحت أرضية الغرفة مغطاة بالدماء من الضرب".
وبحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين، فإن الاعتقالات الأخيرة في جميع أنحاء البلاد ترافقت مع اعتداءات وحشية، من إهانات وضرب وتخريب لمحتويات منازل المواطنين وممتلكاتهم.
لكن لم تنجح إسرائيل ولا السلطة الفلسطينية حتى الآن في استعادة النظام بالطريقة التي كانت موجودة تقليديا. لأنه لا يوجد "وضع طبيعي جديد" يعودون إليه؛ فهناك شيء ما قد تغير بشكل جذري.
انهيار أسطورة الدولتين
وحاليا، ينهار الوضع الذي خدم على مدى عقود المصالح التوسعية لإسرائيل ومصالح داعميها الغربيين، الذين رعوا أسطورة حل الدولتين.
ويتألف هذا الوضع مما يشبه القنبلة العنقودية، بما يشمل عمليات إخلاء للفلسطينيين واستيطان يهودي للأراضي الإسلامية، وحملات قصف قصيرة للمقاومة الفلسطينية المسلحة، ومحادثات تنتزع تنازلات تراكمية من القيادة الفلسطينية، ما يضع الأساس لمزيد من المستوطنات، حيث كان المفاوضون الفلسطينيون قد استسلموا بالفعل لهذه النقطة.
وقبل وقت طويل من خطة "نتنياهو" لضم المستوطنات في القدس الشرقية المحتلة، كان المفاوض الفلسطيني الراحل "صائب عريقات" عرض بالفعل على نظيرته الإسرائيلية، "تسيبي ليفني"، "أكبر جزء من القدس في تاريخ (المفاوضات)".
ويقترب النظام التقليدي للاحتلال من نهايته. وعلى الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على حد سواء، يحدث انهيار لهذا النظام في وقت واحد في عمليات متزامنة، لكنها لا تزال مستقلة عن بعضها البعض.
وبعد 4 انتخابات غير حاسمة، دخلت إسرائيل في حالة غليان. وتم إقرار حماية إضافية من الشرطة لرئيس الوزراء المكلف، "نفتالي بينيت"، ونائبه "أييليت شاكيد"؛ حيث حذر رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك" من أن التحريض المتزايد على وسائل التواصل الاجتماعي قد يؤدي إلى "أعمال عنيفة".
وينظر البعض في أوجه تشابه الظروف الحالية مع ما حدث في وقت اغتيال "إسحاق رابين". لكن على عكس تلك الأيام، عندما كان يهيمن على إسرائيل حزبان رئيسيان، حزب العمل والليكود، فإن الكنيست اليوم منقسم إلى أحزاب صغيرة مختلفة بالإضافة إلى الليكود الذي حصل على 30 مقعدا في الانتخابات الأخيرة.
اليمين يتآكل من الداخل
وتجري حاليا حملات تحريض من قبل الطبقة المحيطة برئيس الوزراء المنتهية ولايته "بنيامين نتنياهو". وقال "حاجي بن أرتسي"، شقيق "سارة نتنياهو"، زوجة رئيس الوزراء، إن نية "بينيت" في الشراكة مع "يائير لابيد" تتوافق مع التعريف التوراتي لـ"الخيانة". وأوقف "يائير"، نجل "نتنياهو"، حسابي إنستجرام وتويتر مؤقتا بعد أن نشر عنوان منزل "نير أورباخ"، عضو الكنيست من حزب "يمينا".
وفي تكرار لرفض الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" الاعتراف بالهزيمة، قال "نتنياهو" إن إسرائيل تشهد "أكبر تزوير انتخابي" في التاريخ. ويتعامل "نتنياهو" مع الإطاحة الوشيكة به كتهديد وجودي لإسرائيل نفسها، حتى أنه يقارن نفسه بنبي الله "موسى"؛ حيث قال إن أولئك الذين عارضوه عاقبهم الله عندما انفلق البحر وابتلعهم.
ووصف "نتنياهو" الحكومة الجديدة بقيادة "بينيت" اليميني المتطرف بأنها "حكومة يسارية خطيرة" يدعمها "مؤيدو الإرهاب" الذين لن يكونوا قادرين على مواجهة أعداء إسرائيل، مثل إيران. وقال المحلل السياسي المخضرم "ميرون رابوبورت": "بينما بنى نتنياهو قاعدته السياسية على الاستقطاب الشديد، فإن خطاب الكراهية ينخر الآن في اليمين نفسه".
ويعد الخطاب التحريضي الحالي عدوانيا جدا جدا. لكن المثير للاهتمام هو أن خطاب الاستقطاب هذا قد دخل إلى المعسكر المتماسك نفسه، فـ "نتنياهو" يعتقد أن طريقته الوحيدة للحفاظ على السلطة هي وصف "بينيت" بالخائن،في الوقت الذي يهدد فيه أنصاره بقتل أعضاء الكنيست. ويقول "رابوبورت": "لأنهم ينحدرون من نفس المعسكر اليميني وكانوا قريبين من بعضهم البعض، فإن الغضب والشعور بالخيانة أقوى".