
قال رئيس أركان الجيش الفرنسي الجنرال فرانسوا لوكوانتر إن الصراعات الكبرى في العالم ستكون أكثر مما هي عليه اليوم، مع احتمال انزلاقات أكبر خلافا لما اعتقده البعض بسذاجة عند نهاية الحرب الباردة من نهاية التاريخ ومن أنه لن يكون هناك المزيد من الصراعات الكبرى، خاصة أننا الآن بصدد تشكل نظام عالمي جديد قائم على التنافس بين الولايات المتحدة والصين.
وفي مقابلة مع صحيفة لوفيغارو (Le Figaro) الفرنسية، تحدث الجنرال عن الغرب الذي يُنظَر إليه على أنه مستبد ومهيمن، مما ولّد رغبة في الانتقام تشهد عليها الهجمات التي حدثت في فرنسا وستستمر مدة طويلة قادمة، كما تحدث عن ظواهر أخرى في أفريقيا كالاختلال الديمغرافي وتغير المناخ والصعوبات التي تواجهها الأنظمة الديمقراطية هناك، مما يعني أنه لا يوجد سبب للاعتقاد بأن حالة عدم الاستقرار هذه ستنتهي في غضون عقد أو عقدين من الزمن، بحسب الجنرال.
الكل مدعو للاختيار
وأشار لوكوانتر في المقابلة التي أجراها معه نيكولا باروت، إلى أن هذه الأخطار تضاف لها عودة ظهور القوى غير المقيدة التي تتحدى الاستقرار والقانون الدولي، وعلى رأسها روسيا والصين مع قوى إقليمية مثل إيران، مشيرا إلى أن العالم يتحرك نحو إعادة تشكل نظام عالمي يتمحور حول المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، والكل مدعو لاختيار صعب بين الجانبين، لا مصلحة فيه لفرنسا ولا لأوروبا، مما يوجب على الأوروبيين أن يمثلوا طريقا للتوازن من خلال الاعتماد على شركاء إستراتيجيين.
ونبّه لوكوانتر إلى أن حالة أوكرانيا تدعوهم كأوروبيين إلى أخذ مخاوف دول أوروبا الشرقية في الاعتبار، بشأن حقيقة إعادة تسلح كبيرة تقوم بها روسيا، التي أصبحت مثل الصين منافسا شديد الضراوة، لديه مساحات تحت الماء وفي الغلاف الجوي الخارجي، موضحا أن وجود روسيا أو تركيا أو الصين في أفريقيا مقلق ومزعزع للاستقرار.
وفي سياق الصراع المعلوماتي، قال رئيس الأركان الفرنسي إن أعداءهم يبذلون قصارى جهدهم لتقويض الأسس الديمقراطية، و"هم لا يترددون في التدخل في العمليات الانتخابية ونشر معلومات مضللة حول عملياتنا العسكرية في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، مما عني ضرورة وجود جيوش قادرة على اكتشاف الهجمات والتصرف عندما يتعلق الأمر بعملها خارج التراب الوطني.
وتابع لوكوانتر قائلا إن هناك مصلحة كبرى تتمثل في الحفاظ على حرية المناورة في الفضاء في مواجهة التطورات لدى قوى معينة، ولا سيما الصين وروسيا، فيما يتعلق بقدرات تعطيل أو إعاقة أو حتى تدمير التجهيزات الفضائية، كما "نحتاج أيضا في قاع البحر إلى الحفاظ على حرية التصرف، ويجب أن نكون قادرين على الرد -حتى بالهجوم- عبر الإنترنت، للحفاظ بشكل دائم على السيطرة على وسائل القتال التي أصبحت رقمية بشكل متزايد.
منطقة الساحل
وعند السؤال عن استمرار عمل فرنسا في منطقة الساحل، ردّ لوكوانتر بأنه يتعين على أوروبا -التي تقوم الآن بمهمة تدريب الجيش المالي- التدخل وتوسيع أهداف هذه المهمة، للانتقال من التدريب إلى إعادة بناء الجيش حتى يقوم بنفسه، مشيرا إلى أن تدخل أوروبا أقل خطرا مما لو كانت فرنسا وحدها هي التي تتدخل، حتى لو كان ذلك بناءً على طلب هذه الدول.
ورأى الجنرال أن عملية برخان في منطقة الساحل هي أكثر المختبرات التي تجب مراقبتها إثارة للاهتمام، وهي تظهر الانتقال التدريجي من رؤية وطنية بحتة إلى التزام أوروبي، حيث تشارك أوروبا بشكل متزايد في مهمة بعثة الاتحاد الأوروبي هناك، وينضم إلينا شركاء في عملية "تاكوبا" الأوروبية التي تقودها فرنسا لتكوين الجيش المالي، وأوضح أن أوروبا ستظل منخرطة في منطقة الساحل ربما 10 سنوات أو أكثر.
أما الهدف المطلوب تحقيقه من العملية الفرنسية في منطقة الساحل، فقال الجنرال إنه يتمنى أن تكون دول الساحل قادرة على اتخاذ مصيرها، لأن هذه المنطقة سوف تنفجر ديمغرافيا في الأعوام الـ30 القادمة، مما يفرض تبني نظام ديمقراطي حقيقي، ويتطلب من أوروبا مساعدة هذه الدول، لكي لا تصبح المنطقة فوضى لا يمكن العيش فيها، مما يشجع الهجرة غير النظامية.
وفي قضية إطلاق النار على بونتي، حيث تتَّهم فرنسا بإطلاق النار على مدنيين، قال لوكوانتر إن ذلك كان هجوما على الجيش الفرنسي ضد عملية برخان وضد شرعية التزاماتنا، وأضاف "أعتقد أننا من الآن فصاعدا، سنواجه بشكل منهجي هذا النوع من محاولات عرقلتنا وتشويه سمعتنا ونزع الشرعية عن عملنا وتحريك السكان ضد عملنا".