
قال المعلق باتريك كوكبيرن في صحيفة “إندبندنت” إن التدخل الجبان من الرئيس جوزيف بايدن في غزة لا قيمة له مع أن رد الولايات المتحدة ضد إسرائيل قد تغير، مشيرا إلى أن جيلا من الساسة الديمقراطيين باتوا يركزون على حقوق الفلسطينيين ويبعدون أنفسهم عن الرئيس الأمريكي.
وأشار كوكبيرن إلى الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982 عندما اتصل الرئيس رونالد ريغان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن وعبر في مكالمته عن “صدمته” و”غضبه” من الغارات الجوية والمدفعية على العاصمة اللبنانية بيروت وطالب بوقفها فورا. وقال إن إسرائيل “تتسبب بدمار وسفك دماء لا داعي له” وأوقفت الجهود الأمريكية لإنهاء الأزمة. وكان ريغان يتحدث من مكتبه البيضاوي وحوله مستشاروه وقيل إنه صرخ على بيغن عندما فشل أول مرة في إنهاء القصف والضرب.
وفي مكتب رئيس الوزراء في إسرائيل قيل إن بيغن استسلم لغضب ريغان ووافق على أن الهجمات يجب أن تتوقف حالا.
ويقول كوكبيرن “قارن غضب ريغان وطلبه وقفا فوريا للحرب مع رد بايدن الخجول وطلبه من إسرائيل وقف إطلاق النار في مكالماته الهاتفية الثلاث مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. فلم يطلب وقفا فوريا في اليوم الثامن للغارات الجوية الإسرائيلية وصواريخ حماس التي خلفت أكثر من 200 قتيل معظمهم من الفلسطينيين”.
وفي نفس الوقت عرقلت الولايات المتحدة وللمرة الثالثة محاولات إصدار بيان من مجلس الأمن يدعو لوقف إطلاق النار وإنهاء العنف بين إسرائيل والفلسطينيين، ورفض بايدن القول إن إسرائيل بالغت في الرد. ومقارنة مع النشاط الدبلوماسي لريغان وأركان إدارته عام 1982 لوقف الحرب لا يقوم بايدن أو وزير خارجيته بجهد كبير وهو “ما يعكس ميزان القوة الذي انحرف لصالح إسرائيل خلال العقود الماضية”، فخلال هذه الفترة بات مترسخا في أذهان الساسة الأمريكيين أن الدعم العملي لإسرائيل لن يضر بهم بل وحتى الدعم المبدئي لحقوق وأمن الفلسطينيين ليس جيدا. لكن هذا الحساب لم يعد صحيحا اليوم في الأزمة الحالية حول غزة كما هو الحال في حرب 2014 والتي قتل فيها حوالي ألفي فلسطيني و73 إسرائيليا على مدى 67 يوما.
واليوم هناك نقد متزايد لإسرائيل من الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي ومن المؤسسات الإعلامية الليبرالية الميل مثل نيويورك تايمز وسي أن أن. ويمكن الحديث عن نوعين من النقد، أحدهما هو عبارة عن الاشمئزاز العام من العنف والشعور بأن على الولايات المتحدة عمل المزيد لوقفه. فقد وقع 25 سيناتورا ديمقراطيا بقيادة السناتور الجديد عن ولاية جورجيا جون أوسوف على بيان مشترك طالبوا فيه بوقف فوري لإطلاق النار واتفاق عليه بين إسرائيل والفلسطينيين “لمنع خسائر في الأرواح وتصعيد جديد في العنف”.
كما ظهر جيل من الساسة الديمقراطيين التقدميين الذين يركزون على حقوق وأمن الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. وقال النائب الديمقراطي عن ويسكنسن مارك بوكاس الذي طرح الموضوع في الكونغرس “اليوم أقف وزملائي لأنه يجب عدم معاناة أحد من خسارة الحياة والحرية والكرامة التي عاناها الفلسطينيون، وعندما تكون محايدا في وضع ظلم فإنك اخترت جانب الظالم”. وتناولت النائبة عن بوسطن أيانا بيرسلي موضوعا من النادر طرحه في الكونغرس “لا نستطيع الجلوس بكسل عندما تقوم الولايات المتحدة بإرسال مساعدات عسكرية بـ 3.8 مليار دولار أمريكي لإسرائيل كي تدمر بيوت الفلسطينيين وتسجن أطفالهم وتشرد عائلاتهم”. ويرى كوكبيرن أن هناك عدة عوامل أدت لظهور هذه الأصوات السياسية التي لم تتحدث ضد القصف بل ومقارنة المساواة المدنية للفلسطينيين بحركة حياة السود مهمة في الولايات المتحدة.
أما الأمر الثاني، فهو متعلق بالانقسام الذي تسببت به إدارة دونالد ترامب بشكل جعل الأمريكيين يعارضون بقوة التحالفات القوية مع بنيامين نتنياهو. فلم يعد نقاد إسرائيل هم من التقدميين الديمقراطيين بل ويحصلون على أوقات في ساعات الذروة وتعاطفا لم يحدث من قبل.
وتساءل الكاتب: هل سيحدث كل هذا فرقا في حسابات نتنياهو حول مدة الهجوم على غزة ونهايته؟ قد يكون هذا عاملا لأن خبرة نتنياهو بدأت في التعامل مع الرأي العام الأمريكي حيث بدأ حياته السياسية من واشنطن وأثناء عمله في السفارة الإسرائيلية بواشنطن ما بين 1982- 1984. ولعب دور المتحدث باسم إسرائيل مع اجتياح لبنان ودافع بقوة عن الغارات الجوية التي أغضبت ريغان وإدارته.
ومن وجهة نظر إسرائيل فالغارات الجوية والقصف المدفعي على غزة كما هو الحال في بيروت عام 1982 تجلب منافع سياسية متناقضة. فهي تعبير عن القوة الإسرائيلية العسكرية وعدم قدرة الطرف الآخر على الرد بنفس القوة. وهي تبرر وبطرق متباينة على أنها تدار بدقة ضد منشآت عسكرية فلسطينية، كما قيل في 1982 و2021 ومرات عدة بينهما.
لكن حماس ليست جيشا نظاميا وهي تنظيم مسلح بسلاح فقير ولم يضعفها القصف الجوي. ويمكن اعتبار الحملة عقابا جماعيا للسكان الذين يتعرضون للقصف. وعادة ما تؤدي صورة تفصيلية لمقتل المدنيين على يد أي جيش اشمئزازا عالميا، ففي جنوب لبنان، حدث هذا مرتين في قانا حيث قتل مدنيون في قاعدة تابعة للأمم المتحدة عام 1996 (28 قتيلا) وعام 2006 (16 قتيلا). وربما لا مقارنة بين حزم ريغان وبايدن المنغمس بمشاكله الداخلية، لكنه لا يستطيع الظهور بمظهر الرئيس الضعيف ويتم تجاهل دعوته لوقف إطلاق النار.