القصة الحقيقية وراء الفيلم الوحيد الذي يزعم أن “بيغ فوت” كائن حقيقي!

2021-05-12

تناقل أبناء قبائل السكان الأصليين في شمال غرب أمريكا روايات عن رجال يشبهون القرود

في أكتوبر/تشرين الأول عام 1967، امتطى الأمريكيان روجر باترسون وبوب جيملين جوادين للتجول في أحد وديان كاليفورنيا، إلا أن ما زعما أنهما شاهداه وصوراه بالفيديو ظهيرة ذاك اليوم سيظل موضع جدال حتى يومنا هذا. مخلوق أسود ضخم يشبه الغوريلا ولكن أكثر استواء يُدعى حسب الأساطير الشعبية "بيغ فوت" أو "ذو القدم الكبيرة". فهل بيغ فوت كائن حقيقي أم مجرد خدعة انتصرت على الزمن؟

الفيديو مدته 57 ثانية، التقط بكاميرا 16 ملم، لكن هذه الدقيقة حولت بيغ فوت إلى ركيزة أساسية من الثقافة الأمريكية وخيال سيترجم في الأدب الأمريكي المرئي والمقروء والمسموع حتى يومنا هذا.

في الفيديو يظهر بيغ فوت بشعره الكثيف وهو يمشي على قدمين عبر ضفاف الوادي.

وأسطورة بيغ فوت قصتة تتوارث شفهياً على مدى قرون قبل أن يراه باترسون وجيملين ذاك اليوم.

إذ كان أبناء قبائل السكان الأصليين في شمال غرب أمريكا يتناقلون روايات أيضاً عن رجال يشبهون القرود يعيشون في الغابات، ولكن لم يصورهم أحد قبل ذلك.

وحتى يومنا هذا، لا يزال  فيلم باترسون-جيملين أحد أكثر التسجيلات التي خضعت للتدقيق في التاريخ الأمريكي، فقد فشل الخبراء على اختلاف مشاربهم في فضح زيف الفيلم كلياً.

تصوير الفيلم لم يتم صدفة

يشير الفيلم إلى أنه تم التقاطه في 20 أكتوبر/تشرين الأول عام 1967، فهل كان بوب جيملين يحمل كاميرا تصوير فيديو بمحض الصدفة؟

الإجابة هي لا، إذ إن صانع الأفلام جيملين كان برفقة صديقه الذي طلب حضوره عندما حدثت الواقعة.

وقتها كانت جيملين يبلغ من العمر 36 عاماً، وأثناء قدومه من ولاية ميزوري، التقى بالصدفة صديقه القديم روجر باترسون في محطة وقود في واشنطن قبل أيام من التقاء المخلوق الغريب المزعوم.

كان باترسون من الباحثين الشغوفين عن مخلوق بيغ فوت، ونشر قبل ذلك بوقت قصيرة كتاباً بتمويل شخصي منه بعنوان Do Abominable Snowmen of America Really Exist? (هل رجال الثلج البغيضون بأمريكا موجودون حقاً؟).

وفي صيف 1967، بدأ باترسون كذلك تصوير فيلم وثائقي زائف عن رعاة البقر، وعامل مناجم قديم، ومتعقب للسكان الأصليين لأمريكا، ولم تكن جميعها إلا رغبة منه في اصطياد كائن بيغ فوت.

لذا، عندما قابل جيملين، أخبره عن نيته وأضاف أنه سمع عن مجموعة من آثار الأقدام غير المعروفة التي عُثر عليها في وادٍ بشمال كاليفورنيا.

طلب من جيملين التأهب ومساعدته في العثور على الوحش المزعوم.

مدفوعاً بالتهور من جهة وبشغف حياة رعاة البقر من جهة أخرى، وافق جيملين ووجد نفسه بعدها بوقت قصير فوق ظهر جواد في وادي بلاف كري، وعلى بعد مسيرة نصف يوم من أي معالم للحياة الحضرية.

في ذلك اليوم المصيري، امتطى باترسون جواده وسبق رفيقه ممسكاً بلجامه في يد وبكاميرا كوداك سوني في الأخرى.

وبعد أن وضع باترسون الكاميرا في جعبته مباشرة، بدأ الجواد في الصهيل وامتلأ الهواء برائحة شيء بغيض. ركل الحصان الأرض في خوف، ورصد راعيا البقر وحشاً طوله حوالي مترين يسير على بعد نحو 20 متراً منهما.

عندها صاح باترسون، وسحب الكاميرا وسار مترجلاً وقال لصديقه: "بوب.. غطِّ أثري".

بعد التقدم لمسافة قصيرة، جلس ليثبت الكاميرا من أجل التقاط المشهد وبدأ في التسجيل. كان جيملين خلفه مباشرة ممسكاً بندقيته تحسباً لأي هجوم.

شاهد الرجلان هذا الكائن ينظر حوله وينظر إلى الكاميرا نظرةً خاطفةً ثم يمضي في طريقه. استمر المشهد الذي يرصد كائن بيغ فوت لـ59.5 ثانية، لكنه تسبب في مشكلة تبعت جيملين مدى الحياة.

أسرع الرجلان نحو المخيم الخاص بهما كي يأخذا قوالب من الجص لرفع الآثار التي عثروا عليها. ثم امتطى كلاهما الجياد وصولاً إلى متجر بضائع متنوعة على بعد حوالي 50 كيلومتراً من الوادي، حيث كانا ينويان شحن الفيلم إلى صهر باترسون.

تواصل باترسون مع صحيفة Times-Standard في مدينة يوريكا ليصف مواجهة بيغ فوت وبدأ رحلة حول العالم يعرض فيها الفيلم الذي التقطه.

خدعة أو حقيقة صعبة التصديق؟

كلما عرض باترسون اللقطات، أثيرت معها ضجة كبيرة.

اتهمه المشككون بالتزييف وادعوا أن باترسون دبّر الحادث بأكمله لأنه كان عاجزاً عن العثور على تمويل ملائم لمشاريعه الأخرى المرتبطة بكائن بيغ فوت. 

أدرت عليه اللقطة كمية جيدة من المال. وبالفعل، استطاع باترسون عقد صفقة مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC لشراء حقوق استخدام لقطات بيغ فوت خاصته.

رفض كثيرون الفيلم واصفين إياه بأنه خدعة تصور رجلاً يرتدي أزياء مبهرة بحق، وما زاد الأمر سوءاً أن مصمم أزياء يدعى فيليب موريس ادَّعى في عام 2002 أنه باع زي القرد الذي استخدمه باترسون في الفيلم.

وقبل سنوات قليلة من ادعاء موريس، قال رجل يدعى بوب هيرونيموس من مدينة ياكيما بواشنطن، إن باترسون استأجره ليرتدي الزي وإنه عرض البزة على أصدقائه في حانة بمدينة ياكيما قبل أن يأتي باترسون وجيملين لاستعادتها.

يُضاف إلى ذلك أن الرواية الشخصية لكل من باترسون وجيملين كانت مليئة بالتناقضات.

إذ قال باترسون إنه صور المخلوق في حوالي الواحدة ظهراً، وامتطى جواده ليحصل على أدوات لرفع آثار الأقدام، وعاد إلى الموقع كي يصبّها، ثم ركب سيارته وعاد إلى يوريكا كي يرسل اللقطة.

يبدو أن وقوع كل هذه الأحداث قبل السادسة مساءً (أي حلول الليل) شيئاً مستحيلاً.

وفي المقابل، تتناقض رواية جيملين مع رواية باترسون، فإما أن جيملين لم يطلع جيداً على سيناريو الخطة، أو أنه كان طرفاً أساسياً فيها. لكنه ظل مصراً على أن ما رآه في عام 1967 كان كائناً حياً بالفعل.

وبكل تأكيد، لم يكن ذلك الحادث المرة الأولى التي تنتشر فيها في وسائل الإعلام قصص حول مواجهة زائفة مع كائن بيغ فوت.

في عام 1958، نشرت صحيفة Humboldt Times التي تصدر في كاليفورنيا قصة عن اكتشاف آثار أقدام مقاسها يصل إلى حوالي 40 سم بالقرب من بلاف كريك. حتى إن المقال صاغ اسماً مستعاراً لكائن بيغ فوت، ولكن اكتُشف في 2002 أن أحد السكان المحليين، ويدعى راي والاس، هو الذي ترك آثار الأقدام ليكون مقلباً.

لكن لقطات باترسون-جيملين لم تُدحض قط بصورة واقعية.

خبراء معاصرون يصدقون اللقطة

حلل جميع الخبراء فيلم باترسون-جيملين، بداية من اختصاصيي المؤثرات الخاصة، ومروراً بخبراء الطب الشرعي ومصممي الأزياء، ووصولاً إلى علماء التزوير وعلماء الرئيسيات.

بالنسبة لعالم الرئيسيات جيفري ميلدروم، تعد اللقطة حالةً واضحةً من إفراط المشاهدين في التفكير فيما شاهدوه.

ويدّعي أستاذ التشريح والأنثروبولوجيا لدى جامعة أيداهو أنه "واثق بقدر ما، أنا عاجز عن الوقوف على الرمال مع روجر وبوب" من أن المخلوق الذي التُقط في الفيلم كان حقيقياً.

قارن ميلدروم تعريفات البنية والفرو والعضلات بالصور التي تظهر في الإنتاجات الضخمة المكلفة في هوليوود. ووصف الشخصيات التي ظهرت في سلسلة أفلام The Planet Of The Apes بأنها "دمى بشعر كثيف" مقارنة بالتفاصيل الحبيبة التي ظهرت في فيلم باترسون-جيملين. ويُزعم أن طلاب ميلدروم يتفقون مع وجهة نظره.

وقال إن طلاب التشريح لديه "يبدأون بالرأس ويمكنهم رؤية العضلة شبه المنحرفة، والعضلة الدالية.. والعضلات الناصبة للفقار أسفل الظهر، وعظم اللوح وهي تتحرك أسفل الجلد. والعضلات الرباعية تتقلص عندما يُفترض لها أن تتقلص".

لكن المدير السابق لبرنامج بيولوجيا الرئيسيات التابع لمؤسسة سميثسونيان، جون نابير، عارض هذه التأكيدات. وأشار إلى قمة رأس الكائن سهمية الشكل، معتبراً إياها إشارة إلى أنه ليس مخلوقاً حقيقياً، وأن شكل الساعة الرملية لآثار الأقدام يؤكد على ذلك.

قال نابير: "ليس هناك شك بأن الدليل العلمي المستخلص بصورة جماعية يشير إلى وجود خدعة من نوع ما. المخلوق الذي ظهر في الفيلم لا يصمد أمام التحليل المُنَفَّذ على نحو جيد. لقد كانت خدعة مدبرة على نحو بارع والمنفذ المجهول سوف يحظى بمكان له بين عظماء منفذي الخدع في العالم".

ومع ذلك، يعد نابير نفسه مؤمناً بوجود كائن بيغ فوت.

جهاز فحص الكذب

ووصلت درجة التحقيق في الأمر لوضع باترسون نفسه تحت اختبار كشف الكذب الذي أعده أحد خبراء كشف الكذب ذائعي الصيت في مدينة نيويورك عام 1968. ولم يتذبذب في روايته قط، حتى عندما كان على فراش الموت في عمر الـ38.

كذلك لم يتذبذب جيملين في روايته، حسب ما أكد مكتب التحقيق الفدرالي FBI، إذ يرويها بكل وضوح، بل يقول إنه يندم على اليوم الذي تسبب له ولعائلته في سمعة سيئة.

ويُزعم أن باترسون حرمه من أي أرباح عندما خرج بالفيلم في جولة. وفي نهاية المطاف، باع جيملين حصته من الفيلم بأقل من 10 دولارات.

وفي غضون ذلك، اتخذت حكاية بيغ فوت حياة خاصة بها، حتى بين علماء الرئيسيات المبجلين من أمثال جين جودل، التي تقبلت الفكرة.

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي