ماكرون مستمر في إشعال المعارك الثقافية.. لماذا احتفل بذكرى نابليون؟

Macron strides into cultural battle over Napoleon’s memory
2021-05-10

نشرت صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية تقريرًا لمراسلَيْها في أوروبا وفرنسا، ريم ممتاز وجورجيو ليالي، تناولا فيه خطاب ماكرون المثير للجدل الذي ألقاه أثناء الاحتفال بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لوفاة نابليون بونابرت، والأغراض السياسية من وراء هذا الخطاب.

استهل المراسلان تقريرهما بالقول: في عصر الحروب الثقافية ومناقشات المانوية على تويتر (ديانة تنسب إلى ماني المولود في عام 216م في بابل، والذي ظهر في زمان شابور بن أردشير وقتله بهرام بن هرمز بن شابور)، يتصدر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «التريند» مرةً أخرى.

وفي مساء الأربعاء الماضي، وأثناء الاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لوفاة نابليون، تبنَّى ماكرون الإرث الهائل للإمبراطور الفرنسي بالكامل في بناء معظم مؤسسات الدولة الفرنسية الحديثة، بدءًا من القانون الجنائي والمدني ومرورًا بمحكمة الاستئناف وانتهاءً بالمدارس الثانوية.

لكن ماكرون اعترف أيضًا أن إعادة نابليون للعمل بنظام العبودية في المستعمرات الفرنسية عام 1802 كان بمثابة «خيانة» وجَب على الجمهورية الثانية «إصلاحها». وقالها ماكرون رسميًّا على رؤوس الأشهاد إن: «نابليون كان غولًا ونسرًا، كان مثل الإسكندر الأكبر ونيرون، لقد كان روح العالم وشيطان أوروبا».

مواجهة التاريخ على طريقة ماكرون

يعلِّق المراسلان: لا أحد يتبنى أبدًا ما بات يعرف باسم «ثقافة الإلغاء»، أي رفض الأشخاص بسبب معتقداتهم أو تصريحاتهم أو أفعالهم التي يمكن أن تُرَى على أنها مسيئة. واتَّبع ماكرون هذا النهج نفسه لمواجهة الماضي الاستعماري لفرنسا في الجزائر ودورها في الإبادة الجماعية في رواندا وفي رفضه هدم تماثيل الشخصيات التاريخية التي كانت شخصيات عنصرية أو تجار رقيق.

وقال ماكرون في خطاب حماسي لكنه قصير، والذي استغرق أقل من 20 دقيقة: «هذا حفل تأبيني مستنير، والهدف منه أن ننظر إلى تاريخنا وجهًا لوجه وأن ننظر إليه جملةً واحدة، ونقول جميعًا بوصفنا شعب فرنسا ما قاله نابليون عنَّا ورد فعلنا تجاهه». إلا أن قرار ماكرون بإحياء ذكرى نابليون ما زال يمثل إلى حد ما ثقافة «عدم إلغاء» لواحدة من أفضل ثلاث شخصيات فرنسية مشهورة على مستوى العالم إلى جانب جان دارك وشارل ديجول. وتجنب الرؤساء الفرنسيون السابقون إلى حد كبير الاحتفال بالذكرى السنوية الخاصة بالإمبراطور نابليون.

وأضاف ماكرون: «إن إحياء الذكرى المئوية الثانية يعني ببساطة وهدوء ودون الاستسلام لإغراء محاكمة الماضي بقوانين الحاضر أننا نستعيد في الذاكرة ما نحن عليه بوصفنا شعب فرنسا».

ويرى مُعدَّا التقرير أن إحياء ماكرون لهذه الذكرى هو في جوهره خطوة سياسية تستبق الانتخابات الرئاسية في 2022. إذ تتيح له هذه الخطوة اجتذاب أصوات الناخبين المحافظين الذين يتودد إليهم بمغازلة الماضي الذي يحنون إليه ويَعُدُّونه الأكثر عظمة. وفي الوقت نفسه، يكسب أصوات بعض اليساريين عبر اعترافه بجرائم نابليون وكراهية الأخير للنساء، ويمنحه ذلك أيضًا فرصة تصنيف نفسه واحدًا من القادة العظام في تاريخ فرنسا.

انتقادات حادة لخطاب ماكرون

ويشير التقرير إلى أن هذه الإشارات الخفية لم تمضِ دون أن يلاحظها أحد من خصوم ماكرون الأساسيين؛ إذ تعرَّض بالفعل لانتقادات حادة بسبب نهجه هذا من جانب مارين لوبان، الزعيمة اليمينية المتطرفة، وكزافييه برتران، المرشح الرئاسي المحافظ البارز، اللذين عارضا كل على حِدة رغبة ماكرون في «تفكيك» التاريخ الفرنسي. ويتهم كل من مارين وكزافييه الرئيسَ ماكرون بالاستسلام لأولئك الذين يستخدمون قضايا الاستعمار والعبودية باعتبارها «سلاحًا» لمهاجمة فرنسا والغرب. وبدلًا من الرد على هذه الانتقادات، قال ماكرون ببساطة إنه يقرِّ بكل جزء من التاريخ الفرنسي، وطيَّب خطابه بإشارات خفية لأوجه التشابه بينه وبين نابليون.

وقال ماكرون في خطابه: «تُعد حياة نابليون في المقام الأول قصيدة تُعبِّر عن الإرادة السياسية، وهي قصيدة مُوجَّهة إلى أولئك الذين يعتقدون أن الأقدار جامدة، وأن الحياة مكتوبة مسبقًا، فقصة الطفل المنحدر من بلدة أجاكسيو والذي أصبح سيدًا لأوروبا، تُظهِر بوضوح أن بإمكان رجل واحد فقط تغيير مسار التاريخ».

وماكرون، مثل نابليون بونابرت، لم ينشأ في باريس بل ظهر فجأة ليقتحم عالم السياسة ويستولي على السلطة في وقت قياسي. وأضاف ماكرون: «نحن نحب نابليون لأن حياته تحمل في طيَّاتها وعدًا بما هو ممكن ودعوة للمجازفة». مستخدمًا تعبيره الخاص للدلالة على كيف أن ماكرون يراهن كثيرًا على المبادرات الجريئة.

انقسامات أيضًا في معسكر ماكرون نفسه

ويلفت التقرير إلى أن نهج ماكرون هذا لا يخلو من المخاطر؛ إذ أن معسكره السياسي نفسه منقسم بشأن شخصية نابليون. وقالت إليزابيث مورينو، وزيرة المساواة بين الجنسين والتنوع وتكافؤ الفرص، التي انتقدت الإمبراطور لاستعادته نظام العبودية، إن نابليون: «أحد أكبر كارهي النساء، فأثناء حكمه وثَّق القانون أن المرأة أقل مكانة من الرجل».

وكان هناك نقاش داخلي أيضًا في مكتب ماكرون بشأن كيفية إحياء ذكرى نابليون وتقديم ما هو كافٍ وليس ما هو أكثر من اللازم. وقال المستشار الثاني لماكرون: «اتُّخِذ قرار إحياء ذكرى نابليون منذ مدة طويلة، ولكن الاختلاف كان في التنفيذ والصورة التي سيظهر عليها. فدعى البعض إلى حفل كبير قدر الإمكان، بينما أيَّد آخرون طريقة أكثر بساطة نظرًا لظروف جائحة كورونا والقضايا المتعلقة بذكرى نابليون».

وأثار قرار إحياء ذكرى نابليون غضبًا عارمًا على وجه الخصوص في أقاليم ما وراء البحار الفرنسية التي تعرَّضت لمعاملة وحشية في ظل حكم نابليون. وخطط المعارضون لإقامة احتجاجات تتزامن مع خطاب ماكرون في الاحتفال. وتساءل أوليفييه لو كور جراند مايسون، الناشط والمؤلف المولود في جزيرة مارتينيك وأستاذ العلوم السياسية الشهر الماضي في مدينة ليون قائلًا: «كيف نحتفل برجل كان عدوًا للجمهورية الفرنسية ولعدد من الشعوب الأوروبية وعدوًا للإنسانية لأنه كان مستعبِدًا للناس»؟

سياق تاريخي يتبنى العبودية

ولكن دون تبرير للعبودية، يشير بعض المؤرخين إلى السياق الاقتصادي في ذلك الوقت الذي جعل من العبودية أمرًا شائعًا. فقال جاك أوليفييه بودون، أستاذ التاريخ بجامعة السوربون، إنني: «بصفتي مؤرخًا، لا يسعني إلا التأكيد على سياق الأحداث. ولا يمكن إنكار أن نابليون أعاد نظام العبودية عام 1802، ولكنه فعل ذلك في سياق كانت فيه جميع الدول الأوروبية والولايات المتحدة تمارس العبودية». موضحًا أن بونابرت لم يكن لديه خيار آخر إذا أراد أن يتنافس مع الدول الأخرى المؤيدة للعبودية.

والاعتراضات على نابليون ليست جديدة ولا خاصة باليساريين وحدهم، ففي عام 2005، تجنَّب الرئيس اليميني جاك شيراك الاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لانتصار نابليون على القوات الروسية والنمساوية في معركة أوسترليتز.

ولكن ماكرون أوضح على وجه الخصوص أهمية أن يتعلم الشباب من هذا التاريخ بدلًا من حمياتهم منه. فقال ماكرون مخاطبًا مجموعة من طلاب المرحلة الثانوية كانوا ضمن الحضور إلى جانب الرئيس المحافظ السابق نيكولا ساركوزي وقادة آخرين: «أنتم طلاب الثانوية في فرنسا وأنتم جزء من هذا التاريخ بصفتكم فرنسيين، يمكنكم أن تحبوه أو تنقدوه ولكن يجب أن تتعلموه فهو حقيقي ويساعد في تنشئتكم وعليكم أن تواصلوا المسيرة من بعده».

ويختم المراسلان التقرير بالقول إنه على مدار الأسبوع المقبل، يبدو أن جدول ماكرون عازم على استرضاء النُّقاد من مختلف الأطياف السياسية. فبعد إحياء ذكرى نابليون، سيحيي يوم أوروبا السبت، واليوم الوطني لذكرى العبودية والذكرى الأربعين لانتخاب فرانسوا ميتران، أول رئيس اشتراكي للجمهورية الفرنسية الخامسة، بعد ذلك بيومين.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي