ما السبب وراء الاحتجاجات التي تهز كولومبيا؟

Protests have spread across Colombia. Here’s why.
2021-05-09

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريرًا لـ أنا فانيسا هيريرو، مراسلة الصحيفة الأمريكية في أمريكا الجنوبية، عن الاحتجاجات التي تهز كولومبيا على مدار الأسبوع الماضي على خلفية إصلاحات ضريبية اقترحتها الحكومة الكولومبية، خاصة وأنها تأتي في ظروف الجائحة. غير أن الاضطرابات اتَّسعت بصورة كبيرة لتشمل دعوات لتحسين أنظمة المعاشات التقاعدية والصحة والتعليم، لتتجاوز بذلك الإصلاحات الضريبية التي أُلغِيت.

وفي مستهل تقريرها، تشير المراسلة إلى أن الاحتجاجات العنيفة التي هزَّت المدن الكولومبية خلال الأسبوع الماضي أسفرت عن مقتل 20 شخصًا وإصابة المئات. وتحوَّلت هذه الاضطرابات، التي أثارها اقتراح ضريبي غير شعبي، إلى تعبير أوسع عن الغضب المناهض للحكومة. ويخرج المتظاهرون، وكثير منهم يرتدون الأقنعة، إلى الشوارع يوميًّا للاحتجاج على تفشي عدم المساواة والانتشار البطيء للتطعيم وزيادة الفقر الناجم عن تفشي فيروس كورونا في البلاد.

إرهابيون حضريون

لفت التقرير إلى أن مقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهِر الشرطة وهي تستخدم ما يقول نشطاء محليون وجماعات حقوقية دولية إنه قوة مفرطة ضد المتظاهرين. ودعا مسؤولون في الولايات المتحدة والأمم المتحدة وأوروبا حكومة الرئيس إيفان دوكي إلى الالتزام بضبط النفس. وترد الحكومة على ذلك بقولها إن الشرطة ترد على مقاتلين يساريين وجماعات مسلحة أخرى تقول إنها اخترقت الاحتجاجات. لقد أنتجوا مقاطع فيديو خاصة بهم يزعمون فيها أن «إرهابيين حضريين» يهاجمون مراكز الشرطة.

وأدَّت الاحتجاجات إلى تصعيد التوترات في وقتٍ كانت فيه الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية تترنح في ظل موجة ثالثة وحشية من فيروس كورونا وتسجيل بعض أعلى معدلات الإصابة والوفيات منذ بدء تفشي المرض.

لماذا يحتَج الناس؟

أفاد التقرير أن المظاهرات بدأت ردًا على خطة ضريبية في ظل الجائحة دفعت بها حكومة دوكي المُحافِظة. وكان الاقتراح الأولي لهذه الخطة الضريبية يهدف إلى جمع حوالي 6.7 مليار دولار على مدى تسع سنوات.

وتشير المراسلة إلى أن فيروس كورونا أدَّى إلى تعميق عدم المساواة الاقتصادية في كولومبيا. وانكمش الاقتصاد بنسبة 6.8% في 2020 بينما ارتفعت معدلات الفقر إلى 42.5%، وفقًا لبيانات صادرة عن وكالة الإحصاء الوطنية.

وكانت الخطة الضريبية ستؤثر في أي شخص يتقاضى أجرًا شهريًّا قدره 2.6 مليون بيزو – حوالي 676 دولارًا أمريكيًّا. ورفضت أحزاب المعارضة والنقابات على الفور بعض التفاصيل مثل إلغاء الإعفاءات الضريبية الرئيسة وتوسيع نطاق السلع الخاضعة لضريبة القيمة المضافة. ودَعت النقابات الكبرى في البلاد إلى إضراب عام استمر لمدة أسبوع، وتظاهر الآلاف ليلًا ونهارًا في مدن مختلفة. وانضمت الطبقة الوسطى إلى العمال، حيث شعرت أنها أيضًا مستهدفة بالخطة الضريبية.

وقال وزير الدفاع دييجو مولانو إن معظم الاحتجاجات كانت سلمية. وخرجت مئات المظاهرات التي غطت أكثر من 50% من البلديات في البلاد.

ما حجم التأثير الناجم عن الاحتجاجات؟

نقل التقرير عن أمين المظالم المعني بحقوق الإنسان في كولومبيا قوله إن 24 شخصًا لقوا حتفهم في الاحتجاجات، فيما كانت قوات الأمن مسؤولة عن مقتل 11 شخصًا على الأقل. وأصيب أكثر من 800 شخص. وندَّد مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالشرطة الوطنية الكولومبية يوم الثلاثاء لأنها «فتحت النار» على المتظاهرين في كالي، ثالث أكبر مدينة في كولومبيا.

وأشعل الناس النار في الحافلات العامة ومراكز الشرطة وماكينات الصرف الآلي والبنوك، في أعمال وصفتها الحكومة بالإرهاب. وعرض دوكي يوم الأربعاء مكافأة قدرها حوالي 2.600 دولار للحصول على معلومات تؤدي إلى القبض على «مرتكبي أعمال التخريب والجرائم التي وقعت في الأيام الأخيرة ضد البنية التحتية العامة».

وتدَّعي الحكومة أن عدة ليالٍ من الاشتباكات حالت دون وصول لقاحات فيروس كورونا إلى كالي، وأوقفت العاصمة الكولومبية بوجوتا التطعيم والاختبار. وتلقت كولومبيا أول شحنة لها من 50 ألف جرعة لقاح في فبراير (شباط)، وانتهت من تطعيم 3.5% من السكان انتهاءً كاملًا.

كيف تستجيب الحكومة؟

يضيف التقرير أنه بعد خمسة أيام من اندلاع الاحتجاجات، أعلن دوكي أنه سيَسحب الخطة الضريبية بهدف استبدال خطة قادرة على كسب المزيد من الدعم بها. واستقال وزير المالية ألبرتو كاراسكويلا، مهندس الاقتراح الأولي، في اليوم التالي. ودعا دوكي يوم الثلاثاء جميع الأحزاب وأعضاء المجتمع المدني للحوار لإنهاء الإضراب، لكن الاحتجاجات استمرت. ويلقي المسؤولون باللائمة في أعمال العنف على تجار المخدرات والجماعات المسلحة، بمن فيهم أعضاء منشقون عن القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) وجيش التحرير الوطني.

وقال المدعي العام فرانسيسكو باربوسا يوم الثلاثاء إنه: «خلال الاضطرابات والتخريب الذي حدث في مدينة كالي في الأيام الأخيرة، جرى تحديد هياكل مرتبطة بتهريب المخدرات ومنشقين عن جيش التحرير الوطني والقوات المسلحة الثورية الكولومبية تعمل في مقاطعة كاوكا»، دون أن يقدم أي أدلة على ذلك. وأعلن ممثلو الادِّعاء أنهم فتحوا 185 تحقيقًا في أعمال «الإرهاب الحضري». وتقول الشرطة والجيش إن 769 ضابطًا أصيبوا بجروح.

ما الذي سيحدث بعد ذلك؟

يرجِّح التقرير أن تستمر الاحتجاجات. وقال فرانسيسكو مالتيز، رئيس الاتحاد المركزي للعمال، إن: «الناس في الشوارع يطالبون بما هو أكثر بكثير من مجرد سحب مقترح الإصلاح الضريبي».

وقال أوليفر واك، المدير العام لكولومبيا في شركة الاستشارات «كونترول ريسكس»، إن: «هذا الاحتجاج لم يعد يتعلق بالإصلاح الضريبي. وبات يتعلق الأمر بالاستياء العام، والجمع بين مستويات الاضطرابات 2018-2019 مع تداعيات الجائحة. واليسار السياسي واليسار المتشدد… يرون الفرصة سانحة للاستفادة من هذه الاضطرابات في دعم إستراتيجيتهم الانتخابية».

وشهدت ولاية الرئيس دوكي في الحكم، التي بدأت في عام 2018، احتجاجات جماهيرية لم تهدأ إلا عندما تفشَّت الجائحة. وتحدد كولومبيا لرئيسها ولاية واحدة مدتها أربع سنوات، وسيختار الناخبون خليفة دوكي العام المقبل. يقول السيناتور المعارض ويلسون أرياس لصحيفة واشنطن بوست: «أنا أربط العنف بقرب موعد الانتخابات الرئاسية. ولأول مرة، يواجهون آثارًا ضارة للغاية».

مطالب المحتجين

وألمح التقرير إلى أن المتظاهرين يطالبون الآن ببرنامج تطعيم لجميع المواطنين، وسحب مشروع قانون لإصلاح النظام الصحي ومساعدة حكومية بالحد الأدنى للأجور على الأقل. ومن المقرر أن تبدأ الاجتماعات يوم الاثنين بين الحكومة وأحزاب المعارضة وقادة المجتمع المدني الرئيسين.

تقول خيمينا سانشيز من مكتب واشنطن لأمريكا اللاتينية لصحيفة واشنطن بوست: «كانت حكومة دوكي ضعيفة بالفعل قبل هذه الاحتجاجات، التي بدأت في عام 2019، لكن جرى تعليق الاحتجاجات بسبب الجائحة والقيود». وأضافت: «عسكرة المدن والقمع والعنف ضد الاحتجاجات المشروعة لن يسحقها بل سيزيد من احتمالية اندلاع صور أخرى من التمرد».

واختتمت المراسلة تقريرها بما قالته خيمينا سانشيز من أن الاضطرابات يمكن أن تمتد إلى دول مجاورة. وتابعت خيمينا: «فيما يتعلق بالمنطقة، كما في عام 2019، رأينا تشيلي تُلهِم كولومبيا والبرازيل ودولًا أخرى، لذا نعم، يمكنها إعادة إحياء الاحتجاجات في جميع أنحاء الأمريكتين».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي