لهذه الأسباب قد لا تتمكن الدول الفقيرة من تطعيم شعوبها قبل عام 2023

Poorer countries might not get vaccinated until 2023
2021-05-08

نشر موقع «ڤوكس» الأمريكي تقريرًا أعدَّته جوليا بيلوز، كبيرة مراسلي الشؤون الصحية في الموقع، استعرضت فيه التفاوت بين الدول الفقيرة والغنية في الحصول على لقاحات فيروس كورونا المستجد؛ إذ بات هذا التفاوت جزءًا لا يتجزأ من كل خطوة من خطوات عملية تصنيع اللقاح.

وتستهل الكاتبة تقريرها فتقول إن البلدان ذات الدخل المرتفع اشترت أكثر من نصف إمدادات لقاحات كوفيد-19 حتى الآن، في حين لم تُؤمِّن البلدان المنخفضة الدخل سوى 9% فقط من اللقاحات، وفقًا لمركز الابتكار الصحي العالمي التابع لجامعة ديوك الأمريكية. وهذا هو السبب في أن دولة مثل الولايات المتحدة تقترب من تطعيم نصف سكانها بجرعة واحدة في حين لا يتجاوز المعدل في دولة مثل غينيا نسبة 1%.

الدول الفقيرة.. تفاوت صارخ

وفيما يخص أفقر دول العالم، تتوقع الكاتبة أن يستغرق الأمر عامين على الأقل لكي تحصل هذه الدول على اللقاح؛ إذ إنها لا تستطيع التنافس على الجرعات المبكرة من اللقاحات لتحصين غالبية سكانها، وذلك في حال استمرت هذه التفاوتات الصارخة في الحصول على اللقاحات. وأمام العالم مدة طويلة تتمتع فيها الشعوب في البلدان الغنية بفوائد التحصين الكامل والسلامة الناتجة منه، بينما ينهش فيروس كورونا أجساد الشعوب في البلدان الفقيرة.

ونقل الموقع عن لورانس جوستين، أستاذ قانون الصحة العالمي في جامعة جورجتاون، قوله في يناير (كانون الثاني): «هذا ليس أمرًا غير مقبول فحسب، ولكنه أيضًا يتعارض إلى حد كبير مع مصالح البلدان ذات الدخل المرتفع»، لافتًا إلى أن تفشي فيروس كورونا في أفقر البلدان سيشكِّل تهديدًا للعالم بأسره في ظل استمرار انتشار الفيروس وتسارع تحوراته في جميع أنحاء العالم.

(رسم بياني يوضح جرعات لقاح كوفيد-19 لكل 100 شخص) – المصدر: Our World in Data

لقاح كورونا: ميزة تتفرَّد بها الدول الغنية

وأوضحت الكاتبة أن البلدان الأكثر ثراءً تتمتع بميزة التصنيع المحلي للقاحات وتطويرها على أراضيها، ذلك أنه ليس من قبيل الصدفة أن عددًا من أوائل لقاحات كوفيد-19 المعتمدة عالميًّا هي من صُنْع شركات مثل «فايزر» و«أسترازينيكا» و«مودرنا» والتي طُوِّرت وطُرِحت للبيع في البلدان ذات الدخل المرتفع. ومع توحش هذه الجائحة في العام الماضي، بدأت الدول الأكثر ثراءً، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، في عقد صفقات مع شركات الأدوية التي كانت تطوِّر لقاحات كوفيد-19، والتي تقع مقرَّاتها الرئيسة داخل حدودها أيضًا.

وتنطوي تلك الصفقات الثنائية على أن الحكومات تمنح الشركات مليارات الدولارات لتسريع وتيرة البحث والتطوير في مقابل إعطاء تلك الدول الأولوية في الحصول على تلك اللقاحات؛ إذا ثبُتت فعاليتها بطبيعة الحال. ولكن الصفقات دفعت أيضًا البلدان الأكثر فقرًا، والتي لم تكن لديها الموارد اللازمة لشراء ملايين الجرعات من اللقاحات التي ربما لا تحصل على موافقة لاستخدامها، إلى ذيل قائمة توريد اللقاحات.

وفي مايو (أيار) 2020، على سبيل المثال، منحت الحكومة الأمريكية شركة «أسترازينيكا» 1.2 مليار دولار أمريكي مقابل 300 مليون جرعة من لقاح كوفيد-19 والذي لم يحظَ بعد بالموافقة على اعتماده داخل الولايات المتحدة.

وكان ذلك مجرد صفقة واحدة من صفقات عدة. وبحلول يناير 2021، كانت البلدان الغنية قد اشترت مسبقًا بالفعل 96% من جرعات لقاح فايزر/بايونتيك المقرر تصنيعها هذا العام، في حين جرى الحديث عن 100% من إمدادات لقاح شركة «مودرنا». ويبدو الاتحاد الأوروبي الآن مستعدًا لوضع اللمسات الأخيرة على صفقة من 1.8 مليار جرعة مع شركة «فايزر».

وقد غطَّت الاتفاقات المبكرة مُجتمعةً سكان البلدان الغنية مرات عديدة في حالة فشل بعض اللقاحات. وبحلول مارس (آذار)، كانت كندا قد أمَّنت ما يكفي من اللقاح لخمسة أضعاف عدد سكانها، واشترت الولايات المتحدة ما لا يقل عن ضعف كمية اللقاحات التي تحتاجها. ومن حيث الجرعات المعطاة بالفعل، وفي حين أن البلدان ذات الدخل المرتفع هي موطن لـ16% من سكان العالم، فقد حصل سكانها على ما نسبته 46% من مليار جرعة من لقاحات كوفيد-19 التي تلقُّوها بالفعل.

أما الدول الأكثر فقرًا، التي يقطنها 10% من سكان العالم، فقد حصلت على ما نسبته 0.4% فقط من الجرعات، وفقا لموقع «أور وورلد إن داتا»، في حين حصلت البلدان في الشريحة الأدنى من فئة الدخل المتوسط، التي تضم 40% من سكان العالم، على 19% من الجرعات.

وقالت أندريا تايلور، الباحثة في معهد «ديوك» للصحة العالمية التي تقوم بتحليل الصفقات، إنه: «بالنظر إلى أن الشركات المصنعة للقاحات تتخذ من البلدان ذات الدخل المرتفع مقرًّا لها، وتُطور في الغالب اللقاحات في تلك البلدان، فإن عديدًا من الشركات التي تمكَّنت من صُنْع اللقاح أولًا كانت من تلك البلدان ذات الدخل المرتفع، وبسبب ذلك، تتمتع تلك الدول بميزة تصنيع اللقاحات على أراضيها».

استخدام القيود على الصادرات

وتطرَّقت الكاتبة إلى استخدام البلدان المنتجة للقاحات ضوابط التصدير من أجل تخزين الإمدادات، موضحةً أن الدول الأكثر ثراءً لم تضْمَن الحصول على اللقاحات أولًا فحسب من خلال ميزة التصنيع المحلي على أراضيها، بل استخدمت أيضًا قيود التصدير للتحكم في إمدادات اللقاح والجرعات التي تغادر حدودها.

وفي 16 أبريل (نيسان)، على سبيل المثال، غرد رئيس معهد الأمصال الهندي، وهو أكبر منتج لقاحات في العالم، على موقع «تويتر» ليطلب من الرئيس الأمريكي، جو بايدن، رفع الحظر المفروض على صادرات المواد الخام التي تعوق إنتاج اللقاح هناك، قائلًا: «الرئيس الأمريكي المحترم، إذا أردنا أن نتحد حقًّا في التغلب على هذا الفيروس، ونيابةً عن صناعة اللقاحات خارج الولايات المتحدة، أطلب منكم بكل تواضع رفع الحظر المفروض على صادرات المواد الخام خارج الولايات المتحدة حتى يمكن زيادة إنتاج اللقاح. وتجد التفاصيل لدى إدارتك».

ونتيجةً لهذا الضغط، رَفَعت الولايات المتحدة القيود للمساعدة في تسريع الإنتاج في الخارج، وتعهد الرئيس بايدن بتقاسم 60 مليون جرعة من لقاح «أسترازينيكا». وباتت الهند، التي تكافح حاليًا تفشي كوفيد-19 المدمر، تستخدم الآن أيضًا قيود التصدير للتشبُّث بجرعات كوفيد-19 التي تنتجها على أراضيها.

وفي الوقت نفسه، كان حظر تصدير اللقاحات الأمريكية والبريطانية مصدرًا للتوترات الدبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي، الذي فرض قيودًا على الصادرات في مارس لتخفيف نقص الإمدادات.

تقويض مبادرة «كوفاكس»

وانتقلت الكاتبة إلى ما وصفته بتقويض الدول الغنية لمبادرة «كوفاكس»، المجموعة العالمية التي تقودها الأمم المتحدة لتقديم اللقاحات لفقراء العالم؛ فقد حدث تخزين اللقاح بالتوازي مع جهود متعددة الأطراف لم يسبق لها مثيل لدعم التطوير والتوزيع العادل لملياري جرعة من لقاحات كوفيد-19 على أفقر بلدان العالم قبل نهاية 2021، فيما يسمى بمبادرة «كوفاكس».

والمبادرة مكوَّنة من جزأين: مجمع مشتريات تموله الدول الأعلى دخلًا، وجهد لجمع التبرعات للدول الأكثر فقرًا. ومن خلال الوعد بشراء عدد معين من جرعات اللقاحات من الشركات المُصنِّعة، سيكون بإمكان البلدان المنضمة لمرفق كوفاكس الحصول على أي لقاح جرت الموافقة عليه في حافظة كوفاكس، في حين تعمل المبادرة أيضًا على خلق سوق عالمية للقاحات وتُسهِم في خفض أسعارها.

وقَّعت أكثر من 190 دولة على الاتفاقية، بما في ذلك الدول الغنية. وقال سعد عمر، مدير معهد ييل للصحة العالمية، إن: «مبادرة كوفاكس تحاول خلق واقع – لقد ناشدت الجانب الخيِّر في جميع البلدان».

لكن الصفقات الثنائية فرَّغت كثيرًا من مضمون مبادرة كوفاكس. وقال جوستين إن الدول الغنية «تريد أن تربح في الاتجاهين؛ فهي من جهة تنضم إلى كوفاكس حتى تُبدي وجهها الملائكي على الصعيد العالمي، وفي الوقت ذاته تسرق من كوفاكس شريان حياتها، وهو جرعات اللقاح».

وأضافت الكاتبة أن الدول الغنية لم تفِ أيضًا بوعودها بتمويل مجمع مشتريات كوفاكس إلى المستويات التي دعت إليها المجموعة. وتعتمد كوفاكس في معظم إمداداتها أيضًا على الهند، التي تفرض الآن قيودًا على الصادرات في الوقت الحالي. والنتيجة هي أن كوفاكس، وفقًا لديوك، لم تُسلم سوى جرعة واحدة من كل خمس جرعات متوقعة بحلول نهاية شهر مايو.

عقبات أخرى

وألمحت الكاتبة إلى أن هناك معوقات أخرى لا يمكن حلها حتى بالتنازل عن حقوق الملكية الفكرية لصناعة الأدوية. فقد اقترح البعض أن على صانعي لقاحات كوفيد-19 التنازل عن براءات اختراعِهم، الأمر الذي يسمح لمزيد من الشركات المُصنِّعة بإنتاج اللقاحات. لكن أندريا قالت إن هذا ليس سوى جزء من الحل لمشكلة عدم المساواة في اللقاحات، وأضافت: «نحن نعلم أن هناك إمكانات تصنيعية لا يمكن تداولها».

والسبب في ذلك كانت معوقات أخرى ظهرت في الأشهر الأخيرة؛ فقد أفاد صانعو اللقاحات بأنهم يكافحون للحصول على الإمدادات الأساسية اللازمة لتصنيع اللقاحات بأمان. على سبيل المثال، توجد تقارير تفيد بأن المرشحات المستخدمة في عملية التصنيع والأكياس البلاستيكية الضخمة (لبطانة المفاعلات الحيوية حيث تُخلط المكونات الصيدلانية) قد نفدت. ومن غير الواضح مدى ضخامة هذه المشكلة، وليس لدينا بيانات منهجية عن النقص العالمي، ولكن عديدًا من الموردين وحتى البلدان ذكروا هذا النقص بوصفه سببًا للتأخير.

لا يمكن للشركات أن تلجأ إلى أي جهة لتلبية احتياجاتها، لكن يمكنها فقط التعامل مع الموردين المؤهلين الذين يستوفون المعايير العالمية التي وضعتها الجهات المنظمة مثل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. ويبيع هؤلاء المورِّدون المنتجات التي تُفحص من خلال دراسات تثبت أن أكياسهم البلاستيكية، على سبيل المثال، لا تُسرِّب السموم إلى اللقاحات أو تسبب تفاعلات تؤدي إلى الإصابة بالحساسية.

قال ماثيو جونسون، المدير المساعد لمعهد ديوك للقاحات البشرية، إن: «هذه الاختبارات تستغرق وقتًا طويلًا، شهورًا من الدراسات المعملية والدراسات على الحيوانات. لذلك، حتى الشركات التي يمكن أن تركز على إنتاج منتجات اللقاح سوف تحتاج إلى وقت لدراستها وضمان سلامتها في ظل نقص الإمدادات».

وهناك مشكلة أخرى لا يمكن أن تحلها تنازلات حقوق الملكية الفكرية للأدوية؛ ذلك أن نقل التكنولوجيا، من صانع لقاح إلى آخر، ينطوي على تقاسم الأسرار التجارية والدراية الفنية، بل الموظفين المدربين أيضًا. وأضاف جونسون أن الشركات التي تصنع حاليًا لقاحات كوفيد–19 «قد لا يكون لديها ما بين 20 و40 شخصًا لإرسالهم إلى هذه المواقع الأخرى» لمساعدة المنتجين الجدد على الارتقاء إلى مستوى السرعة المطلوبة. لذا ففي حين أن التنازل عن حقوق الملكية قد يُسْهِم في حل المشكلة، فإنه ليس سوى جزء من الحل.

إجراءات عاجلة

وشددت الكاتبة على أن تطعيم العالم لا يحتاج إلى وقت طويل، ويمكن للدول الغنية أن تتخذ إجراءات الآن. وليس من المُسلَّم به أن يستغرق الأمر سنوات لتحصين العالم من كوفيد-19. إن هناك طرقًا لتسريع العملية. ويمكن للدول الغنية أن تتبرع بجرعات للبلدان الأكثر فقرًا، وهي خطوة تدعو إليها مجموعات الصحة العالمية منذ شهور، وقد بدأت تحدث استجابة للأزمة في الهند.

وكذلك يمكن للدول الغنية أيضًا أن تبدأ في زيادة الاستثمار في مساعدة البلدان الفقيرة على الاستجابة للأزمة. ويمكنهم الاستجابة لدعوة كوفاكس لمزيد من تمويل المبادرة، على سبيل المثال. أو كما دعا عمر إلى شيء يشبه مبادرة «بيبفار»، برنامج الصحة العالمي الأمريكي لمكافحة الإيدز في جميع أنحاء العالم. وقد وفَّر البرنامج الذي أُطلق في عهد الرئيس الأمريكي، جورج دبليو بوش، في عام 2003 نحو 90 مليار دولار لمكافحة الإيدز حتى الآن.

وأضاف عمر: «إنه يبدو أمرًا مُكلفًا ولكن التكلفة ستكون باهظة على الجميع، بما في ذلك البلدان ذات الدخل المرتفع، مع مرور كل شهر أو أسبوع يحدث فيه انتقال للمرض في جميع أنحاء العالم. وما يحدث في الهند يمكن أن يحدث في مجموعات كبيرة أخرى من السكان وينبغي أن نهتم لذلك جميعًا»، بحسب ما يختم التقرير.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي