أسرار التوازن.. ماذا تعلمنا بعد مرور عام على العمل من المنزل؟

The balancing act: what we've learned from one year of working from home
2021-05-03

نشر موقع «المنتدى الاقتصادي العالمي» تقريرًا كتبه دان شاوبل، مؤلف ثلاثة من الكتب الأكثر مبيعًا على قائمة «نيويورك تايمز»، تحدث فيه عن الدروس التي تعلمناها عن التوازن في الحياة، بعد مرور عام على العمل من المنزل.

يقول الكاتب في مستهل تقريره: أجبرتنا الجائحة على العمل عن بعد؛ فتداخلت جوانب الحياتين المهنية والمنزلية تداخلًا لم نشهد له مثيلًا من قبل. صحيحٌ أن هذه البيئة الجديدة عادت ببعض النفع على العلاقات الشخصية والمهنية، لكنها في الوقت ذاته أدت إلى اضطراب التوازن بين الحياة العملية والحياة الاجتماعية اضطرابًا كبيرًا.

تأثر الجميع بالجائحة تحت وطأة مشاعر الحزن، والخوف، والإحباط، التي تكالبت علينا مجتمعيًّا. وما بدا تحولًا مفاجئًا إلى العمل عن بعد – وما تطلبه ذلك من إيجاد مكاتب مناسبة، ولوحات مفاتيح لاسلكية – تطور الآن إلى تعايش معقد بين بيئة العمل والحياة الأسرية. وفي العام الماضي شهدت مراكز التكنولوجيا، مثل سان فرانسيسكو، نزوحًا جماعيًا كبيرًا؛ فلم تعد وجبات الطعام الشهية، ولا ممارسة اليوجا مع الجراء تكفي لإغراء العاملين في مواقع معينة بالبقاء.

لرسم صورة لما يمكن أن نتوقعه في عالم ما بعد الجائحة يستشهد التقرير باستطلاع رأي أجرته مؤسسة «يوجوف» ومنصة «ميرو» – التي تستخدمها 95% من الشركات المدرجة على قائمة مجلة فورتشين لأعلى 500 شركة مساهمة أمريكية حسب إيراداتها – شارك فيه ألف شخص بالغ بآرائهم حول بيئة العمل الجديدة، وكيف أثرت على صحتهم وعلاقاتهم.

سُئل المشاركون: إلى أي مدى تأثرت علاقتك – إن وجد – سلبًا أو إيجابًا بشريكك منذ انتقلت إلى العمل من المنزل نتيجة الجائحة؟ فكانت إجاباتهم كما يظهر في الرسم البياني التالي:

ما اكتشفناه مؤخرًا عن فوائد العمل من المنزل

يقول الكاتب: أكسبنا العمل من المنزل حرية ومرونة في الاقتراب من الناس الأكثر أهمية بالنسبة لنا، وهو ما أثار إلهام كثيرين في هذه البيئة الجديدة، خاصة حول مدى أهمية علاقاتنا، والدور الرئيس الذي تضطلع به في سعادتنا ورفاهيتنا عمومًا. وبمجرد أن تضع الجائحة أوزارها، ويفتح العالم أبوابه مرة أخرى، سنُبقي هذه الأمور على رأس أولوياتنا، بعضها بطريقة ملموسة أكثر من البعض الآخر.

وقال ما يقرب من نصف (51%) من العاملين في مجال المعرفة المشاركين في الاستطلاع أن السبب الرئيسي وراء تحولهم إلى العمل الدائم من المنزل هو «أن يكونوا أقرب إلى العائلة والأصدقاء» أو «أن تكون لديهم عائلة». يتابع التقرير: لقد أصبحت البيئة الجديدة حجر الزاوية في الحفاظ على توازننا العقلي وسط حالة انعدام اليقين التي تجتاح العالم. كما تحسنت العلاقات في هذه البيئة الجديدة، على المستويين الشخصي والمهني.

ففي خضم الأوقات الصعبة، نحتاج إلى هذه الهياكل الاجتماعية للصمود في مواجهة الإجهاد والتعب الناتئج عن العمل. ومع انشغال معظم ساعات يوم العمل بالاجتماعات الافتراضية، خلص الاستطلاع إلى تحسن العلاقات مع الشركاء (40%) والعائلة والأصدقاء (30%) والأطفال دون سن 18 (44%). ومن الناحية المهنية، تحسنت العلاقات مع المديرين (28%) والزملاء في فريق العمل (25%) وبقية الزملاء (21%)؛ مما جعل الانتقال إلى العمل عن بُعد أكثر سلاسة.

تتضح أهمية هذه النتائج حين نعلم أن الوقت الذي أمضاه الموظفون في العمل أثناء فترة كوفيد-19 كان أكثر من الوقت الذي أمضوه في العمل قبل تفشي الجائحة، وقد أثر ذلك على علاقاتهم مع مديريهم، وهو أمر بالغ الأهمية لحياة عمل سعيدة وصحية.

وحين سئل المشاركون في الاستطلاع: إلى أي مدى زاد عبء العمل أو نقص – إذا حدث أي تغيير – منذ انتقلت إلى العمل من المنزل نتيجة للجائحة؟ جاءت إجاباتهم كما يظهر في الرسم البياني التالي:

سلبيات العمل من المنزل

إلى جانب هذه الإيجابيات، يرصد التقرير بعض السلبيات، أبرزها: الإرهاق. ولأن كثيرين باتوا يفضلون العمل من المنزل، أصبح تحقيق التوازن أمرًا بالغ الأهمية للإبحار في هذه المياه المكتشفة حديثًا.

قال ما يقرب من نصف (46%) العاملين في مجال المعرفة المشاركين في الاستطلاع إن عبء العمل تزايد على عاتقهم (وهو أمر يفترض أنهم لا يرحبون به) خلال العام الماضي الذي قضوه وهم يعملون من المنزل. ذلك أن الإجازات المؤقتة التي فرضها أصحاب العمل على بعض الموظفين، بالإضافة إلى ضرورة تسيير دفة الأعمال في هذه البيئة المضطربة، ألقت على عاتق فرق العمل المتبقية مهامًا أكثر بكثير من المعتاد.

ولأن الموظفين لم يعودوا ينتقلون إلى مقر العمل ذهابًا وإيابًا؛ توافر لديهم المزيد من الوقت، فماذا يفعلون به؟ أُلقي المزيد من العمل على عاتقهم. يؤكد ذلك ما خلصت إليه دراسة أجرتها شركة «وورك بليس إنتليجنس» – التي يشترك الكاتب في إدارتها – وشركة «أوراكل»، إلى أن 35% من العاملين في مجال المعرفة يعملون أكثر من 40 ساعة إضافية كل شهر، و25% يشعرون بالإنهاك تحت وطأة العمل الإضافي.

ليس هذا فقط، فما يقرب من سبعة من كل 10 من العاملين في مجال المعرفة (68%) الذين قالوا إنهم يعملون في عطلة نهاية الأسبوع، وحوالي نصف (45%) الموظفين عن بعد، أفادوا بأنهم يعملون بانتظام لأكثر من ثماني ساعات في اليوم.

كما أن قلة التنقل، أو اختزال روتين اليوم الصباحي، يُضعِف التوازن بين العمل والحياة. إذ يبدأ ثلث العاملين في مجال المعرفة عملهم في غضون 20 دقيقة من الاستيقاظ، وينتظر خُمسهم فقط مستيقظًا لأكثر من ساعة قبل أن يبدأوا العمل. وهكذا فإنهم لا يتناولون وجبة الإفطار، ولا يمارسون التمارين الرياضية، ولا يوجد لديهم وقت للتأمل، وإنما يذهبون مباشرة إلى تصفح البريد الإلكتروني وجداول البيانات.

كما أن هذه البيئة الجديدة لا تهدئ أي مخاوف بشأن الأمان الوظيفي. إذ يشعر ما يقرب من نصف العاملين عن بُعد بعدم الأمان فيما يتعلق بأدوارهم ومواقعهم داخل شركاتهم في غياب التواصل والتفاعل الشخصي. وقال 20% من المشاركين في الاستطلاع: إن قلقهم زاد بشأن احتمالية أن ينظر إليهم زملاؤهم باعتبارهم غير مؤهلين أو محتالين. فيما قال أكثر من الربع (29%): إنهم شككوا في إنجازاتهم أكثر.

العمل من المنزل.. كيف تصبح تجربة ناجحة؟

ينصح الكاتب بالاستفادة من الفعاليات، أو الفرص الافتراضية للتواصل مع أشخاص من خارج فريقك. حتى إذا لم يعرضوا عليك ذلك، حاول التخطيط بنفسك لإيجاد فرصة. فالمصادفة تؤدي إلى الابتكار. ويمكنك تحديد موعد لاجتماع غير رسمي عبر تطبيق «زوم» لا يوجد فيه جدول أعمال.

إذا كانت شركتك تخطط للعودة إلى العمل من المكتب بعد انتهاء الجائحة، فتذكر أنه لم يزل بإمكانك الدفاع عن نموذج هجين لقضاء المزيد من الوقت في المنزل مع عائلتك. وتأكد من جعل يوم عملك أكثر توازنًا؛ من خلال إعطاء الأولوية لاستراحات الغداء اليومية والمشي الروتيني.

يضرب التقرير على ذلك مثلًا: شركة «سيتي جروب» التي ستتبنى نموذجًا هجينًا يسمح للعمال بالعمل عن بعد ليومين، والذهاب إلى مقر العمل في الثلاثة أيام المتبقية. وهكذا تجمع بين الفائدتين: فالحضور إلى مقر العمل يعزز التوجيه التعاوني، ويساعد على توحيد فرق العمل، فيما يمنح العمل عن بُعد الموظفين المزيد من المرونة والاستقلالية.

وتتبنى شركة «أدوبي» أيضًا نهجًا مختلطًا لتحقيق التوازن بين مزايا العمل من المكتب إلى جانب العمل من المنزل – مثل سيتي جروب – بهدف إرضاء موظفيها، وتحفيزهم على تقديم أفضل أداء يستطيعونه، على حد قول الكاتب.

والأهم من ذلك أن تضع حدودًا بين العمل والحياة، إذا لم تكن تلك الحدود موجودة بالفعل. ذلك أن التكنولوجيا أتاحت إمكانية التواصل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وأنت بحاجة إلى تحديد وقت للعمل ووقت للراحة، ويتعين عليك تخصيص وقت واضح للأنشطة الشخصية، مثل ممارسة التمارين، وتناول الوجبات، وإجراء المكالمات الهاتفية مع عائلتك.

كما يجدر بك أن توضح لزملائك في العمل أنك لن تكون متاحًا للتواصل بعد الساعة الخامسة أو السادسة مساء خلال الأسبوع، أو لن تكون متاحًا في أي وقت خلال عطلات نهاية الأسبوع، ما لم تكن هناك حالة طارئة.

ويختم الكاتب تقريره بالقول: حين تحدد أوقاتك بدقة، وتتحلى بالصراحة مع فريقك، يمكنك أن تتحكم أكثر في حياتك العملية. ولأن العمل عن بعد قد يستمر دعونا نستفد من هذه البيئة الجديدة لصالحنا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي