لوبوان: 3 مايو 1320.. اليوم الذي أعدمت فيه جماعة فرنسية يهود تولوز

2021-05-03

في مثل هذا اليوم، الثالث من مايو/أيار 1320م، قتل جماعة الباستور "الرعاة" المسيحية كل يهودي وجدوه في مدينة تولوز الفرنسية، وحاصروا 500 منهم في برج وخيّروهم بين التعميد والموت!

وكانت هناك حملة صليبية شعبية انطلقت في تلك الأثناء تحت رعاية اثنين من رجال الدين الفرنسيين، "لقتل الكفار واستعادة شبه الجزيرة الإيبيرية من المسلمين"، ولكنها أخفقت في الحصول على دعم الكنيسة والنبلاء فتوجهت إلى قتل مئات اليهود والفرنسيين ونهب المدن والقرى في فرنسا وأراغون، قبل أن يباد أفرادها في العام نفسه.

وفي استعادة لهذه الذكرى، قالت مجلة لوبوان (Le Point) الفرنسية إن 10 آلاف من المتسولين وشذاذ الآفاق يسمون أنفسهم "الرعاة" (Pastoureaux) اجتاحوا فجأة شوارع باريس في صفوف طويلة، وهم يلوحون بالعصي بعدوانية ويغنون المزامير، فاضطر السكان إلى الاختباء في منازلهم والتجار إلى إغلاق محالّهم.

وتساءل الناس: من هؤلاء الغزاة ذوو المظهر البائس؟ ليردوا عليهم بأنهم ذاهبون في حملة صليبية، وأنهم انعطفوا إلى باريس للحصول على دعم الملك ولتحرير بعض من السجناء في "شاتليه" بالقوة إن اقتضى الأمر. وعندما قابلهم والي باريس للتفاوض معهم، قتلوه دهسا على درجات السجن واندفعوا إلى القلعة المظلمة لإخراج رفاقهم من محبسهم.

ودفع هذا العنف السلطات -كما تقول المجلة- إلى إرسال قوات لمواجهة الغزاة الذين فضلوا التراجع، وسط توجيه الشتائم إلى الجيش، ولكن دون أن تحدث معركة، لأن "الرعاة" في النهاية، انسحبوا وسلكوا الطريق إلى منطقة آكيتاين (جنوب غرب)، بعد إخفاقهم في إقناع الملك بدعم حربهم الصليبية، وقرروا تطهير جنوب البلاد عرقيا، وإن لم يجدوا المحمديين (المسلمين) فالتطهير من اليهود.

 

تهديد البابا

وانطلقت حملة الرعاة الصليبية الثانية هذه -بعد الحملة الأولى عام 1251- من مونت سان ميشيل، حيث نزل الفلاحون الشباب للحج من شمال فرنسا، بعد أن أقنعهم راهب مرتد وكاهن مطرود من الكنيسة بالذهاب لمحاربة الكفار في الأرض المقدسة، ليتحولوا بالتعزيزات التي لقوها إلى جيش من آلاف من البائسين، بين الرعاة والفلاحين الذين هجروا أراضيهم، والشباب واللصوص والمتشردين والفتيات، راسمين الصلبان على ثيابهم.

ومرّت هذه القوات بمن اندسّ فيها من اللصوص بباريس لإقناع ملك فرنسا بالذهاب في الحملة، ولكن فيليب الخامس لم تكن لديه الرغبة في الذهاب إلى "الأرض المقدسة"، لما هو منشغل به من محاولة استعادة المقاطعات المفقودة من بلاده، ولأنه لم يكن متحمسا للذهاب إلى "المحمديين" ليعيد قطعا، ما حدث لجده الأكبر سانت لويس.

وحتى البابا -كما تقول المجلة- هدد هذا الجيش بالحرمان، فاتجه البائسون المطرودون من باريس إلى تولوز، ليتحول من يدّعون أنهم صليبيون إلى عصابة من اللصوص يرهبون وينهبون وينتهكون ويذبحون كل من في طريقهم، مستهدفين اليهود بالدرجة الأولى دون أن يهابوا نهب الكنائس والأديرة، ودون أن يستطيع أحد إيقاف هذا الجراد الجائع الذي اجتاح مدينتي سانت وأنغوليم، ونهب ما فيهما.

وأخيرا وصل هذا الجيش الذي أصبح نحو 40 ألفا، إلى تولوز يوم 25 يونيو/حزيران، بعد المرور بمدن عدة ونهبها، ليلجأ اليهود إلى قلعة ناربوني، ولكن الرعاة طردوهم وذبحوا كل من رفض قبول المعمودية، فكانت النتيجة 115 قتيلا.

الحصار

ومن تولوز ذهب جزء من هذه القوات إلى إسبانيا لمواصلة عمليات القتل هناك، في حين صعد جزء منهم في نهر غارون، إلى حيث أغلق نحو 500 يهودي على أنفسهم برج قلعة فردان سور غارون، وسرعان ما حاصروهم، فاضطر اليهود الذين اقتنعوا في النهاية بأن لا نجاة لهم، إلى ما يمكن عدّه انتحارا جماعيا.

ويروي غيليوم دو نانجي المتوفى في حدود 1300م، في يومياته أن "الرعاة أشعلوا النار في أحد أبواب البرج وأزعجوا اليهود المحاصرين بالدخان والنيران، فقرر المحاصرون قتل أنفسهم بدلا من الموت على يد رجال غير مختونين، فوكلوا أحدهم أن يذبحهم بسيفه، وبعد أن قتل قريبا من 500 منهم، نزل من البرج مع الأطفال وعدد قليل من الرجال، وأخبر الرعاة بما فعل، طالبا تعميده مع الأطفال، إلا أن الرعاة رأوا أنه قام بجريمة نكراء بحق أمته تجنبا للموت، وعلى الفور قطعوا أطرافه وقتلوه، ثم عمدوا الأطفال ليصبحوا من الكاثوليك المؤمنين"، وبعد أن اكتمل التطهير العرقي، واصل جيش المتسولين طريقه وجرائمه -كما تقول المجلة- في كل مدينة يمر بها.

ومع أن ملك فرنسا أمر "المسيحيين الطيبين بحماية اليهود من عصابة البرابرة هذه، فإن كثيرا من المسيحيين الذين كانوا سعداء بقتل اليهود رفضوا الانصياع لهذا الأمر، قائلين إنه ليس من العدل الوقوف إلى جانب الكفار أعداء الدين المسيحي في مواجهة إخوانهم الكاثوليك".

وتختم يوميات نانجي ملحمة الرعاة الذين تحولوا إلى لصوص، بالقول "أخيرا اعترض الجيش الملكي، تحت قيادة إيمريك دو كروس، جيش الرعاة عند أبواب مدينة كارون ليفرمهم هناك، ويطارد الناجين منهم بلا رحمة، وفي خريف عام 1320 عاد الرعاة جميعا إلى الجنة أو إلى جهنم".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي