
كان من الصعب على المصادر المستقلة تقييم التقدم الذي أحرزه البرنامج النووي الإيراني على مدى الأعوام الـ 5 الماضية، ولكن مما لا شك فيه أن البرنامج تقدم بشكل كبير. وقدمت مصادر مختلفة تقديرات متباينة لإجمالي استثمارات إيران في برنامجها النووي. وبالنظر إلى الأيديولوجية السائدة في سياسة إيران الخارجية والجدل حول ميزان القوى في المنطقة، فمن غير المتوقع توقف البرنامج النووي الإيراني تماما.
إذن كيف يُنظر إلى مستقبل البرنامج النووي الإيراني في ظل خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015؟ حسنا، حتى عام 2024، تقتصر إيران على 5 آلاف و60 جهاز طرد مركزي من الجيل الأول. وعند انتهاء الاتفاقية، يُسمح لإيران ببناء جيل أحدث وأكثر تقدما من أجهزة الطرد المركزي.
وفي الوقت الحالي، فإن "وقت الاختراق" المطلوب لإيران لبناء قنبلة ذرية هو عام واحد، لكن هذا الإطار الزمني سيتم اختصاره مع تحسن تكنولوجيا أجهزة الطرد المركزي الإيرانية ومخزونات اليورانيوم عالي التخصيب
وتسببت تهديدات إيران المتكررة بزيادة التخصيب لأكثر من الحد المتفق عليه وبالتالي تقليل الوقت اللازم لبناء قنبلة، في تقويض الثقة في الدبلوماسية النووية الإيرانية في حقبة ما بعد خطة العمل الشاملة المشتركة.
الردع النووي والعبء الاقتصادي
ويعتقد بعض الخبراء في الشأن الإيراني أن استمرار إيران في برنامجها النووي وامتلاكها أسلحة نووية سيسمح لها بمواصلة التنمية الاقتصادية في مأمن من تهديد العمليات العسكرية الأمريكية. وبشكل عام، لدى إيران 3 خيارات فيما يتعلق ببرنامجها النووي. أولا، يمكنها التخلي عن كامل برنامجها النووي سعيا وراء السلام. ثانيا، يمكنها استخدام التخصيب النووي كورقة مساومة لتخفيف العقوبات من خلال المفاوضات الحالية. وأخيرا، يمكنها التضحية بكل شيء في مقابل الحصول على سلاح نووي.
ومن الواضح أن الخيار الأول ليس واقعيا وليس من بين خيارات النظام الإيراني. ولن يفشل التخلي عن البرنامج النووي في حل مشكلة إيران الأمنية فحسب، بل سيؤدي أيضا إلى مضاعفة المخاوف الأمنية لصانعي القرار والنخب الإيرانية. ولا يوجد شيء يمكن تكسبه طهران من الخيار الثاني، فلم تنجح جولة المفاوضات السابقة التي استمرت ما يقرب من عقدين من الزمن، في إيجاد حل للتحديات الوجودية التي تواجهها إيران. وفي الواقع، يمكن القول إنها أدت إلى تفاقم مشكلات إيران على الأرجح.
لذلك، فإن الخيار الأخير والأكثر ترجيحا لدى إيران هو الوصول إلى الردع النووي. ويمكن القول إن امتلاك إيران للسلاح النووي، وتحقيق الردع النهائي، هو الخيار الوحيد المتاح أمام إيران لتأمين بقائها والالتزام الكامل بالتنمية الاقتصادية.
ومع ذلك، لا شك أن هناك العديد من التحديات أمام استراتيجية الردع النووي. ووفقا لتقرير من مؤسسة "كارنيجي" عام 2013 كتبه محلل الشأن الإيراني "كريم سجادبور"، كانت هناك حاجة إلى ما يقرب من 100 مليار دولار لتغطية تكاليف البناء والتشغيل والبحث في ظل العقوبات الدولية المفروضة على الطاقة النووية.
وفي عام 2015، قدر "سجادبور" أن التكلفة على إيران ستصل قريبا إلى 500 مليار دولار. كما أن هذه التكلفة لا تشمل الجوانب غير القابلة للقياس الكمي. على سبيل المثال، بسبب العقوبات الأمريكية، لم تتمكن إيران من الوصول إلى الأسواق الخارجية، ما أدى إلى عيوب طويلة الأجل للاقتصاد. وبالرغم من ذلك، لم تتراجع عزيمة إيران أو تستسلم للتكاليف الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن العقوبات، واستمرت في متابعة طموحاتها النووية.
وتوجد تقديرات أخرى مختلفة. ففي 11 مارس/آذار 2021، قال نائب الرئيس الإيراني رئيس هيئة الطاقة الذرية "علي أكبر صالحي" إن الميزانية الإجمالية لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية خلال الـ 30 عاما الماضية كانت بين 6.5 إلى 7 مليارات دولار، أو 250 مليون دولار كل عام. وكان الرئيس السابق "محمود أحمدي نجاد" قد قدر في وقت سابق أن أنشطة إيران النووية كلفت البلاد أكثر من 30 مليار دولار على مدار عمرها.
ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" عن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" قوله إن وقف البرنامج النووي الإيراني كان من أهم أولوياته. وفي دفاعه عن معارضته للاتفاق النووي، قال: "لقد تخلفت إيران عن الركب لأعوام بسبب ما فعلته، وبسبب ما سأفعله، لن يكون لديهم سلاح نووي أبدا. طالما أنني رئيس الوزراء، لن تمتلك إيران أبدا قنبلة نووية".
وكان "نتنياهو" قد أبدى مرارا وتكرارا معارضته لبرنامج إيران النووي وحذر من العواقب الخطيرة لإيران النووية على الأمن القومي لإسرائيل.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، تحدث المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية "رافائيل جروسي" إلى شبكة "سي بي إس نيوز" حول "خطر البرنامج النووي" بين إيران وكوريا الشمالية، وانتقد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، قائلا إن انسحاب "ترامب" أحادي الجانب من الاتفاق النووي مع إيران يهدد بتسريع امتلاكها لسلاح نووي. وقال: "منذ ذلك الحين، قررت إيران تقليص التزامها تدريجيا ردا على الانسحاب الأمريكي.. وتواصل إيران برنامجها النووي بشكل علني".