لماذا تأخر اللقاح في هذه الدول برغم تعاملها الجيد مع الجائحة؟

These Countries Did Well With Covid. So Why Are They Slow on Vaccines?
2021-04-22

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تقريرًا أعدَّته كلٌ من موتوكو ريتش، مديرة مكتب الصحيفة في العاصمة اليابانية طوكيو، وليفيا ألبيك ريبكا، مراسلة الصحيفة في أستراليا، ومايكو إينو، مراسلة الصحيفة في اليابان، سلَّطن فيه الضوء على عدد من الدول التي تمكَّنت من التعامل جيدًا مع جائحة فيروس كورونا المستجد، لكنها تأخرت في الحصول على اللقاحات المضادة لكوفيد-19؛ مما يُنذر بتلاشي ما حقَّقوه من نجاحات ضد هذه الجائحة.

تقاعسٌ بعد نجاح

وفي بداية التقرير، تشير المراسلات إلى أنه في الوقت الذي عانت فيه أوروبا أولًا ثم الولايات المتحدة على نحو خطير طيلة العام الماضي من الإصابات والوفيات الناجمة عن تفشي فيروس كورونا المستجد، نجحت الدول المطلة على المحيط الهادئ في إبعاد شبح الجائحة عنها من خلال اتباع مجموعة من الأساليب؛ إذ أجرت كوريا الجنوبية مجموعة اختبارات محلية واسعة على مستوى البلاد، وفرضت أستراليا ونيوزيلندا إغلاقًا كاملًا على البلاد، والتزم الناس في اليابان بارتداء الأقنعة واستجابوا لدعوات التباعد الجسدي.

بيد أن هذه الأدوار عُكسِت في الوقت الراهن. إذ كانت هذه الدول، التي سيطرت على الفيروس إلى حد كبير، من بين الأبطأ في العالم المتقدم في تطعيم سكانها باللقاحات المضادة لكوفيد-19، بينما قفزت دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة، التي عانت من تفشٍّ خطيرٍ للفيروس، إلى مقدمة الدول التي أحرزت تقدمًا في تطعيم شعوبها.

وأوضح التقرير أن الولايات المتحدة طعَّمت ما يقرب من ربع سكانها بالكامل، وأعطت بريطانيا الجرعة الأولى من اللقاحات لنحو نصف سكانها. وعلى النقيض من ذلك، لم تُطعِّم أستراليا وكوريا الجنوبية سوى 3% من السكان، كما طعَّمت اليابان ونيوزيلندا 1% من السكان بجرعة واحدة من اللقاح.

أين اللقاح؟ سراب النجاح النسبي

وأبرز التقرير أن الدول المتقاعسة عن الحصول على اللقاحات تستفيد إلى حد ما من ترف الوقت، الذي توفره لها المعدلات المنخفضة نسبيًّا في أعداد الإصابات والوفاة لديها. وتعتمد هذه الدول كافة على اللقاحات المطورة – والمصنعة في الوقت الحالي- في دول أخرى.

وفي الوقت الحالي، قد يؤدي التأخير في الحصول على اللقاحات إلى تلاشي نجاحاتها النسبية في مجال الصحة العامة وتأجيل التعافي الاقتصادي، في ظل ظهور سلالات جديدة من الفيروس شديدة العدوى، بالإضافة إلى أن القيود والاختناق المروري يؤدي إلى إبطاء شحنات اللقاحات في جميع أنحاء العالم.

وفي هذا الصدد، قال روبرت بوي، خبير الأمراض المعدية واللقاحات في جامعة سيدني في أستراليا، إن: «النجاح الكبير في السيطرة على أي مرض يُقلل من الدوافع والجهود المبذولة لإنشاء عيادات التحصين السريعة. وعندما يقضي المرض على الناس ونراهم يموتون من كل جانب من حولنا، تصبح الحاجة إلى التحرك واتخاذ الخطوات ظاهرة وواضحة».

وأضاف بوي قائلًا: «نحن بحاجة إلى الاعتراف بحالة الرضا عن الذات التي تتكون لدينا. ونحن مجرد ظاهرة فردية واسعة الانتشار بعيدة عن المتاعب».

موعد مع الأولمبياد المؤجلة

ولفت التقرير إلى أنه لا يُوجد في العالم دولة يحيق بها هذا القدر الكبير من المخاطر مثل اليابان، التي تكافح مع ارتفاع حالات الإصابة بالمرض وزيادة أعداد الوفيات الناجمة عنه قبل أقل من 100 يوم على انطلاق دورة طوكيو المؤجلة للألعاب الأولمبية من العام الماضي. وقال منظمو دورة الألعاب الأولمبية إنهم يستطيعون إدارة المباريات بأمان من خلال الرجوع إلى عدد من التدابير الطوعية التي اعتمدت عليها السلطات اليابانية للسيطرة على الجائحة.

بيد أن هذه الجهود تسبِّب إنهاكًا لأصحاب البلاد، إذ وصل عدد حالات الإصابة بالفيروس في اليابان إلى أعلى مستوياته منذ يناير (كانون الأول)، مع الإبلاغ عن أكثر من 4500 إصابة جديدة يوم الجمعة. وبدأت عملية التطعيم باللقاح للتو، ولن يكون عامة الشعب قد تلقوا اللقاح بالكامل بحلول حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في يوليو (تموز).

ونوَّه التقرير إلى أن الانتشار البطيء للفيروس في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بدأ في إصابة بعض سكان دول هذه المنطقة بالإحباط، بعدما سئموا من القيود المفروضة على السفر ونزهات المطاعم والتجمعات العائلية لأكثر من عام. ويودون الفِكاك من هذه التدابير والعودة إلى الحياة الطبيعية، لكن الشعور بالارتياح قد يظل بعيدًا لعدة أشهر أخرى.

ما السبب وراء بطء حملات التطعيم؟

وفي السياق ذاته، قالت إيريكا إينو، البالغة من العمر 24 عامًا وتعمل في مجموعة بحثية في طوكيو، والتي تقدم الاستشارات في المشروعات الخاصة بالحكومات المحلية والشركات التجارية، إنها تحسد أصدقاءها في الولايات المتحدة الذين تلقوا التطعيمات. وتوضح إيريكا، التي تتمنى حضور حفل زفاف أحد أصدقائها في تونس، قائلة: «من بين مجموعة أصدقائي، أنا الوحيدة الذي لم أحصل على التطعيم ضد كوفيد-19. ولا يمكنني الانتظار أكثر من هذا».

وبحسب التقرير، تأخرت اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا كثيرًا عن الجداول الزمنية للتطعيم التي وضعتها منذ أشهر. وبدأت طوكيو الأسبوع الماضي في إعطاء جرعات اللقاح لمن تتجاوز أعمارهم 65 عامًا. بينما قالت السلطات في كوريا الجنوبية في بداية الأمر إنها ستكون قادرة على تطعيم حوالي مليون شخص يوميًّا، لكن بلغ متوسط عدد مَنْ حصلوا على التطعيم قرابة 27 ألفًا في الثلاثة أشهر الأولى من حملة التطعيم. كما أخفق مسؤولو الصحة في أستراليا هذا الشهر في تحقيق هدف يتمثل في تطعيم جميع سكان البلاد بحلول نهاية العام الجاري.

ويضيف التقرير أن السلطات في أستراليا واليابان ألقت باللائمة فيما يخص بطء إجراءات حملات التطعيم على مشكلات الإمداد باللقاحات من أوروبا. إذ أعلنت أستراليا «أن الاتحاد الأوروبي فشل في تزويدها بـ3.1 ملايين جرعة من لقاح أسترازينيكا»، بينما صرَّح متحدث باسم المفوضية الأوروبية قائلًا: «إن إيطاليا منعت تصدير 250 ألف جرعة من اللقاح إلى أستراليا في شهر مارس (آذار)»، لكن المسؤولين الأستراليين أوضحوا أن بقية الجرعات لم تصل إليهم ببساطة، سواء مُنعت عنهم أو حدث شيءٌ آخر.

ويُشير التقرير إلى أن أستراليا واجهت مزيدًا من التداعيات مع منعها إعطاء لقاح أسترازينيكا للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 50 عامًا بعد تقارير تفيد أنه يسبب حدوث جلطات دموية نادرة جدًّا.

تراشق بالتصريحات

من جانبه، اشتكى تارو كونو، الوزير المسؤول عن برنامج التطعيم في اليابان، من موافقة الاتحاد الأوروبي على إمدادات اللقاحات على أساس كل شحنة بدلًا من الموافقة على شحنات متعددة في وقت واحد. وأعرب قائلًا: «يمكننا الحصول على اللقاحات التي منعها الاتحاد الأوروبي»، في إشارة إلى الجرعات التي منعها الاتحاد الأوروبي من الوصول إلى أستراليا.

وردًّا على هذه التصريحات، قالت باتريسيا فلور، سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى اليابان، إن: «الاتحاد الأوروبي سمَح بشحن أكثر من 39 مليون جرعة إلى اليابان. وأرفض تمامًا ومطلقًا أي بيان يزعم أن الطريقة التي تسير بها حملة التطعيم في اليابان مرتبطة بأي شكل من الأشكال بالتأخير أو المشكلات في عمليات تسليم جرعات اللقاح من الاتحاد الأوروبي».

وسواء كان السبب في تأخر حملات التطعيم تُعزى إلى مشكلات تتعلق بالإمدادات أم لا، فهناك عوامل أخرى أدَّت أيضًا إلى التأخير في التطعيمات. إذ تشترط اليابان إجراء تجارب إكلينيكية محلية على لقاحات جديدة، وبدأ المسؤولون، في كل من اليابان وكوريا الجنوبية، بحذر في تقديم مسوغات لإقناع الأشخاص الذين يعربون عن ترددهم في الحصول على اللقاحات المضادة لكوفيد-19.

يقول كيم مينهو، البالغ من 27 عامًا، الباحث في معهد البحوث الهندسية في سيول، إن: «الحكومة اعتمدت اعتمادًا كبيرًا على تدابير مثل التباعد الجسدي للحد من معدلات الإصابة. وتأخرت كوريا عن ركب الحصول على اللقاح».

الرجال المناسبون في المكان غير المناسب

وعلى غرار كوريا الجنوبية، قال الخبراء إن اليابان ربما فشلت ببساطة في التفاوض بشأن التعاقدات التي تتطلب التسليم المبكر لجرعات اللقاحات. وفي بيان لها، قالت شركة «فايزر» إنها ستفي بالتزامها الخاص بتقديم 144 مليون جرعة لليابان بحلول نهاية عام 2021. ولم تُقدم اليابان بعد موافقة الجهات التنظيمية على لقاحات مودرنا أو أسترازينيكا، على الرغم من تعاقدها مع الشركتين لشراء ملايين الجرعات من هذين اللقاحين.

استشهد التقرير بما قاله د. هيرويوكي موريوتشي، أستاذ الصحة العالمية في جامعة ناجازاكي، إن: «مسؤولي وزارة الصحة متخصصون في مجال الصحة العامة. ولكن عندما يتعلق الأمر بالإجراءات أو إبرام التعاقدات، فهم ليسوا محترفين أو خبراء في هذا المجال». وأضاف قائلًا: «لو أدركت اليابان خطورة الأزمة كما ينبغي، لما اعتمدت على مسؤولي وزارة الصحة فقط للتفاوض على مثل هذه التعاقدات».

كما يتوقع كونو، الوزير المسؤول عن برنامج التطعيم، أن توزِّع اليابان جرعات كافية على 36 مليون من كبار السن في البلاد بحلول نهاية شهر يونيو (حزيران). لكنه لم يُقدم أي توقعات، خلال الإفادة الخبرية، بشأن موعد تطعيم بقية الشعب.

تأجيل اللقاح أم إلغاء الأولمبياد؟

وألقى التقرير الضوء على أن منظمي دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو قالوا إنهم لن يطلبوا تطعيم الرياضيين أو المسؤولين الأولمبيين أو الصحافيين الأجانب من أجل الدخول إلى اليابان، على الرغم من أن الجمهور والمشاهدين الأجانب ممنوعون من حضور دورة الألعاب الأولمبية. وقالت سيكو هاشيموتو، رئيسة اللجنة المنظمة لأولمبياد طوكيو، في يوم الجمعة إنه على عكس الدول الأخرى، لم تخطط اليابان لإعطاء الأولوية للرياضيين في التطعيم باللقاحات.

وأعرب أكثر من 70% من المشاركين في استطلاعات الرأي العامة من الشعب الياباني عن أنه يجب تأجيل الأولمبياد أو إلغاؤها بسبب الجائحة. وأظهرت استطلاعات رأي أجرتها وسائل الإعلام أن قرابة ثلاثة أرباع الجمهور غير راضين عن التأخير في حملات التطعيم.

وفي إشارة إلى «بطء خطة طرح اللقاح المضاد لكوفيد-19»، إلى جانب الفشل في احتواء تحوُّر فيروس كورونا داخل اليابان، حثَّ مؤلفو تقرير، نشرته المجلة الطبية البريطانية الأسبوع الماضي، منظمي أولمبياد طوكيو على مراجعة خطط استضافة دورة الألعاب الأولمبية «بوصفها مسألة طارئة».

العودة إلى الوراء

وألمح التقرير إلى أنه على الرغم من أن عملية التطعيم باللقاحات بدأت في اليابان في فبراير (شباط)، لم يُطعَّم باللقاح سوى أقل من ربع العاملين في مجال الرعاية الصحية في البلاد؛ إذ لا يُسمح سوى للأطباء والممرضات فحسب بإعطاء جرعات اللقاح. بل إن الطبيب الذي أعطى جرعات اللقاح لعدد من كبار السن الأسبوع الماضي في مدينة هاتشيؤجي الواقعة غرب طوكيو، هو نفسه لم يتلقَ التطعيم.

يقول الدكتور إيجي كوسومي، مدير عيادة نافيتاس، وهي شبكة خاصة من العيادات الطبية في طوكيو، إن الموظفين في العيادة لم يُطعَّموا باللقاح. وأوضح قائلًا: «هذه الأوضاع تشبه الحرب العالمية الثانية، عندما قيل للجمهور، من دون رصاص أو طعام، أن يقاتلوا حتى برماح الخيزران».

وفي الختام، يوضح التقرير أن السكان في كوريا الجنوبية وفي دول أخرى، يشعرون بالقلق من أن نجاح البلاد المبكر في السيطرة على الفيروس يتلاشى رويدًا رويدًا بسبب عدم توافر جرعات اللقاح. يقول سوه جيون، البالغ من العمر 23 عامًا، وهو محلل أبحاث في مدينة سيول، إنني: «أشعر بالإحباط عندما أرى دولًا أخرى مثل الولايات المتحدة بدأت في العودة إلى وضعها الطبيعي. لقد كان الكوريون ملتزمين جدًّا بلوائح الحكومة الخاصة بالجائحة. ومع ذلك فنحن نكافح لتأمين لقاحات تكفي الجميع. نحن نتجه نحو الأسوأ باطراد».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي