بعد الانسحاب من أفغانستان.. ما مصير القوات الأمريكية في الشرق الأوسط؟

What to Do With U.S. Forces in the Persian Gulf
2021-04-20

بينما تستعد الولايات المتحدة لسحب قواتها من أفغانستان، ما مصير القوات الأمريكية المتمركزة في الشرق الأوسط؟ للإجابة عن هذا السؤال، نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية مقالًا للباحثين ستيفن سيمون، أستاذ العلاقات الدولية في كلية كولبي، الذي عمل في مجلس الأمن القومي في عهد إدارتي كلينتون وأوباما، وريتشارد سوكولسكي، وهو زميل أقدم غير مقيم في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي.

يستهل الباحثان مقالهما بالإشارة إلى كتاب صدر في عام 1971، بعنوان: «كم يكفي؟ صياغة برنامج الدفاع»، من تأليف آلان سي إينثوفن وكيه واين سميث، اللذين خدما تحت قيادة وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت ماكنمارا. كان موضوع الكتاب هو: الإنفاق على الدفاع. تعهد العنوان بتقديم إجابة، ولكن مثل كل المسائل المزمنة، لا يزال هذا السؤال يُطرَح عدة مرات كل عام على طاولة اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة العامة. وعلى الرغم من بساطة الإجابة وأهميتها، لا توجد حتى الآن إجابة قاطعة لا لبس فيها.

يوضح المقال أن قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بسحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان قبل 11 سبتمبر (أيلول) هو قرار مزدوج؛ فنظرًا لأن بعض القوات الأمريكية المنتشرة في منطقة الخليج تتواجد هناك لدعم العمليات الأمريكية في أفغانستان، يمكن سحبها وإعادة توجيهها لمهام أخرى، بينما تنهي الولايات المتحدة مشاركتها العسكرية في أفغانستان.

ومع ذلك ستستمر إدارة بايدن في خوض نقاشٍ مُضنٍ للإجابة عن سؤال: كم يكفي؟ لحسم مصير الآلاف من الأفراد العسكريين الآخرين المتواجدين في الخليج، وهو الإرث الذي انتقل إليها من الإدارة السابقة، ويشمل القوات المخصصة لدعم العمليات العسكرية الأمريكية في العراق.

هذا بالطبع ليس نقاشًا جديدًا. ولكن على مدى السنوات العديدة الماضية، سلطت المجموعة الداعية إلى إنهاء حروب الولايات المتحدة اللانهائية في الشرق الأوسط المزيد من الضوء على فوائد الاحتفاظ بالدور التاريخي لبلادهم كضامن للأمن في منطقة الخليج. وحتى الآن، لم ينعقد توافق في الآراء حول هذه المسألة.

كما هو الحال دائمًا تقريبًا في النقاشات السياسية التي تموج بها واشنطن، أصبحت المواقف أكثر تشددًا حول نقيضين: أولاهما سحب القوات وإعادتها إلى الوطن، وثانيهما مواصلة المسار الحالي. والجواب الصحيح، الذي لا يشكل مفاجأة في رأي الباحثين، يكمن في حل وسط بين هذين النقيضين.

يتابع المقال: طالما ظلت بقية دول العالم – إذا نحينا الولايات المتحدة جانبًا – معتمدة على صادرات النفط والغاز القادمة من الخليج، واستمر الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، وبقيت احتمالية أن تمتلك طهران سلاحًا نوويًا، أو تهاجم حلفاء الولايات المتحدة وشركاءها في المنطقة، ستحتاج الولايات المتحدة إلى الاحتفاظ بتواجدها العسكري كوسيلة للتحوط ضد هذه المخاطر. ومع ذلك يرى الكاتبان أن هذا التواجد العسكري يمكن أن يتقلص عما هو عليه اليوم.

إلى أي مدى يمكن أن يقل التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة؟ يشدد الباحثان على أن القرارات المتعلقة بهذا السؤال يجب أن تستند إلى حساباتٍ صارمة تحقق مصالح الولايات المتحدة في منطقة الخليج، وفهمٍ للتهديدات المحدقة بتلك المصالح، وتقييمٍ للفوائد،، والتكاليف، والمخاطر، والآثار المترتبة على كل خيار تتبناه السياسة الأمريكية.

حجج المدافعين عن الانسحاب العسكري الأمريكي من الخليج

أولًا: يقولون إن الولايات المتحدة لم يعد لديها مصالح حيوية في منطقة الخليج، في ظل تراجع الأهمية الإستراتيجية لهذه المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة، ويرجع ذلك في الأساس إلى تزايد إنتاج الولايات المتحدة من الطاقة، وتنويع سوق الطاقة العالمي.

ثانيًا: يرون أن التهديدات الرئيسة للأمن والاستقرار الإقليميين تنبع من داخل المنطقة، بسبب ضعف الدولة وعدم كفاءة الإدارة، وبالتالي فإن القوات العسكرية الأمريكية غير مؤهلة للتعامل مع جذور هذا النوع من الصراعات.

ثالثًا: المصالح الأمريكية الأساسية في المنطقة ليست مهددة حاليًا، ويمكن حمايتها بفاتورة أقل، من حيث التكلفة والمخاطر والموارد العسكرية. لا تحتاج الولايات المتحدة إلى الاحتفاظ بتواجد عسكري دائم في وقت السلم لحماية التدفق الحر للنفط، أو الدفاع عن أمن إسرائيل، أو مكافحة الإرهاب الجهادي، أو منع هيمنة قوة معادية على المنطقة.

رابعًا: ستوفر الولايات المتحدة قدرًا كبيرًا من المال إذا سحبت قواتها المتواجدة في الخليج وأعادتها إلى الولايات المتحدة.

خامسًا: من الأفضل إعادة تخصيص القدرات التي تنشرها الولايات المتحدة في منطقة الخليج، وتوجيهها للمسارح الأوروبية، ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ لخوض منافسة القوى العظمى مع روسيا والصين.

أخيرًا: الحد من تواجد القوات العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج من شأنه تقليل خطر تورطها في النزاعات الداخلية التي تنشب بين الدول الأخرى. وطالما أن الولايات المتحدة تدير قواتها في المنطقة، فسيكون من المغري جدًا للقادة الأمريكيين تبني حلولًا عسكرية لمشاكل السياسة الخارجية.

حجج المؤيدين لاستمرار الوضع العسكري الراهن

يرى المؤيدون لاستمرار الوضع العسكري الراهن أن الفوائد المالية والإستراتيجية لتقليص التواجد العسكري مبالغ فيها، ويقدمون عددًا من الحجج لإثبات ذلك:

أولًا: تدعم معظم القوات الأمريكية المتواجدة في منطقة الخليج العمليات العسكرية الأمريكية في العراق وأفغانستان، وتضطلع بأدوار غير قتالية، مثل: التدريب وتقديم المشورة ومساعدة القوات المحلية. وطالما ظلت الولايات المتحدة تضطلع بمهامٍ في هذين البلدين، فليس هناك سوى مجال محدود لتقليص هذه القوة.

ثانيًا: لم يكن نشر القوات الأمريكية في منطقة الخليج يتعلق أبدًا بضمان وصول الولايات المتحدة إلى إمداداتها النفطية – نظرًا لقدرتها على الحصول على النفط من مكان آخر – بل يتعلق بالأحرى بتأمين حصول أصدقاء الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في جميع أنحاء العالم على الطاقة. وعلى الرغم من تراجع أهمية منطقة الخليج الإستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، لم تزل واشنطن لديها مصالح مهمة في الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية وردع المغامرات الإيرانية.

ثالثًا: من شأن عدم الاستقرار أن يهدد شركاء الولايات المتحدة على الصعيد الأمني، ويحتمل أن يوفر المزيد من الملاذات الآمنة للجماعات التي تسعى إلى مهاجمة الولايات المتحدة، بينما قد يؤدي تصلب موقف إيران وتطلعاتها الجيوسياسية في المنطقة إلى نشوب صراع مع الولايات المتحدة نفسها.

رابعًا: تتكبد القوات الأمريكية المتمركزة في دول مجلس التعاون الخليجي عددًا قليلًا جدًا من الخسائر البشرية، وعددها الحالي صغير نسبيًا، والاحتفاظ بها غير مكلف إلى حدٍ ما، في سياق ميزانية الدفاع البالغ قيمتها 740 مليار دولار للسنة المالية 2021. وسحب هذه القوات لن يوفر أي أموال، إلا في حال إسقاطها من هيكل القوة الأمريكية، وهو أمر مستبعد جدًا.

علاوة على ذلك لما كانت دول الخليج العربية توفر مرافق تدريب متميزة، وتتحمل معظم تكاليف دعم القوات الأمريكية، فإن نقل هذه الأصول سيكلف البنتاجون المزيد من الأموال. والوجود العسكري الأمريكي الحالي مستدام من الناحية السياسية؛ فهو لا يثير عداءً محليًا، ولا يهدد الاستقرار الداخلي، ولا يخلق مشاكل سياسية للبلدان المضيفة، ولا يمثل خطرًا جسيمًا لوقوع هجمات إرهابية.

بالإضافة إلى ذلك يحذر أنصار استمرار الوضع الراهن من التقليل من شأن المخاطر الإستراتيجية المحتملة لفك الارتباط العسكري؛ الذي يمكن أن يقلق حلفاء الولايات المتحدة، وكلما شعر هؤلاء الحلفاء بأنهم عرضة للهجوم، زاد احتمال أن يتصرف بعضهم بعدائية ضد إيران. بعبارة أخرى: تتواجد القوات الأمريكية في المنطقة ليس فقط لردع إيران، ولكن أيضًا لكبح جماح شركاء الولايات المتحدة.

كما يجادلون بأن فك الارتباط يمكن أن يقوض مصداقية الردع التقليدي للولايات المتحدة. إذ يمكن لطهران أن تقرر التصرف بطريقة أكثر عدوانية؛ لأنها ترى تقليص الولايات المتحدة كدليل على أن الولايات المتحدة لم تعد ملتزمة بالدفاع عن دول الخليج. ويمكن لهذه الدول، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أن تقرر بالمثل أن الولايات المتحدة لم تعد شريكًا أمنيًا موثوقًا به، وأن تطور برامجها النووية الخاصة بها، مما يحفز انطلاق سباق تسلح إقليمي.

وإذا سحبت الولايات المتحدة قواتها من المنطقة؛ فسيتضاءل نفوذها لدى المملكة العربية السعودية، على صعيد النفط، في حال حدوث انخفاض مفاجئ وحاد ومستمر في إمدادات النفط؛ ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية إلى ذروتها، وحينها سيرغب الرئيس الأمريكي في الضغط على السعودية لزيادة إنتاجها النفطي لخفض الأسعار.

حلول بديلة أكثر عقلانية

يعلق الباحثان على هذين الطرحين بالقول: يطرح كلا الجانبين حججًا قوية، لكن الدافع الرئيس لوضع القوات الأمريكية الحالي هو: احتمال نشوب صراع مع إيران. وبالتالي، فإن المسار الوحيد الذي يضمن خروجًا آمنًا للقوات الأمريكية من الخليج يتوقف على التوصل إلى الحل الذي طال انتظاره للقضايا النووية والإقليمية التي عكرت العلاقات الأمريكية – الإيرانية لسنوات.

ولكن طالما أن هذين البلدين في حالة صراع، فإن وصول الجيش الأمريكي إلى القواعد الإقليمية، والتواجد العسكري للقوات الأمريكية سيكون ضروريًا، حسبما يخلص المقال. ومع ذلك، لا تحتاج الولايات المتحدة إلى الاحتفاظ بجميع قواتها المتمركزة حاليًا في منطقة الخليج بمجرد انتهاء العمليات العسكرية الأمريكية في العراق وأفغانستان أو إيقافها.

يتابع المقال: إطلالة سريعة على أفق منطقة الخليج تشير إلى ضرورة أن تحافظ الولايات المتحدة على تواجدها العسكري المتواضع في البحرين، ما لم يصبح هذا الوجود العسكري مصدرًا رئيسيًا لعدم الاستقرار. وإذا كانت الولايات المتحدة ستواصل نشر قواتها البحرية بانتظام في بحر العرب، وهو ما ينبغي عليها أن تفعله حسبما ينصح الكاتبان، فإن سحب قواتها من البحرين لن يكون قرارًا حكيمًا أو فعالًا من حيث التكلفة.

يضيف المقال: ويتعين سحب القوات التي نشرتها الولايات المتحدة مؤقتًا في المملكة العربية السعودية على مدار العامين الماضيين، بينما يجب ترقية الدفاعات الجوية والصاروخية التي تحمي البنية التحتية الحيوية. وسيكون تقليص حجم بعض القواعد، وتقليص عدد الأفراد العسكريين، في الكويت والإمارات وقطر، مبرَّرًا بحلول نهاية العمليات الاستكشافية الأمريكية في العراق وأفغانستان.

تستند التوصيات التي قدمها الكاتبان في هذا المقال إلى قناعتهما بأن تقدير الفوائد الإستراتيجية والمالية لسحب جميع القوات الأمريكية من منطقة الخليج مبالغ فيها، وأن المخاطر المرتبطة بفك الارتباط العسكري الكامل أكبر مما يُعتقد. ويخلص المقال إلى أن التواجد العسكري الأمريكي المتوسط في منطقة الخليج ميسور التكلفة ومستدام سياسيًا، كما أنه يوفر بعض الفائدة – وإن كان يصعب تحديد حجم هذه الفائدة بدقة.

وهو ما يعتمد على سمعة الإدارة الأمريكية في كبح جماح روح المغامرة الإيرانية، وطمأنة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بالتزامها الأمني. كما أنه يتيح للولايات المتحدة سرعة الاستجابة لمجموعة من حالات الطوارئ العسكرية.

ويختم الباحثات مقالهما بالقول: يمكن حماية مصالح الولايات المتحدة الأساسية في المنطقة من خلال وجود عسكري أصغر وأكثر عقلانية، مع استكماله عند الضرورة بنشر القوات الأمريكية بالتناوب. سينتقد دعاة التقشف العسكري هذا الانسحاب المتواضع باعتباره لا يكفي لتحقيق الأهداف المرجوة، وسيهاجم صقور الملف الإيراني أي انسحاب باعتباره تراجعًا للولايات المتحدة عن مقعد القيادة، وخيانة لشركائها الأمنيين وحلفائها في المنطقة.

لكن كاتبا المقال يؤكدان أن هذا الموقف الأساسي سيضمن أن تظل الولايات المتحدة مستعدة في منطقة لم تزل تمتلك فيها مصالح مهمة – وإن كانت متضائلة – ويحميها من مباغتة المفاجآت غير السارة التي يمكن أن تحدث طالما أن الولايات المتحدة وإيران بينهما علاقة عدائية. وإلى أن يتوصل الطرفان إلى تسوية ما، فإن التخفيض التام لتواجد الولايات المتحدة سيكون مقيدًا بالقول المأثور: «إذا كنت تريد السلام؛ فاستعد للحرب».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي