"مولاي إني ببابك".. أغنية تعيش ألف سنة

2021-04-17

في عام 1972 احتفل الرئيس أنور السادات بخطبة إحدى كريماته، وكان من بين الحضور المنشد الديني الشيخ سيد النقشبندي والموسيقار بليغ حمدي والإذاعي وجدي الحكيم.

كان الرئيس يستمع للنقشبندي منذ زمن، وعندما التقى به هذه المرة خطر بباله أن يُضيف رافدا جديدا لابتهالاته الدينية، فقال لبليغ حمدي "لمَ لا تلحن للشيخ سيد؟"، ثم أمر وجدي الحكيم بمتابعة الموضوع وإطلاعه على التطورات.

هذه هي بداية حكاية أغنية مولاي إني بباك:

مَولاي إنّي ببابكَ قَد بَسطتُّ يَدي
مَن لي ألوذُ به إلاك يا سَندي؟

أقُومُ بالليل والأسحارُ سَاهيةٌ
أدعُو وهَمسُ دعائي.. بالدُّموُع نَدي

بِنورِ وَجهِكَ إني عَائذٌ وجل
ومن يعُذ بك لن يَشقى إلى الأبدِ..

كان أمرا رئاسيا لا يمكن رفضه، لكن النقشبندي أحس بالحرج لكونه أحد القراء ومن أتباع الصوفية ولا يمكنه التحول لمطرب خصوصا وأنه يعتبر بليغ حمدي مجرد موسيقار للأغاني الراقصة.

بيد أن بليغ كان ذكيا، فقد لجأ للشاعر عبد الفتاح مصطفى، وطلب منه أن يكتب له نصا دينيا مشحونا بالرضا والتسليم والرجاء والتوكل على الله وغير ذلك من المعاني التي تطغى على يوميات الشعب المصري المتدين.

عندما حصل حمدي على النص قال لسيد النقشبندي سألحّن لك أغنية تعيش مئة عام. وبعد تردد وتوجس قبل النقشبندي الدخول في المغامرة وغنى وأنشد وهزّ وجدان أرض الكنانة فكان قيثارة السماء التي تعزف في رمضان بعد الإفطار.

قصة أغنية "مولاي إني ببابك" تسردها الجزيرة الوثائقية في فيلم قصير ضمن سلسلة حكاية أغنية التي تبث في رمضان الحالي وتتناول أغاني عاشت لعقود وشغفت قلوب العرب في المشرق والمغرب.

سيد المدّاحين

ولسنوات عديدة، تعوّد جمهور الإذاعة المصرية على صوت المذيعة بعد الإفطار "نترككم مع الومضة المشرقة، مع أنغام الروح، مع الشيخ سيد النقشبندي":

مَولاي إنّي ببابكَ قَد بَسطتُّ يَدي
مَن لي ألوذُ به إلاك يا سَندي؟

والنقشبندي هو سيد المدّاحين في مصر وحالة فريدة في الابتهالات والأغاني الصوفية، وقد نقش محبة الله في قلوب الناس فهزهم لحنه وشجنه وجعلهم يرنون إلى السماء.

ويروي الموسيقار هاني مهنا أن النقشبندي كان سعيدا بهذا التحوّل الذي أتاح له الجلوس مع نجوم يعرفهم الناس ويشاهدونهم في وسائل الإعلام، وفي ذات الوقت كان خائفا من عدم قدرته على أداء اللحن بالشكل المطلوب.

ويقول المؤرخ الفني ماهر زهري إن "بليغ اعتبرها فرصة تاريخية، والنقشبندي أحس أن اللحن زلزل كيانه".

وتلفت أستاذة النقد الدكتورة ياسمين فراج إلى أن بليغ حمدي اختار تلحين الكلمات في مقام "البيات" لأنه من المقامات التي تجري فيها أحاديث المصريين، ويتيح للمغني أيضا التدخل والارتجال دون أن يؤثر سلبا على الإيقاع.

وفي المقام الأول يعود الفضل في هذه الأنشودة الربانية إلى الرئيس السادات الذي كان يسمع الأغاني متيما بصوتين هما فريد الأطرش والشيخ سيد النقشبندي.

أغنية تعيش ألف سنة

ورغم أن سيد النقشبندي توفي قبل أربعين عاما، فإنه لا يزال لحنا وعبقا رمضانيا تحن له الأجيال ويعطّر المناسبات والمجالس الدينية في أرجاء مصر.

وفي مداخلته بالوثائقي يشير مؤلف كاتب "أنغام الروح" إلى أن بليغ حمدي لحّن أغاني كثيرة للشيخ سيد النقشبندي، لكن مولاي كانت الأكثر انتشارا، وأضاف أن هذه الأغنية ستعيش ألف سنة وليس مئة.

وفي الوثائقي تتجول الكاميرا في التاريخ فتعرض صورا من منارات وقبب المساجد في القاهرة العتيقة، ليُختم الفيلم بالنقشبندي يرجو رحمة ربه:

مَولاي إنّي ببابكَ قَد بَسطتُّ يَدي
مَن لي ألوذُ به إلاك يا سَندي؟

أقُومُ بالليل والأسحارُ سَاهيةٌ
أدعُو وهَمسُ دعائي.. بالدُّموُع نَدي

بِنورِ وَجهِكَ إني عَائذٌ وجل
ومن يعُذ بك لن يَشقى إلى الأبدِ..

مَهما لَقيتُ من الدُنيا وعَارِضِها
فَأنتَ لي شُغلٌ عمّا يَرى جَسدي

تَحلو مرارةُ عيشٍ في رضاك، ومَا
أُطيقُ سُخطاً على عيشٍ من الرّغَدِ

مَنْ لي سِواك، ومَنْ سِواك يَرى قلبي
ويسمَعُه؟ كُلّ الخَلائِق ظِلٌّ في يَدِ الصَمدِ

أدعوكَ يَا ربّ فأغفر زلَّتي كَرماً
وأجعَل شَفيعَ دُعائي حُسنَ مُعْتَقدي

وانظُرْ لحالي في خَوفٍ وفي طَمعٍ
هَل يَرحمُ العَبدَ بَعْدَ الله من أحد؟

مَولاي إنّي ببابكَ قَد بَسطتُّ يَدي
مَن لي ألوذُ به إلاك يا سَندي؟







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي