أغلقت المدارس بسبب كورونا في أمريكا اللاتينية.. فأصبح الطلبة أفراد عصابات!

Covid-19 Shut Schools Across Latin America, and Children Joined Gangs
2021-04-13

بعدما أجبر تفشي كوفيد-19 المدارس على إغلاق أبوابها في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، وقع المراهقون فريسة للجماعات المتمردة التي تهرب الكوكايين، ثم لقوا حتفهم إثر قصف الجيش الكولومبي مخيمًا في الغابة التي كانوا يختبئون فيها، حسبما يرصد تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال».

استهل التقرير بالإشارة إلى أن الجائحة أدت إلى إغلاق المدرسة الوحيدة الواقعة في قرية صغيرة نائية، كانت لفترة طويلة معقلًا للمقاتلين الماركسيين. ولأنه لا يوجد اتصال بالإنترنت؛ تعذرت إقامة فصول دراسية افتراضية عن بُعد، فما كان من دانا مونتيلا، البالغة من العمر 16 عامًا، إلا أن أخبرت عائلتها بأنها ستغادر للبحث عن عمل، لكنها بدلًا من ذلك، انضمت إلى جماعة متمردة تهرب المخدرات، كما تقول السلطات.

في الشهر الماضي، قصف الجيش الكولومبي معسكر المتمردين الواقع في الغابة، مما أسفر عن مقتل دانا، وفتاة قاصر أخرى، و10 آخرين. قال السكان في تلك المنطقة لصحيفة «وول ستريت جورنال»: إن الحادث يؤكد حقيقة قاتمة مفادها أن الجماعات المسلحة وجدت بغيتها في هذه المجموعة الكبيرة من الشباب – مثل دانا – الذين غادروا المدرسة بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد.

نقلت الصحيفة عن والد الفتاة دانا، واسمه جون مونتيلا، قوله بعدما وضع الزهور على قبر ابنته مؤخرًا: «أسأل نفسي: إذا بقيَت (ابنتي) في المدرسة، ربما بقي عقلها مشغولًا بالدراسة، وما كنا لنقف في هذه المقبرة الآن».

بعد إغلاق المدارس.. الأطفال فريسة سهلة لعصابات المخدرات

صحيح أن الجائحة أدت إلى إغلاق المدارس في مختلف أنحاء العالم، لكن عمليات الإغلاق في أمريكا اللاتينية كانت شديدة الصرامة، وفوتت على الأطفال عددًا من أيام الدراسة أكثر بكثير من أي مكان آخر في العالم، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف).

تقدر الوكالة التابعة للأمم المتحدة أن الأطفال في أمريكا اللاتينية تغيبوا عن 159 يومًا دراسيًّا في المتوسط ​​خلال العام الماضي، مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 95 يومًا. ولم تفتح سوى سبع دول، من أصل 35 دولة، في المنطقة مدارسها بالكامل، مما حرم 114 مليون طالب في سن المراهقة من المظلة التعليمية، وهو ما وصفته اليونيسيف بأنه «كارثة أحاقت بجيل كامل من الطلاب».

ولكن على عكس أجزاء أخرى من العالم، يحذر التقرير من أن الأطفال الذين لم يعودوا يذهبون إلى المدارس، ويعيشون في الأحياء الفقيرة من أمريكا اللاتينية، من المكسيك إلى البرازيل، معرضون أكثر من غيرهم للوقوع فريسة لمنظمات تهريب الكوكايين القوية.

في كولومبيا، وثق ناشطون حقوقيون تجنيد الأطفال في 22 مقاطعة، من أصل 32 مقاطعة، في البلاد خلال فترة تفشي الوباء، ورصدوا تركز معظم الحالات في المقاطعات الريفية، حيث يضعف وجود الحكومة، ما يترك المجال أمام عصابات تهريب المخدرات لبسط سطوتها.

ينقل التقرير عن «التحالف ضد توريط الأطفال في النزاع الكولومبي»، وهي مجموعة تبحث في تأثير العنف المرتبط بالمخدرات على الأطفال في تلك المنطقة، قولها: إن الجماعات المسلحة جندت 220 شابًا، تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عامًا، في عام 2020، بزيادة نسبتها 11% عن عام 2019.

وقال تريان زونيجا، الذي كان حتى الشهر الماضي أكبر مسؤول حقوقي في هذه المقاطعة، المسماة جوافياري: إن معدل تجنيد الأطفال قد يكون أعلى بكثير، نظرًا إلى احتمالية أن يكون كثير من العائلات قد أحجم عن الإبلاغ بشأن انضمام أطفالهم إلى العصابات المسلحة خوفًا من الانتقام. يضيف زونيجا: «إنها بيئة خصبة للعصابات التي تريد استغلال الأطفال دروعًا، والخوف يلجم الآباء عن الإفصاح عما يجري».

في كولومبيا الخيارات محدودة.. إما تربية الماشية أو زراعة الكوكا

قال ريجوبيرتو سانشيز، عضو مجلس المجتمع المحلي: إن بويرتو كاتشيكامو محصورة بين مزارع الماشية والغابات البكر ومزارع الكوكا – النبات الذي تُعد أوراقه المكون الخام للكوكايين – ولذلك فإن المنطقة ترتبط باقتصاد المخدرات، لدرجة أن الكوكا أصبحت مقبولة للتداول بصفتها عملة.

بعد اتفاق السلام الذي أبرم في عام 2016، حصلت القرية الصغيرة على جرعة تفاؤل جديدة عندما أقدمت القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) على تسريح 13 ألفًا من مقاتليها. لكن بعض المقاتلين امتنعوا عن المشاركة في عملية السلام، وبحثوا عن مجندين جدد في هذا المجتمع الواقع على ضفة النهر، على بعد ست ساعات بالسيارة على طريق موحل من عاصمة المقاطعة.

يلفت التقرير إلى أن الأنشطة في بويرتو كاتشيكامو، التي تنتشر فيها قاعات البلياردو وبيوت الدعارة، محدودة للأطفال، الذين يميلون في كثير من الأحيان إلى تربية الماشية أو المساعدة في قطف الكوكا. وحينما يرخي الليل سدوله، يتجمعون تحت ضوء الشارع في الملعب الوحيد. بعدما أدت الجائحة إلى إغلاق مدرسة سانت هيلانة، التي يدرس فيها 170 طالبًا.

يوضح أحد الموظفين الإداريين في المدرسة أن رجال العصابات يبحثون دائمًا عن أعضاء جدد، ويجدون في الأطفال الذين لم يعودوا يذهبون إلى المدرسة صيدًا سهلًا. ولم يعد يخفى على أحد أن المراهقين باتوا ينضمون إلى هذه العصابات، وإن كان لا أحد يجرؤ على الحديث. تقول جلوريا مارتينيز، البالغة من العمر 49 سنة، وهي أم لطفلين مراهقين ووصية على أربعة أطفال آخرين: «يغادر الأطفال هذا المكان، ولا يخبروننا أبدًا إلى أين هم ذاهبون».

تحدثت جلوريا عن مدى صعوبة تحفيز الأطفال على الدراسة، ويزداد الأمر صعوبة في ظل هذه الجائحة. وبدون الإنترنت، كان على الآباء الاعتماد على إرشادات التعليم المنزلي التي ترسلها السلطات التعليمية.

استؤنفت الفصول الدراسية مؤخرًا، وأصبح الأطفال يحضرون ليومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع. يقول جابرييل، ومع ذلك، فإن أحد أبناء السيدة جلوريا، البالغ من العمر 15 عامًا، لا يريد الذهاب إلى المدرسة، ويفضل بدلًا من ذلك جمع الحصى من النهر لكسب بعض النقود. تقول السيدة جلوريا: «أحاول جاهدة، لكن لا يوجد أي دافع يحفز هؤلاء الأطفال على الدراسة».

من المدرسة إلى العصابة.. ثم إلى المشرحة

تصدرت بويرتو كاتشيكامو عناوين الأخبار الوطنية عندما أسقط مقاتل من القوات الجوية قنبلة، في مارس (آذار)، على معسكر تقول وزارة الدفاع إنه تابع لشخص يدعى ميجيل بوتاتشي، القائد السابق في القوات المسلحة الثورية الكولومبية، وأحد أكثر المطلوبين الخارجين عن القانون في كولومبيا.

وقال وزير الدفاع دييجو مولانو: إن المخابرات العسكرية لم تكن على علم بوجود مراهقين في المنطقة عندما خططت للتفجير. ومع ذلك، برر السيد مولانو، في العديد من المقابلات الإذاعية، استهداف هؤلاء المراهقين، لأن السيد بوتاتشي حولهم إلى «آلات حرب»، وهي التصريحات التي أثارت عاصفة انتقادات من جماعات حقوقية، وصفت الأطفال بأنهم ضحايا. وقال السيد مولانو لراديو «La W»: «من يوجدون في المعسكرات يشاركون في الأعمال العدائية».

من بين القتلى، مراهق يدعى جوناثان زامبرانو، يبلغ من العمر 19 عامًا، كان قد انطلق قبل أشهر باحثًا عن وظيفة، ووعد أهله بإرسال الأموال إليهم حتى يتمكن أشقاؤه الثلاثة من الدراسة بدلًا من العمل في حقول الكوكا، كما قال والده فريلي سانشيز.

فقد فريلي سانشيز وروزي زامبرانو ابنهما جوناثان زامبرانو، البالغ من العمر 19 عامًا، إثر غارة جوية استهدفت أعضاء القوات المسلحة الثورية الكولومبية في ولاية جوافياري.

وعندما ذهب السيد سانشيز إلى المشرحة لأخذ جثة ابنه، قيل له ألا يفتح الغلاف البلاستيكي الذي يلف الجثة المحترقة لأنها دخلت مرحلة متقدمة من التحلل. قال إنه رفض تصديق أن ابنه قد تحول إلى مقاتل في صفوف العصابات.

وأوضح السيد سانشيز، المدين الآن بمبلغ 1600 دولار – وهو ما يوازي دخل عامين – أنه اضطر إلى دفع ثمن نقل الجثة إلى قريته، وتابع قائلًا: «كل ما تبقى لدي لأتشبث به هو الأمل في أن يأتي شخص ما إلى هنا ويقول إنهم ارتكبوا خطأ، وأن هذا ليس ابني».

حين يصبح الأمل عملة نادرة

في عام 2019، انتقلت عائلة مونتيلا من قرية أصغر إلى بويرتو كاتشيكامو لأنها كانت تضم واحدة من المدارس القليلة في المنطقة التي تتيح التعليم حتى الصف العاشر. كانت دانا وجدَّتها، إسبيرانزا رويدا، قد أبرمتا اتفاقًا للانتقال إلى مدينة في شمال كولومبيا لإكمال تعليمها هناك.

قالت السيدة رويدا، التي ربَّت دانا، وهي تبكي: «لقد أرادت حقًّا تعلم اللغة الإنجليزية. ولقد كان بإمكانها فعل ذلك». وقال ثلاثة من معلمي مدرسة دانا إنها أرسلت رسائل عبر تطبيق «واتساب»، في بدايات تفشي الجائحة، تسأل عن كيفية مواصلة دروسها. أخبرها أحد المدربين بأنهم سيفعلون كل ما في وسعهم. وبالفعل رتبوا لأن يرسلوا إلى دانا، التي كانت مهتمة بالنشاط الاجتماعي ولديها موهبة المناظرة، كتيبات إرشادية وواجبات منزلية.

أرسلت واجبها الأخير – مقالًا عن السياسة والاقتصاد – في شهر يونيو (حزيران). ثم أخبرت معلميها فجأة بأنها لم تعد قادرة على الاستمرار، وبدأت تتجول في المدينة مثل غيرها من المراهقين الذين تركوا المدرسة. وقال المعلمون إن التغيير المفاجئ الذي طرأ عليها جعلهم يشتبهون في أن العصابات جندتها.

يذكر التقرير أن السيد مونتيلا، الذي استعاد رفات ابنته المتفحمة والمشوهة من المشرحة، قد انقطع التواصل بينه وبين دانا في شهر ديسمبر (كانون الأول)، وقال: إنه لا يعرف كيف انتهى بها المطاف في المخيم. وأعرب السيد مونتيلا، الذي انتقل من زراعة الكوكا إلى تربية الماشية منذ سنوات، عن أسفه لتورط شباب قريته بكثرة في حروب المخدرات.

وقال إن دانا، مثل العديد من شباب القرية، نشأت على مشاهد الصدام بين مزارعي الكوكا والجيش، خلال السنوات الأخيرة، التي كثفت فيها الحكومة جهودها للقضاء على محاصيل المخدرات. ويردف السيد مونتيلا في ختام التقرير: «بينما يجد الشباب أنفسهم محاصرين بين المقاتلين والجيش، فإنهم لا يرون سوى القليل من الأمل هنا».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي