الجانب المشرق للأزمة.. 3 ابتكارات طبية مفيدة ستتركها لنا الجائحة

3 medical innovations fueled by COVID-19 that will outlast the pandemic
2021-04-10

كتبت ديبورا فولر، أستاذة علم الأحياء الدقيقة، وألبرت إتش. تيتوس، أستاذ الهندسة الطبية الحيوية، ونيفان كروجان، أستاذ علم الأدوية الجزيئية الخلوية دراسة نشرتها مجلة «كونفرسيشن» أشاروا فيها إلى ثلاثة اتجاهات بارزة ظهرت في مجال أعمالهم أثناء التعامل مع جائحة فيروس كورونا، ولكن من المرجح أن تستمر حتى بعد انتهاء هذه الجائحة الحالية.

وفي مطلع الدراسة، أوضحت أستاذة علم الأحياء الدقيقة أنه قبل 30 عامًا، حقن الباحثون الفئران لأول مرة بجينات مكوَّنة من مسبب غريب للمرض بهدف إنتاج استجابة مناعية لدى الفئران. ومثل عديد من الاكتشافات الجديدة، شهدت هذه اللقاحات الأولى القائمة على الجينات تقلبات بين الصعود والهبوط. وكان من الصعب تخزين لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) المبكرة ولم تكن تنتج النوع المناسب من المناعة.

وكانت لقاحات الحمض النووي (DNA) أكثر استقرارًا ولكنها لم تكن فعَّالة في الوصول إلى نواة الخلية، لذلك فشلت في إنتاج مناعة كافية.

وتغلب الباحثون ببطء على مشاكل الاستقرار، حيث حصلوا على التعليمات الجينية حيثما يجب أن تكون موجودة، وجعلوها تحفِّز استجابات مناعية أكثر فعالية. وبحلول عام 2019، كان لدى المختبرات الأكاديمية وشركات التكنولوجيا الحيوية في جميع أنحاء العالم العشرات من لقاحات الحمض النووي الريبوزي والحمض النووي الواعدة للأمراض المعدية، وكذلك للسرطان قيد التطوير أو في المرحلة 1 والمرحلة 2 من التجارب السريرية البشرية.

وعندما ضرب فيروس كوفيد-19، كانت لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال على وجه الخصوص جاهزة للاختبار في العالم الحقيقي. وفاقت فعالية لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال التي بلغت 94 في المئة أعلى توقُّعات قدَّرها مسؤولو الصحة.

وتقدم لقاحات الحمض النووي والحمض النووي الريبوزي المرسال مزايا هائلة موازنةً بالأنواع التقليدية من اللقاحات، لأنها تستخدم الشفرة الجينية من العامل الممرض فقط، بدلًا من الفيروس أو البكتيريا بأكملها. ويستغرق تطوير اللقاحات التقليدية شهورًا، إن لم يكن سنوات.

وفي المقابل، بمجرد حصول العلماء على التسلسل الجيني لعامل ممرض جديد، يمكنهم تصميم لقاح الحمض النووي أو الحمض النووي الريبوزي المرسال في غضون أيام، وتحديد مرشح رئيسي للتجارب السريرية في غضون أسابيع وتصنيع ملايين الجرعات في غضون أشهر. وهذا ما حدث في الأساس مع فيروس كورونا.

استجابة مناعية دقيقة وعالية

وأفادت الباحثة أن اللقاحات القائمة على الجينات تُنتِج أيضًا استجابات مناعية دقيقة وفعَّالة. فهي لا تحفز الأجسام المضادة التي تمنع العدوى فحسب، بل تحفز أيضًا استجابة قوية من الخلايا التائية (T cells) التي يمكن أن تزيل العدوى في حالة حدوثها. وهذا يجعل هذه اللقاحات أكثر قدرة على الاستجابة للطفرات، وهذا يعني أيضًا أنها يمكن أن تكون قادرة على القضاء على الالتهابات المزمنة أو الخلايا السرطانية.

إن الآمال لم تعد بعيدة في أن توفِّر اللقاحات القائمة على الجينات يومًا ما لقاحًا للملاريا أو فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب، أو تعالج السرطان، أو تحل محل اللقاحات التقليدية الأقل فعالية، أو تكون جاهزة لوقف الجائحة القادمة قبل أن تبدأ. وفي الواقع، هناك عديد من لقاحات الحمض النووي والحمض النووي الريبوزي المرسال ضد مجموعة واسعة من الأمراض المُعْدية وعلاج الالتهابات المزمنة والسرطان في مراحل متقدمة وتجارب سريرية.

وبصفتي شخصًا يعمل على هذه اللقاحات منذ عقود، أعتقد أن فعاليتها المثبتة ضد كوفيد-19 ستدخل حقبة جديدة من علم اللقاحات تكون اللقاحات الجينية في طليعتها.

وأشار أستاذ الهندسة الطبية الحيوية إلى أنه خلال الجائحة، استفاد الباحثون استفادة كاملة من انتشار الساعات الذكية والحلقات الذكية ووسائل تكنولوجيا الصحة والعافية الأخرى التي يمكن ارتداؤها. ويمكن لهذه الأجهزة قياس درجة حرارة الشخص ومعدل ضربات القلب ومستوى النشاط والقياسات الحيوية الأخرى. وباستخدام هذه المعلومات، يتمكن الباحثون من تتبُّع عدوى كوفيد-19 واكتشافها حتى قبل أن يلاحظ الناس أن لديهم أي أعراض.

ومع نمو الاستخدام للأدوات القابلة للارتداء والاعتماد عليها في السنوات الأخيرة، بدأ الباحثون في دراسة قدرة هذه الأجهزة على مراقبة الأمراض. غير أنه، على الرغم من إمكانية جمع البيانات في الوقت الفعلي، فقد ركَّز العمل السابق على الأمراض المزمنة في المقام الأول.

الأجهزة تجمع كثيرًا من البيانات المفيدة

واستدرك الباحث قائلًا: لكن الجائحة كانت بمثابة عدسة لتركيز عديد من الباحثين في مجال الأجهزة الصحية القابلة للارتداء، وأتاحت لهم فرصة غير مسبوقة لدراسة اكتشاف الأمراض المُعْدية في الوقت الفعلي. وأعطى عدد الأشخاص الذين يُحتمل تأثرهم بمرض واحد – هو كوفيد-19 – في وقت واحد الباحثين عددًا كبيرًا من الأشخاص الذين يمكن الخروج منهم بفرضِيات واختبارها عليهم.

ومع الاقتران بحقيقة أن عددًا أكبر من الأشخاص يستخدمون أجهزة قابلة للارتداء بها وظائف مراقبة صحية وأن هذه الأجهزة تجمع كثيرًا من البيانات المفيدة، تمكن الباحثون من محاولة تشخيص المرض باستخدام بيانات من الأجهزة القابلة للارتداء وحدها، وهي تجربة لم تكن في السابق سوى مجرد حلم.

ويمكن للأجهزة القابلة للارتداء اكتشاف أعراض كوفيد-19 أو غيره من الأمراض قبل ملاحظة الأعراض. وعلى الرغم من أنها أثبتت قدرتها على اكتشاف المرض مبكرًا، إلا أن الأعراض التي تكتشفها الأجهزة القابلة للارتداء لا تتعلق بكوفيد-19 وحده، بل يمكن أن تكون هذه الأعراض كاشفة عن عدد من الأمراض المحتملة أو تغيرات صحية أخرى، ومن الصعب تحديد المرض الذي يعاني منه الشخص، ولكن يمكن القول ببساطة إنه مريض بشيء ما.

التباين في استخدام الأجهزة لا بد له من معالجة

ويضيف الباحث أنه بالانتقال إلى عالم ما بعد الجائحة، من المحتمل أن يقوم المزيد من الأشخاص بدمج الأجهزة القابلة للارتداء في حياتهم وأن الأجهزة ستتحسن فقط. وأتوقع أن المعرفة التي اكتسبها الباحثون خلال الجائحة حول كيفية استخدام الأجهزة القابلة للارتداء لمراقبة الصحة ستشكل نقطة انطلاق لكيفية التعامل مع تفشي الأوبئة في المستقبل، وليست الأوبئة الفيروسية فحسب، ولكن من المحتمل أن تكون أحداثًا أخرى مثل تفشي التسمم الغذائي ونوبات الأنفلونزا الموسمية.

ولكن نظرًا لأن التكنولوجيا القابلة للارتداء تتركز في جيوب الأثرياء والشباب، يجب على المجتمع البحثي والمجتمع ككل أن يعالج التباينات القائمة في الوقت نفسه.

رسم توضيحي: كل مكان يتفاعل فيه بروتين فيروس كورونا مع بروتين بشري هو موقع محتمل لعمل الأدوية – المصدر: QBI Coronavirus Research Group, CC BY-ND

طريقة جديدة لاكتشاف الأدوية

نيفان كروجان، أستاذ علم الأدوية الجزيئية الخلوية ومدير معهد العلوم البيولوجيا الكمية بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو

يشدد أستاذ علم الأدوية الجزيئية الخلوية على أن البروتينات هي الآلات الجزيئية التي تجعل خلاياك تعمل. وعندما تتعطل البروتينات أو يخطفها أحد مسببات الأمراض، غالبًا ما يصاب الإنسان بالمرض. وتعمل معظم الأدوية عن طريق تعطيل عمل بروتين أو أكثر من هذه البروتينات المعطلة أو المختطفة.

لذا فإن الطريقة المنطقية للبحث عن أدوية جديدة لعلاج مرض معين هي دراسة الجينات والبروتينات الفردية التي تتأثر مباشرة بهذا المرض. على سبيل المثال، يعرف الباحثون أن جين بي آر سي إيه (BRCA) – وهو جين يحمي الحمض النووي من التلف – يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتطور سرطان الثدي والمبيض. لذلك ركَّز كثير من العمل على إيجاد الأدوية التي تؤثر في وظيفة بروتين بي آر سي إيه.

الجينات والبروتينات جزء من شبكات معقدة

ويلفت الباحث إلى أن البروتينات المنفردة التي تعمل بمعزل عن غيرها لا تكون مسؤولة وحدها عن المرض. وتُعد الجينات والبروتينات التي تقوم بتشفيرها جزءًا من شبكات معقدة – يتفاعل بروتين بي آر سي إيه مع عشرات إلى مئات البروتينات الأخرى التي تساعده على أداء وظائفه الخلوية. وأنا وزملائي جزء من مجال صغير ولكنه متزايد من الباحثين الذين يدرسون هذه الروابط والتفاعلات بين البروتينات – أي ما نسميه شبكات البروتين.

ولبضع سنوات حتى الآن، كنت أنا وزملائي نستكشف إمكانات هذه الشبكات لإيجاد المزيد من الطرق التي يمكن للأدوية أن تخفف بها من المرض. وعندما ضربت جائحة فيروس كورونا، عرفنا أنه كان علينا تجربة هذا النهج ومعرفة ما إذا كان يمكن استخدامه لكي نجد بسرعة علاجًا لهذا التهديد الناشئ. وبدأنا على الفور في رسم خرائط لشبكة واسعة من البروتينات البشرية التي يختطفها سارس-كوف-2 SARS-CoV-2 (كوفيد-19) حتى يتمكن من تكرارها.

شبكة البروتينات الشبكية

وأردف الباحث أنه بمجرد إنشاء هذه الخريطة، حددنا البروتينات البشرية في الشبكة التي يمكن أن تستهدفها الأدوية بسهولة. ووجدنا 69 مركبًا يؤثر في البروتينات في شبكة فيروس كورونا. 29 منهم بالفعل علاجات معتمدة من إدارة الغذاء والدواء لأمراض أخرى.

وفي 25 يناير (كانون الثاني)، نشرنا ورقة توضح أن أحد الأدوية، وهو أبليدين (Aplidin) وهو الاسم التجاري لمركب بليتيدبسن الكيماوي (Plitidepsin)، المستخدم حاليًّا لعلاج السرطان، أقوى بمقدار 27.5 مرة من ريمديسيفير في علاج كوفيد-19، بما في ذلك أحد المتغيرات الجديدة للفيروس. وحصل الدواء على الموافقة للاستخدام في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية في 12 دولة باعتباره علاجًا لفيروس كورونا المستجد.

لكن فكرة رسم خرائط تفاعلات البروتين للأمراض للبحث عن أهداف دوائية جديدة لا تنطبق على فيروس كورونا فقط. لقد استخدمنا الآن هذا النهج على مسببات أمراض أخرى وكذلك أمراض أخرى بما في ذلك السرطان والاضطرابات العصبية التنكسية والاضطرابات النفسية.

واختتم الباحث الدراسة بقوله تسمح لنا هذه الخرائط بربط النقاط بين عديد من الجوانب التي تبدو متباينة للأمراض الفردية واكتشاف طرق جديدة يمكن للأدوية علاجها. ونأمل أن يسمح هذا النهج لنا وللباحثين في مجالات الطب الأخرى باكتشاف إستراتيجيات علاجية جديدة، وكذلك معرفة ما إذا كان من الممكن إعادة استخدام أي عقاقير قديمة لعلاج حالات مرضية أخرى.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي