في ظل نفوذ فرنسي.. ما الدور المنتظر من إدارة بايدن في الساحل الإفريقي؟

Biden’s Strategy in the Sahel Looks a Lot Like Trump’s
2021-04-06

عبدالرحمن النجار

قالت أماندا كوكلي في مقال على موقع «فورين بوليسي» إنه بينما كان قادة غرب أفريقيا وفرنسا يناقشون التقدم المحرز في مواجهة تقدم الإسلاميين المسلحين عبر منطقة الساحل خلال قمة مجموعة دول الساحل الأفريقي الخمس في فبراير في نجامينا بتشاد، ظهر وجه جديد في الاجتماع. بعد أيام قليلة من توليه المنصب وحرصًا على إظهار التزامه، جاء وزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكين، برسالة أمل: لقد عادت الولايات المتحدة.

تنفس الجميع الصعداء – توضح كوكلي – إذ بدا أن حالة عدم اليقين التي تحيط باهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة، التي نشأت خلال سنوات حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بدأت في التبدد على رمال الساحل، وهي منطقة شبه قاحلة تمتد عبر شمال القارة. كانت واشنطن تتراجع لصالح حليف قديم؛ فرنسا. المشكلة الوحيدة هي عودة الولايات المتحدة بالنهج القديم نفسه، الذي لم يساعد البلدان المتعثرة مثل مالي، وبوركينا فاسو، وموريتانيا، وتشاد، والنيجر في محاولتهم محاربة التمرد الإسلامي الأسرع نموًّا في العالم.

قال بلينكين للقمة: «في الوقت الذي تسعى فيه الجماعات التابعة لداعش والقاعدة لتوسيع انتشارها عبر أفريقيا، ستواصل الولايات المتحدة العمل عن كثب مع شركائنا الأفارقة. سنبني على الجهود الحالية في غرب القارة ونتشارك الدروس. في الكفاح العالمي ضد التطرف العنيف».

هيأ تمرد بقيادة الطوارق في شمال مالي في عام 2012 المنطقة للمتشددين الإسلاميين لكسب موطئ قدم. واليوم – تؤكد كوكلي – يعد التحالف الشامل للجماعات المتحالفة مع القاعدة، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، وداعش في الصحراء الكبرى (ISGS) المنظمتين المهيمنتين. لقد توغلوا معًا في بوركينا فاسو وغرب النيجر، مما أسفر عن مقتل الآلاف وتشريد الملايين.

ربما تضاءل اهتمام واشنطن بالمنطقة على مر السنين، لكن الهدف النهائي المتمثل في منع الإسلاميين المسلحين من التخطيط لهجوم على الأراضي الأمريكية ظل كما هو، وكذلك عدسة (مكافحة الإرهاب) التي ترى الولايات المتحدة وحلفاؤها الصراع من خلالها.

فرنسا تتزعم الحملة ضد الجماعات المتطرفة

منذ عام 2013، قادت باريس الجهود الدولية ولديها حاليًا 5100 عسكري منتشرين جزءًا من عملية برخان. تضم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، وهي قوة حفظ سلام، أكثر من 15 ألف فرد من القوات النظامية من 60 دولة. ما يقرب من 5 آلاف جندي يشكلون قوة G5 المشتركة من دول الساحل. في يونيو (حزيران) – تضيف كوكلي – شُكلت فرقة العمل العسكرية الأوروبية تاكوبا وتعمل على بناء قدراتها.

توفر الولايات المتحدة الدعم اللوجستي والتدريب، وتقوم القوات الخاصة الأمريكية بعمليات في جميع أنحاء المنطقة. وقد أشارت مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة بحثية، إلى هذا الحشد العسكري على أنه «ازدحام مروري للعمليات الأمنية».

قال هاني نصيبيا، الباحث في موقع الصراع المسلح ومشروع بيانات الأحداث – وهو مشروع لجمع البيانات وتحليلها ورسم خرائط الأزمات: «على مر السنين، كان التركيز على استهداف الجماعات المسلحة وقتل أكبر عدد ممكن من المقاتلين، ولكن عندما تنظر إلى هذه الجماعات، تجد أنها ذات طبيعة محلية بشكل متزايد. والسبب الجذري هو التفاوتات المختلفة على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي».

في بوركينا فاسو، الدولة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 20 مليون نسمة وتضم أكثر من 60 مجموعة عرقية مختلفة، دفع العنف المسلح الحكومة إلى الخروج من أجزاء كبيرة من الشمال والشرق. لقد تحولت «أرض الرجال الطيبين»، كما تُعرف البلاد أيضًا، من كونها واحدة من أكثر البلدان أمانًا في غرب أفريقيا إلى واحدة من أكثر الدول خطورة. ولم يكن مجرد تقدم الجماعات المسلحة عبر حدود مالي هو الذي أدى إلى هذا التراجع؛ فقد لعب العنف الطائفي أيضًا دورًا في ركوع البلاد على ركبتيها.

استهدفت كل من قوات الأمن الحكومية وميليشيا للدفاع عن النفس منشأة حديثًا مجموعات الأقليات العرقية التي يتهمونها بنشاط إرهابي. تحمل الفولانيون، وهم رعاة شبه رحل، العبء الأكبر من هذا الانتهاك. لطالما كان المجتمع في بوركينا فاسو مهمشًا، أدت تقاليدهم الرعوية في كثير من الأحيان إلى نزاعات على الموارد مع المزارعين.

وأدت المظالم الناتجة من ذلك إلى عزل العديد من الفولانيين، الذين أصبحوا أهدافًا رئيسية للجماعات المسلحة التي تبحث عن مجندين جدد. قبل قمة فبراير في تشاد، أفادت «هيومن رايتس ووتش» بوجود أكثر من 600 عملية قتل غير مشروع على يد قوات الأمن في بوركينا فاسو ومالي والنيجر في عمليات (مكافحة الإرهاب) منذ أواخر 2019.

كما ساهمت العلاقة المشحونة بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية في تدهور الوضع ببوركينا فاسو – تشدد كوكلي. أدت سنوات من عدم الكفاءة والفساد إلى ضعف نفوذ الرئيس روش مارك كريستيان كابوري، على الرغم من إعادة انتخابه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، على العديد من المناطق الريفية. هذا الافتقار إلى الحكم الرشيد يعني أن بعض المجتمعات قد وجدت دعمًا أفضل وإمكانية الوصول إلى العدالة في ظل حكم الجماعات المسلحة.

النهج الأمريكي لا يرقى لمستوى التحديات

لم يكن تعقيد الأزمة في بوركينا فاسو ومنطقة الساحل الأوسع مناسبًا لنهج واشنطن النمطي في الدبلوماسية والدفاع والتنمية. نظرًا إلى العنف الطائفي والحكم غير الفعال، يرى العديد من سكان الريف أن الحكومات المركزية متواطئة في تفكيك حياتهم. في بوركينا فاسو، يشعر العديد من القادة المحليين بالقلق من هيمنة موسي، وهي أكبر مجموعة عرقية فيها، لذا فهم يتجنبون مركز البلاد، مما يجعل من الصعب النجاح على خطط التنمية من أعلى إلى أسفل – خاصة إذا طُبقت من خلال عدسة مكافحة الإرهاب.

قالت مارجريت أريوتي، الأستاذة في جامعة جورجيا والمتخصصة في الحكم في بوركينا فاسو والمنطقة الأوسع، وقد تحدثت إلى «فورين بوليسي» بصفتها الشخصية أثناء وجودها زميلةً في مكتب عمليات الصراع وتحقيق الاستقرار التابع لوزارة الخارجية الأمريكية: «ما تريد فعله هو منع الناس من الانضمام إلى تلك المجموعات أو مساعدتها. لقد ركزت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على الحوكمة، لكن عملها لا يُترجم دائمًا إلى الإدارات المختلفة في واشنطن».

حققت المساعدة الأمريكية بعض الفوائد – تضيف كوكلي – إذ أفادت بعض المجتمعات المحلية وحسَّنت تدريب بعض القوات المحلية ومعداتها. لكن واشنطن تواصل التغاضي عن الانتهاكات المستمرة المزعومة من قبل قوات الأمن الحكومية، على الرغم من إصدار تحذير صارخ في يوليو (تموز) 2020 بأن المساعدة يمكن أن تتوقف ما لم تُجر إصلاحات أكثر صرامة.

وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: «نحن نعطي الأولوية لقضية حقوق الإنسان وقد أثرناها مع كبار القادة السياسيين والعسكريين في بوركينا فاسو. إننا نحث شركاءنا في بوركينا فاسو على إجراء تحقيقات شاملة في أي مزاعم تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة المسؤولين». ولكن حتى الآن، لم يحاكم أي فرد من الأجهزة الأمنية في بوركينا فاسو على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان.

إدارة بايدن وجهود أكبر في الساحل الإفريقي

وفقًا لمشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح، انخفضت الوفيات الناجمة عن العنف السياسي هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بعد تسجيل 87 حالة وفاة فقط حتى الآن. لكن محللين وسكان محليين قالوا إن جزءًا كبيرًا من سبب هذا التحسن هو المفاوضات بين الإسلاميين المسلحين والحكومة المركزية وميليشيات الدفاع الذاتي المحلية. في بلدة جيبو الشمالية القريبة من الحدود مع مالي، قال السكان المحليون إن المحادثات هي السبب في عودة مظاهر الأمن إلى مجتمعهم.

تقول كوكلي إن هذا يخلق مأزقًا للولايات المتحدة، التي تتمثل سياستها الرسمية في عدم التفاوض مع (الإرهابيين). لكن العبث مع القادة المتشددين يهدد بتقويض التقدم الهش الذي أُحرز حتى الآن ويخاطر برؤية أزمة الساحل تنتشر بشكل أكبر إلى شمال خليج غينيا؛ الأمر الذي من شأنه أن يزيد من زعزعة استقرار غرب القارة، وقد يؤدي إلى أزمة إنسانية أكبر، وتفريق المسلحين، مما يجعل هزيمتهم أكثر صعوبة.

قالت هانا أرمسترونج، كبيرة المحللين في مجموعة الأزمات الدولية: «في بعض الأحيان يمكن أن يكون لنهج (مكافحة الإرهاب) عواقب غير مقصودة. إن وضع مكافأة على رؤوس القادة المتشددين، هذه الأنواع من التحركات السياسية، تجعل المفاوضات والتواصل أكثر صعوبة إلى حد ما. كما أنها تعرض الوسطاء للخطر».

لكن إعادة صياغة إستراتيجية الولايات المتحدة الآن للتركيز على نمط حكم أفضل قد تتطلب جهدًا أكبر من الإدارة الجديدة، التي لا تزال تكافح من أجل شغل مناصب الأمن القومي للمنطقة.

في مارس (آذار) 2020، عينت إدارة ترامب جيه بيتر فام، الخبير في الشأن، مبعوثًا خاصًّا لمنطقة الساحل. لقد رحل ولكن لم تستبدل به إدارة بايدن مبعوثًا جديدًا، والتي لم تتخذ أي تحركات سياسية رئيسية أخرى بشأن غرب أفريقيا منذ توليها السلطة. ناهيك عن أي شيء ينذر بتحول جذري عن نهج ترامب. لا تزال واشنطن قلقة من تصاعد الإرهاب في غرب أفريقيا وتواصل جهود مكافحة الإرهاب الموروثة من الإدارة السابقة.

قالت أريوتي: «تركز الإدارة الجديدة بشكل عام على إعادة العلاقات مع حلفائنا الأوروبيين وفي هذه المنطقة. لفترة طويلة، كانت الولايات المتحدة سعيدة بأن تلعب دورًا داعمًا لفرنسا. لكن أعتقد أنه يجب أن يكون لدى واشنطن حوافز لإدراك أن إستراتيجية مكافحة الإرهاب الفرنسية ليست بالضرورة أفضل نهج».

في غضون ذلك، في ما وُصف بأنه «الأزمة الإنسانية الأسرع نموًّا في العالم»، أصبح أكثر من مليون شخص في بوركينا فاسو يعيشون في مخيمات سيئة الإدارة خارج العاصمة واجادوجو. أمضى أحمدو بيكينجا، وهو مزارع يبلغ من العمر 46 عامًا من بينسا أكثر من عام مع ما يقرب من ألف شخص آخرين في مخيم غير رسمي للنازحين داخليًّا في بلدة كايا الشمالية. كان قد غادر المنزل على عجل بعد أن اقتحم مسلحون قريته وبدأوا في إطلاق النار عشوائيًّا.

قال بضجر:«كانت حياتي هادئة من قبل؛ لا يهمني كيف سيحدث ذلك، كل ما أريده فقط العودة إلى المنزل».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي