يا غيلون.. هلا غسلت أقدام ضحاياك الفلسطينيين لنصدقك!
2020-07-05
كتابات عبرية
كتابات عبرية

كرمي غيلون هو الإسرائيلي الجيد، يحمل صليب قتل رابين على ظهره ويعتذر عن خطأ الاحتلال. ومنذ تركه لرئاسة جهاز الشاباك تحول إلى ناشط سلام. وحتى عندما كان في وظيفته، تميز بمسحة إنسانية. ذات مرة، دعاني إلى لقاء، ومنظرنا ونحن جالسان على سرير مزدوج في غرفة فندق بتل أبيب –هو يسأل ويصغي جيداً وأنا أتحدث عن الجرائم– ترك فيّ انطباعاً لا ينسى. عامي أيلون، أيضاً، تماهى مؤخراً مع “نحطم الصمت”، وكان هذا أمراً مثيراً للانطباع. معظم أسلافهما ومن جاؤوا بعدهما، اكتشفوا النور، أو كما يقال: الظلمة، ظلمة الاحتلال، بعد يوم من إنهاء تعزيزه بنجاعة وبصورة قاسية تتميز بها المنظمة التي ترأسوها. هذا ما ظهر في مقابلة غيلون مع رفيت هيخت (“هآرتس”، أول أمس). “سأقول لك ما الذي كان يجب فعله. كان يجب إنهاء الاحتلال. فهو أم كل الخطابا”، قال غيلون، وعلى الفور صحح: “ربما أكون شخصاً لطيف بالنسبة لك. ولكني الشخص الذي ألصق الهاتف برأس المهندس يحيى عياش”. يا حضرة المحتل الإسرائيلي المتنور والجميل، عليك إنهاء الاحتلال ووقف إلصاق الهواتف بالرأس. المحتل القاتل الذي يعرف أن الاحتلال هو أم كل الخطايا.

ولكن الخطيئة التي يعتذر عنها غيلون ليست الخطيئة التي يجب الاعتذار عنها. غيلون لا يعتذر عن الخطأ الأخلاقي، إنما يعتذر عن الخطأ النفعي: الاحتلال ليس جيداً لإسرائيل. لذلك، يجب إنهاؤه. رئيس الشاباك الذي يتفاخر بالهاتف المحمول الذي وضعه، ولكنه المتقاعد الذي يعتذر فيه عن الخطأ الشخصي وليس عن الخطأ الصحيح. اليسار الصهيوني في أفضل الحالات: الهاتف المحمول كان يجب وضعه. والآن تعالوا لنكون أخلاقيين.

بكلمات أخرى، قال غيلون إنه نفذ الأوامر التي كانت مخالفة لموقفه أو أن موقفه تغير عندما تقاعد. هذا يبدو معروف تماماً من التاريخ. الهاتف المحمول القاتل الذي ما زال يتفاخر به تسبب بأربع عمليات انتحارية جبت حياة أكثر من ستين إسرائيلياً. المهندس المقتول استبدل بمهندس آخر. وهذا أيضاً اغتالته قوات غيلون، الذي لا يندم للحظة على ذلك، “كل شيء تكتيك. الشاباك يحارب الإرهاب ويستخدم ضده كل الوسائل”. كل الوسائل استخدمها باستثناء الوسيلة الوحيدة التي كان يمكن أن تكون فعالة، وهي إنهاء الاحتلال. ولكن لم تكن لدى غيلون القوة أو الشجاعة لاستخدام هذه الوسيلة. ومثل كثيرين، استمر في عمله وانتظر تقاعده كي يقول الحقيقة. من السهل انتقاده، ومن الصعب أن تكون في مكانه. عندما تكون جزءاً من النظام أو برغياً في آلة، فأنت تقوم بتكييف نفسه وتعمل مثلما يعمل الجميع. أحيانا هذا ينتهي بمقابلة تعتذر فيها عن الخطأ. النظام الأخلاقي مجمد، وهو ينتظر التقاعد. وعندها يستيقظ ويعمل، بتأخر مصيري، حينها لا يهم ما الذي يعتقده غيلون.

علينا تصديق غيلون، فهو شخص جيد، لكنه يريد أن يكون كل شيء مثل بعض الإسرائيليين، وهذا أمر مستحيل لأن التناقض لا يمكن أن يسوى. والضمير لا يخزّن حتى نهاية فترة العمل. والاحتلال “أم كل الخطايا” استمر بسبب مؤيدي غيلون وأيالون. ليس لديهما أي سبيل للتملص من المسؤولية. والشاباك الذي قادوه كان وما زال يثير الاشمئزاز، وهما لا يعتذران عن ذلك. وادريان بلوك أيضاً كان المسؤول عن أفعال حقيرة ومتوحشة مثل غيلون. فقد كان وزير العدل والنظام العام في جنوب إفريقيا، وقد اعتذر عن الخطأ أيضاً، لكنه فعل هذا بصورة مختلفة، وذلك ببادرة حسن نية مسيحية حين ذهب لغسل أقدام ماريا ناتوري السوداء، التي قتلت قواته ابنها وثمانية من أصدقائه الشباب. هذا الأمر فطر القلب وعبر عن كفارة حقيقية. بلوك كرس سنوات حياته لتقديم المساعدة الرحيمة للسود وانتقل من بيت إلى بيت.

في اليوم الذي سنشاهد فيه غيلون وأيالون وهما يركعان على ركبتيهما أمام ضحاياهما الفلسطينيين ويقومان بغسل أقدامهم، سنعرف حينها أنهما قد ندما عن الخطأ، فقط حينها.

 

بقلم: جدعون ليفي

هآرتس 5/7/2020



مقالات أخرى للكاتب

  • إسرائيل بعد ضربتها لأصفهان.. هز مقصود للسفينة الإقليمية أم لعب بالنار؟  
  • كيف واجه أهالي دوما والمغيّر إرهاب المستوطنين؟  
  • هل هناك خط دبلوماسي إيراني - عربي- أمريكي لمنع حرب إقليمية؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي