هكذا ساهمت “العليا” الإسرائيلية "علناً" في شرعنة النهب وجرائم الحرب
2020-05-07
كتابات عبرية
كتابات عبرية

المحكمة العليا هي إحدى الحيل المتطورة جداً في إسرائيل، ولا يوجد مثلها من أجل تشكيل إسرائيل كما تريد أن تظهر متنورة وقانونية وديمقراطية. صحيح.. إن فيها محكمة عليا، القبة الحديدية للديمقراطية. إذا كان هناك أخطاء فالمحكمة العليا ستصلحها. كم هي جميلة المحكمة العليا وكم نحن جميلون! إسحق رابين حلم بدولة من غير محكمة عليا، لكن المحكمة العليا لم تمنعه من شيء، بما في ذلك الطرد الإجرامي لـ 415 ناشطاً من حماس إلى لبنان. وها هي هالة منارة العدل والتنوير تتعاظم.

الحرب التي شنها اليمين في السنوات الأخيرة ضد المحكمة العليا أضافت المزيد إلى القول المأثور: هذه حرب ضد الديمقراطية التي يريد اليمين تدميرها، ومَن غير المحكمة العليا يخلصنا من بين يديه؟ هكذا أيضاً النص المخفي الذي يرافق الآن مداولات المحكمة العليا بشأن نتنياهو: نملك ديمقراطية على أكمل وجه، وقد يدمرها نتنياهو، المحكمة العليا ستوقفه. عيون المعسكر الليبرالي تنظر الآن نحو القضاة الذي يرتدون الأقنعة والذين ستأتي المساعدة منهم. هذا خداع ذاتي. أيضاً في بريتوريا ذات التمييز العنصري كانت هناك محكمة عليا، بل وكانت هناك انتخابات ديمقراطية أيضاً، فهل خطر ببال أحد أن يسمي النظام في جنوب إفريقيا ديمقراطية؟ جنوب إفريقيا أيضاً كانت دولة قانون، ولكن أي نوع من القانون كان لديها. في إسرائيل يدور النضال الآن حول الديمقراطية، الذي من المشكوك فيه إذا كان نضالاً مؤكداً حول الديمقراطية. متى سيُفهم بأن عيش 4.5 مليون شخص بدون أي حقوق وتحت سيطرة ديكتاتورية طوال عشرات السنين- لا يسمى ديمقراطية. ببساطة، لا توجد ديمقراطية مثل هذه.

إسرائيل هي الديمقراطية بالضبط مثلما كانت جنوب إفريقيا السابقة ديمقراطية. لم يتم تشريع الأبرتهايد هنا، لكننا نمهد طريقه بفضل المحكمة. لن توقف المحكمة العليا جموح الأبرتهايد تماماً مثلما لم توقف الاحتلال. النشاط القانوني عرف دائماً أين يتوقف: عند الخط الأخضر وأمام جهاز الأمن. هناك تنهك قواه، ويصمت صوته، ويستسلم بدون شروط. النشاط في ذروته تحول إلى سلبية في مناطق غير مريحة لإسرائيل. لذلك، عندما سيحاسبون الاحتلال ذات يوم سيتم حفظ مكان محترم لمحكمة العدل العليا، التي وصلنا بفضل نشاطها إلى ما وصلنا إليه.

لشديد الدهشة، المغسلة الأخلاقية والقضائية الكبرى هذه ما زالت تثير التوقعات لليبرالية.. استناداً إلى ماذا؟ هل لسوابق الماضي؟ الآن يتطلعون إلى أن يقوم قضاة القدس بإنقاذ إسرائيل من الحضيض القانوني والأخلاقي الذي وصل إليه النظام السياسي. الديمقراطية ليست هي التي تقف على باب المحكمة، بل هي مشكوك فيها أصلاً، ومن المؤكد أن اتفاقية الائتلاف لن تدمر الديمقراطية. معظم من يتطلعون الآن وهم يرفعون الأعلام السوداء إلى الخلاص من المحكمة العليا، لم يخرجوا بنفس الأعلام عندما قامت المحكمة العليا بشرعنة ذلك، وعندما صادقت وبيضت جرائم حرب. الآن يأتون؟ الوقت متأخر جداً. المحكمة العليا أُفسدت ولم تتجرأ يوماً ما على طرح موقفها بالنسبة للمستوطنات مثلاً، لن تجد الشجاعة للتقرير بأن المتهم بمخالفات جنائية لا يمكنه شغل منصب رئيس الحكومة.

أما من هبوا لمساعدة المحكمة العليا ويصرخون ضد المس الشديد بها، فيلعبون لعبة خداع الذات: لدينا نظام متنور، الأشرار يريدون المس به، المحكمة العليا تدافع عن النظام ونحن الأخيار سندافع عن المحكمة العليا بأجسادنا. من أجل ماذا يجب علينا الدفاع عن المحكمة العليا؟ أمِن أجل أن تستطيع شرعنة المزيد من أعمال النهب والسرقة؟ المزيد من الجرائم والحرب؟

عندما كنا صغاراً، أنا وأخي، كنا نحول الدراجة التي لها ثلاثة دواليب، الحمراء والصغيرة، ونتخيل أن دولاب الدراجة هو المقود، وأننا سائقو باصات، أيام كاملة قضيناها هكذا، نقود حافلة خيالية. إسرائيل بنت لنفسها عالماً متخيلاً لا يقل عن ذلك: أنها ديمقراطية ولديها محكمة عليا لتحافظ عليها آمنة. ليس أكثر واقعية من حافلتنا المتخيلة ذات الدواليب الثلاثة التي لا تنسى.

 

بقلم: جدعون ليفي

هآرتس 7/5/2020



مقالات أخرى للكاتب

  • إسرائيل بعد ضربتها لأصفهان.. هز مقصود للسفينة الإقليمية أم لعب بالنار؟  
  • كيف واجه أهالي دوما والمغيّر إرهاب المستوطنين؟  
  • هل هناك خط دبلوماسي إيراني - عربي- أمريكي لمنع حرب إقليمية؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي