يدفنون غزة
2025-05-25
كتابات عبرية
كتابات عبرية

الإسرائيليون الذين شاهدوا المؤتمر الصحافي لنتنياهو أول أمس كان يمكنهم أن يأخذوا انطباعا مغلوطا. بخلاف ما قاله فإن سيطرة الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة تجري بسهولة نسبية. فالقوات تجتاح مدنا مدمرة فارغة من السكان. أصداء الانفجارات التي تهز البيوت في غلاف غزة لا تدل على معارك من بيت إلى بيت: فلا توجد بيوت؛ لا توجد معارك. وحسب مصادر في الجيش فإن 12 ساعة فقط استغرقت لاحتلال مدن مثل الشجاعية، التفاح، جباليا. فالمواطنون نزحوا جنوبا. مخربو حماس نزحوا معهم، أو بقوا في نفق، بانتظار الفرصة للخروج ولقتل مقاتل. التهديد الأساس هو العبوات التي خلفها المخربون وراءهم. دانيلو موكنو، مقاتل من غولاني قتل في خانيونس بعبوة زرعت في الطابق العلوي من أحد البيوت. الطابقان الأولان مشطا.. العبوة زرعت في الطابق فوقهما. عندما انفجر البيت انهار على المقاتلين. هذا بانتظارنا على ما يبدو، لاحقا أيضا: قتيل بعبوات.. قتيل بنار صديقة.. الدبابات ستندفع إلى الأمام، لكن المقاتلين الذين سيعودون من هناك سيروون أنهم لم يروا عدوا. هذه حرب من طرف واحد. عشرة مسؤولين كبار تبقوا في قائمة المرشحين للتصفية، هؤلاء مسؤولون من الدرجة الثانية أو الثالثة، شهداء عابرون. لا معنى لهزم حماس، لأن حماس كمنظمة عسكرية، هزمت قبل أن تنطلق الحملة المسماة “عربات جدعون” على الدرب، غزة، يقول مصدر عسكري لم تعد تهديدا استراتيجيا.

العدو الملموس هو بيوت وأنفاق، الفكر العسكري المحدث يقول إنه في كل بيت يقف على حاله قد يختبئ قناص. من تحت كل بيت قد يعمل نفق. الاستنتاج: يجب هدم كل بيت في كل مدينة، في كل قرية، في كل مخيم لاجئين. طوكيو، برزدن، كوفنتري، كل المدن التي تعرضت لقصف مكثف في الحرب العالمية الثانية، كانت في وضع أفضل من بيت لاهيا، من رفح، من بيت حانون ومما بانتظار خان يونس وغزة.  رئيس الأركان أيال زمير ومعظم جنرالات هيئة الأركان، فضلوا صفقة لإعادة كل المخطوفين، إنهاء الحرب واستئنافها بعد ذلك، بافتراض أن حماس ستخرق وقف النار. هكذا أيضا رئيس الشاباك رونين بار وهيئة أركانه. لكن نتنياهو أملى سياسة أخرى، ولم يتبقَ للجيش غير تبني الإملاء، تسويقه للمقاتلين وللجمهور، وتنفيذه بالحد الأدنى من الخسائر. لقد أعد الجيش خطة عملياتية ورفعها لإقرار الكابينت. وقد استندت إلى بضعة افتراضات: الضغط العسكري رقق مواقف حماس عشية الصفقات السابقة؛ مطلوب ضغط لترقيق المواقف هذه المرة؛ إخلاء السكان (في الجيش يستخدمون الاصطلاح المغسول “تحريك”) سيتيح السيطرة على الأرض وتطهيرها وسيشجع احتجاجا ضد حماس؛ السيطرة على المساعدات الإنسانية ستمنع مصدر الدخل للمنظمة وتضعف سيطرتها على السكان. “اليد التي تطعم تبقى في الحكم”، يقول مصدر عسكري. حماس تدفع لناشطيها المساعدات.. أحد الأساليب الذكية. اصطلاحه بالعربية هو “حوالات”: صندوق بندورة في إسرائيل، أو في الضفة بثمن معين؛ في القطاع يباع بثمن آخر؛ الفرق ينتقل عبر صرافين في تركيا ويتجسد بمال نقدي، الطريقة ناجحة أيضا في المساعدات المؤطرة، من خلال المنظمات وكذا في المشتريات من خلال التجار. الشركة الأمريكية التي ستوزع الغذاء، يفترض أن تبدأ عملها في نهاية هذا الأسبوع. طهرت من أجلها أربعة مجالات ـ في الجنوب، في الوسط وفي الشمال. الجيش سيفتش ويحرس. المواطنون يتم إدخالهم بعد التفتيش، يتلقون رزمة غذاء ويخرجون، ماذا سيفعلون بالرزمة عندما يلتقون في خيمة النزوح، رجل حماس، ليس واضحا. الموضوع لم يعالج بعد.

إسرائيل ـ صفر نقاط

لم تولِ الخطة العسكرية وزنا مناسبا لمشكلتين: الأولى، انعكاس الوضع في غزة في وسائل الإعلام العالمية وعبرها في الحكومات الصديقة؛ الثانية، تداعيات  اليوم التالي. التقارير في وسائل الإعلام ركزت على الفظائع: طفلة تتضور جوعا؛ جثامين تحت الأنقاض؛ طرد جماعي، بالعربات، على الأقدام، صرخة نساء، مدن مدمرة. هذا ما يعرف التلفزيون كيف يفعله، هذا ما تعرف الشبكة الاجتماعية كيف تشعله. منظمات حقوق الإنسان ساهمت بنصيبها. لإسرائيل لم يكن جواب، وإذا كان فهي لم تعرف كيف تسوقه. نتنياهو علق بين الحاجة لأن يشرح للعالم أن ما تفعله إسرائيل في غزة ليس رهيبا بقدر كبير، والحاجة لإقناع سموتريتش وبن غفير والقاعدة، بان ما تفعله إسرائيل في غزة رهيب وفظيع. في الطريق إلى إعادة احتلال غزة، فقدت إسرائيل حكومات صديقة في أوروبا. حكومة إيطاليا اليمينية هي الخسارة البارزة. لا تقل أهمية الانعطافة التي طرأت في حكومة بريطانيا، يوجد لها أيضا تداعيات أمنية واقتصادية في وقف توريد الذخائر والاتفاق التجاري. وحتى حكومة ألمانيا تزن سياستها من جديد، مع كل الاحترام للتصويت في الايروفزيون، أوروبا تأخذ بالابتعاد.

والآن أمريكا أيضا. الخطة التي أقرت في الحكومة بنيت على أساس أن ترامب، بخلاف بايدن، سيبدي صفر حساسية لحياة المدنيين في غزة. إسرائيل ستتمتع بإسناد مطلق. لكن ترامب يبلور آراءه، وفقا لما يراه في التلفزيون. يحتمل ألا يكون حساسا لحياة الغزيين، لكنه حساس لمشاعر شركائه التجاريين في السعودية، قطر والإمارات. انتقاد ترامب أجبر نتنياهو على السماح بإدخال مساعدات إنسانية قبل وقت مما أراد، ومباشرة إلى أيدي حماس. في البداية ألقى المسؤولية على الجيش. وعندما لم ينجح هذا اتهم منتقديه في إسرائيل.

في صباح يوم الثلاثاء الماضي، أجري في الجيش تقويم للوضع، تضمن بحثا في النقد على إسرائيل في أمريكا وأوروبا. “نحن لا نزال في مرحلة التلميح”، أجمل ضابط كبير، وافترض أن دخول الشركة الأمريكية، والانخفاض المتوقع في عدد القتلى، وتوسيع المساعدات ستوقف المطالبات بالعقوبات. تقديره كان متفائلا.

تداعيات اليوم التالي تكشف هوة بين رؤيا الجيش ورؤيا الحكومة. نتنياهو يتحدث عن سيطرة إسرائيلية في غزة كلها، إلى أبد الآبدين، وترحيل طوعي لقسم كبير من السكان. سموتريتش يتحدث عن استيطان وحكم عسكري. عمليا، الجيش يشق الطريق لتحقيق رؤيا الجناح المسيحاني في الحكومة. حين كل ما يتبقى من غزة هو كومة ضخمة من الأنقاض، يصبح الاستيطان حلا في متناول اليد يكاد يكون مطلوبا.

 

ناحوم برنياع

يديعوت أحرونوت 23/5/2025



مقالات أخرى للكاتب

  • إسرائيل بـ"عرباتها" تخفق في تحقيق أهداف الحرب: غزة.. إلى متى؟
  • باحثاً عن مخرج.. هل تنكسر عصي نتنياهو في دواليب ترامب وخطته؟
  • ما أبعاد مرسوم ترامب لحماية الدوحة أمريكياً وإقليمياً ودولياً؟







  • شخصية العام

    كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي