
الإهانة الوطنية اللاذعة التي عانت منها إسرائيل على يد ترامب، لا يمكن أن تحدث إلا في ظل الحكومة الحالية التي تطلق على نفسها الوطنية. كانت تجري مفاوضات مباشرة مع حماس من فوق رأسها ومن وراء ظهرها، أدت إلى إطلاق سراح إيدان ألكسندر. بعد التعلم من الفشل السابق، حافظ الأمريكيون على أمن الميدان كي لا يتمكن أي إسرائيلي، لا سيما الأمريكي – الإسرائيلي رون ديرمر، من إحباط الخطوة مرة أخرى. نجح هذا، وعاد إيدان ألكسندر، الجندي الإسرائيلي، إلى إسرائيل بدون أن يكون لحكومة إسرائيل أي دور في ذلك.
يمكن تخيل، بشيء من الرعب، كيف كانت المعارضة السابقة بقيادة نتنياهو ستتصرف لو استيقظت حكومة بينيت – لبيد واكتشفت أن الرئيس الأمريكي توسط لإطلاق سراح جندي لديه جنسية مزدوجة من خلال التفاوض مع “النازيين الجدد”. لم يكن بايدن شجاعاً بما فيه الكفاية، مثلما لم تكن كمالا هاريس معادية للسامية، لكن على الأقل كان نتنياهو يعرف ما يجب فعله – في نهاية المطاف، مهنته السم والتدمير، وليس البناء والأمل. كم هو عدد مقاطع الفيديو الغاضبة، وما هي إحاطات التشهير التي كان هذا المصدر سيطلقها.
البيان حول تحرير ألكسندر تسلمه مساء أول أمس مثلنا جميعاً. سقطت السماء على مكتب رئيس الحكومة. لم ينم ليلته، مسكين، وأشار محاميه إلى أنه “لم ينم سوى ساعة ونصف”. مهم معرفة إذا كان نام هذا الوقت بضمير مرتاح. المتحدثون بلسانه في وسائل الإعلام، سارعوا إلى توبيخ الرئيس ترامب، كيف يتجرأ على التحدث مباشرة مع منظمة إرهابية قبيحة، وكيف كان المعلقون قبل بضعة أشهر يوبخون أعضاء الإدارة السابقة على جرأة وقف سلاح ما، وعموماً كيف لدولة رعاية مثل أمريكا، تتجرأ مرة تلو الأخرى على تلويث فمها بكلمات عن الدولة العظمى إسرائيل؟
توصلت الإدارة الأمريكية الحالية بسرعة إلى استنتاج استغرق بايدن وقتاً طويلاً. ها هو ويتكوف يعطي إحاطات لعائلات المخطوفين بأن الحرب في قطاع غزة لم يعد لها أي هدف أو جدوى. ولكن نتنياهو يصمم على مواصلتها. وها هو المسيح، دونالد بن بيرد ترامب، يكتب بأنه يجب وقف “الحرب الوحشية” في القطاع. هذا التعريف يتعلق من ناحيته بالمخطوفين الإسرائيليين، وبدرجة أقل بسكان غزة.
تحرير ألكسندر أمس والطريقة التي حدث فيها، تبدو كسلوك إجرامي لحكومة نتنياهو. لا تبادر إلى أي شيء، ولا تحرك خطوات، ولا “تنتحر” من أجل إنقاذ حياة المخطوفين العشرين الباقين، وإعادة الآخرين للدفن. بعد إقالة رئيس “الشاباك” رونين بار، ورئيس الموساد دادي برنياع من طاقم المفاوضات ليحل ديرمر الفاشل والمنتفخ مكانهما، دخلت إسرائيل إلى وضع سلبي. الطاقم السابق بادر طوال الوقت، 7/24، وهو ما أصاب نتنياهو بالجنون. لم تكن لديه نية في نجاحهما، بل أراد كسب الوقت والتراجع وإفشال عملهم. كل ذلك لئلا يتفكك الائتلاف.
خلافاً للاعتقاد السائد، يعود الفضل في عقد الصفقة السابقة التي تحرر فيها 33 مخطوفاً لرونين بار، الذي خلق مساراً متميزاً ومباشراً مع حماس، وبفضله تحققت الصفقة. ترامب، بواسطة ويتكوف، وفر الدعم والأجواء الإيجابية، التي لم تسمح لنتنياهو بالهرب من الحلبة التي أدخله إليها الطاقم السابق. هذا سبب آخر من ناحيته، يجعله يحمل الضغينة الدائمة ضدهم والافتراء عليهم والتحريض ضدهم إلى الأبد، ويطلق عليهم اسم “الدولة العميقة” والزمرة العسكرية.
أمس بعد الظهر، جرت محادثة هاتفية بين ترامب ونتنياهو، التي نشر مكتب رئيس الحكومة عقبها نوعاً من التصريح السياسي، جاء فيه أن نتنياهو شكر الرئيس على “المساعدة في إطلاق سراح إيدان ألكسندر”. المساعدة؟ ما صلة ذلك؟ كان نتنياهو آخر من عرف عن ذلك. أما ترامب فلم يشكره، بل شكر قطر ومصر.
يهبط ترامب في السعودية (ثم الإمارات وقطر) في زيارة مهمة، تنوء بفائض التوقعات المبالغ فيها. وسيلتقي مع زعماء شباب: محمد بن سلمان ولي عهد السعودية، ومحمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، ورئيس الحكومة القطرية محمد آل ثاني. وربما يلتقي مع الجولاني، ومع زعيم أقل شباباً أبو مازن. أين نتنياهو؟ في نفس المكان بالضبط. بعد سلسلة إهانات، جره ترامب إلى إرسال وفد المفاوضات إلى الدوحة. المباحثات مع إيران والاتفاق مع الحوثيين وفرض آلية جديدة للمساعدات وتشغيلها على الفور، كل ذلك مقدمة. تحرير ألكسندر سعادة كبيرة للجمهور الإسرائيلي، لكنه سحق وحشي لدولة إسرائيل. لم يكن أمام نتنياهو أي خيار باستثناء رفع علامة نصر ما.
لكن ليس لمحركي الدمى لديه، بن غفير وسموتريتش، ما يقلق؛ فقد بذل جهداً لتهدئتهم مسبقاً وضمن لهم حدود القطاعات، خطة ويتكوف القديمة. نعم، نفس الخطة التي ماتت بالفعل، والتي أعقبها مبادرات للوسطاء. لقد ألقيت فوراً في سلة القمامة لكيلا يكون لدى “قوة يهودية” و”العنصرية الدينية” أي فرصة لنبس بنت شفة. ونحن الآن عالقون في الحرج. الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب لعملية “عربات جدعون”، وكل الشرق الأوسط في حالة تأهب لعربات ترامب، وعائلات المخطوفين في حالة تأهب خوفاً من المزيد من الحزن، ونحن جميعاً عالقون في عربة الفشل المستمر لحكومة نتنياهو.
يوسي فيرتر
هآرتس 13/5/2025